قمة الخداع والكذب والانتقائية في الفكر الإسلامي

عبد القادر أنيس

هذه هي المقالة الحادية عشر حول قراءة كتاب محمد الغزالي ” حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة”.
غيرت عنوان الحلقة حتى يعبر تعبيرا صادقا عما جاء في هذا الفصل من تحايل فاضح حول “الحرية المدنية”. أضفت كلمة “قمة” لأن الشيخ الغزالي يبلغ قمة لا تدانى من حيث الخداع والانتقائية والسذاجة وبل وحتى الكذب أيضا في التعامل مع تراثه من جهة ومع التراث العالمي الحديث المتعلق بحقوق الإنسان.
لنقرأ ثم نفكك. كتب الغزالي (ص 69) حول تعريف الحرية المدنية: “ونعني بها كل التصرفات النابعة من شعور الإنسان بذاته وضرورة اعتراف الجماعة بشخصه، وأهليته المطلقة للتصرف وفق ما يريد”.
“وعلى أساس هذه الحرية يملك كل إنسان أن يقيم حيث يشاء، وأن يسافر متى شاء، وأن يجتمع بمن يريد الاجتماع به، وأن يحوز من المال ما يكسب وأن يحترف من المهن ما يهوى وأن يباشر العقود التي يرى إبرامها ويفسخ التي يريد فسخها من بيع وشراء وشركة ووكالة وكفالة وإيجار. الخ. وذلك كله بداهة وفق قانون يمنع الضرر والعدوان حتى لا يشتط أحد في استخدام حريته فيؤذي الآخرين وينال من حرياتهم هم”.
“وهذه الحرية تبدأ من غريزة الشعور الإيجابي بالذات- كما يعبر علماء النفس- ولذلك فهي أساس لضروب شتى من الحريات. بل إن المفهوم السائد للحرية بين الجماهير يكاد لا يعدوها”.
“وضدها العبودية أو الاسترقاق الذي يفقد الإنسان فيه أهليته ولا يملك زمام نفسه”.
“والله عز وجل خلق الإنسان كامل المسؤولية وشرع له التكاليف الدينية ورتب عليها المسؤولية والعقوبة، على أساس إرادته الحرة وامتلاكه المطلق للاتجاه ذات اليمين أو ذات الشمال”.
وطبعا لا يجد الغزالي خيرا من القرآن سندا له “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت” (البقرة 286).
“وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأولى” (النجم، 39-41).
قبل أن أواصل قراءة هذا الفصل المثير بخداعه وانتقائيته، أتوقف عند هذه الفقرات السابقة لأثبت اتهامي للشيخ بالخداع والانتقائية.
كنت في مقال سابق من هذه السلسة:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=203373
قد وجهت له التهمة نفسها لكن الفكر الإسلامي المعاصر ينهل بجرأة نادرة من الفكر الغربي في سبيل استغفال الناس هنا وهناك، لم يتحرج من الأخذ من الماركسية ومن اللبرالية بعد أسلمته رغم أنه يكفرها كما استخدم كل المبتكرات الحديثة لكن بجحود نادر لفضل مبتكريها، وسبق حتى دعاة الحداثة في استغلال إمكانيات التكنولوجيا العالية في حربه الشرسة ضد الحداثة التي أبدعت هذه التكنولوجيا وهو ما نراه حاليا في طغيان الفضائيات ومواقع الإنترنت الإسلامية. لكن تفكيك خطابه سرعان ما يرفع الغطاء عن كم هائل من الزيف والغش وجهل فاضح بأسس الفكر العلمي الحديث بل حتى بأبجديات المنطق الصوري.
إن الشيخ الغزالي عندما يستخدم هنا كلمة “إنسان” يبتعد بها عن مفهومها المدني العصري. مفهوم الإنسان يقتصر على الرجل المسلم فقط. فتعريفه للحرية المدنية بأنها: ” كل التصرفات النابعة من شعور الإنسان بذاته وضرورة اعتراف الجماعة بشخصه، وأهليته المطلقة للتصرف وفق ما يريد”، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشمل المرأة المسلمة كإنسان كامل الأهلية في عرف الفكر الحديث. فلا الإسلام أعطاها هذه الحرية ولا الغزالي صدق هذا الكلام الذي يقوله الآن. فهو مثلا، كما رأينا في المقالات التي نشرت لي حول المرأة:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=207344
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=206434
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=205932
لا يرى لها بتاتا هذه الحرية لا في العمل ولا في الزواج ولا في الطلاق ولا في الأهلية العقلية.
وهو مثلا عندما يكتب: “وعلى أساس هذه الحرية يملك كل إنسان أن يقيم حيث يشاء، وأن يسافر متى شاء، وأن يجتمع بمن يريد الاجتماع به…” إنما يكتب كلاما قد ينطبق على الرجل المسلم إلى حد ما، ولكنه أبعد ما يكون عن المرأة المسلمة بنص الكتاب والسنة. ولن يصدق عاقل أن الغزالي يؤمن بأن حرية المرأة المسلمة تعني (أن تقيم حيث تشاء، وأن تسافر متى شاءت، وأن تجتمع بمن تريد الاجتماع به…”. المرأة المسلمة لا تستطيع أن تقيم حيث تشاء، فهي رهينة بيت والديها أو زوجها بنص الحديث” أيما امرأة خرجت من دارها بغير إذن زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع”. والحديث: (خير صلاة النساء في قعر بيوتهن) وفي رواية (خير مساجد النساء قعر بيوتهن)، والحديث: (لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن”. والحديث: “صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في دارها وصلاتها في دارها خير من صلاتها خارجها”. والحديث: “المرأة عورة وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان و إنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها”. وفوق هذه الأحاديث آية”وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى”، ولا معنى لها سوى ضرورة التزام المرأة بيتها.
هذه المواقف الإسلامية تكذيب لادعاء الغزالي فيما لو زعم أن الإسلام يعتبر المرأة إنسانا من حقه “أن يقيم حيث يشاء، وأن يسافر متى شاء، وأن يجتمع بمن يريد الاجتماع به”.
وعندما يقول الغزالي عن الحرية المدنية: “وضدها العبودية أو الاسترقاق الذي يفقد الإنسان فيه أهليته ولا يملك زمام نفسه”، فهو إما خرف لا يعرف ما يقول أو أنه يسعى لاستغفالنا، أو بالأخرى لاستغفال السذج والعامة وهو الصحيح حسب زعمي لأنني لا أصدق أن الغزالي يجهل أن الإسلام بنص الكتاب والسنة أباح العبودية أو الاسترقاق، وأنه سمح بإمكانية أن يفقد الإنسان أهليته وأن يعيش حياته البائسة دون أن يملك زمام نفسه. كان هذا حال ملايين الناس الذين تسببت غزوات المسلمين وأسواق النخاسة المفتوحة في البلاد الإسلامية في استعبادهم، وفي وقوف الإسلام ضد تحريرهم (أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم ).
والغزالي عندما يكتب: “والله عز وجل خلق الإنسان كامل المسؤولية وشرع له التكاليف الدينية ورتب عليها المسؤولية والعقوبة، على أساس إرادته الحرة وامتلاكه المطلق للاتجاه ذات اليمين أو ذات الشمال”.
غير صادق مع دينه الذي يقول: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا “. أو “قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ “، فأين الإرادة الحرة وأين الامتلاك المطلق للاتجاه ذات اليمين أو ذات الشمال؟ إلا إذا لا يرى الحرية إلا في إطار الإسلام وهي حرية أسوأ من حرية العصفور في القفص.
بعد هذا يقول الغزالي: “هل لأحد بعد ذلك أن يقيد حرية الآخرين أو يسلبهم إرادتهم؟ لا. إلا أن يكون ظالما يستمرئ العدوان ويتطاول فوق أخيه الإنسان دون سبب ما”.
وبما أنه كان يتوقع وقوع الكتاب بين أيدي قراء علمانيين مثلي، فقد حاول استباق الحدث فتساءل في مكاننا: “كيف أباح الإسلام الر ق؟ أو قَبِلَ وجودَه في أرضه إذا كان الغير أباحه؟”
سنرى من خلال التبريرات السخيفة التي لجأ إليها كيف يخلط الشيخ بين دين الإسلام الذي ارتضاه إله السماء العادل الرحيم لعباده وبين ممارسات البشر. نقرأ أولا:
“إن الإسلام صنع للرقيق ما لم يصنعه غيره، ولو سارت الأمور إلى وجهتها وفق ما رسم ما تعرضت أجيال غفيرة لهذا البلاء المشين؟” فماذا صنع الإسلام للرقيق يا شيخ؟ هل يوجد في الكتاب والسنة نص واحد يحرم استرقاق الناس؟ كلا.
ومع ذلك يواصل الغزالي الكذب فيقول: “على أن الإسلام ما أقر قط حرب الخطف التي انتشرت في العصور القديمة والحديثة…”، هو كذب لأن الإسلام كان منذ بدايته قد أطلق أيدي أتباعه أثناء الغزوات فسبوا ونهبوا وقتلوا واحتلوا. في القرآن ورد تعبير ما ملكت أيمانكم مرات كثيرة للدلالة على إباحة الإسلام للمسلمين لامتلاك العبيد من النساء والرجال، وكان مصير النساء بمن فيهن سبايا الغزو من المتزوجات أتعس لأن الإسلام أباح انتهاك أعراضهم (وطؤهن) كما أباح بيعهن وشراءهن وإهداءهن وتفريقهن عن أزواجهن إذا كانوا عبيدا وعن أطفالهن العبيد بل إن المرأة التي وقعت في أسر المسلمين سبية تعتبر طالقا من زوجها حلال وطؤها. ويكفينا تفسير آية: “والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ” لندرك مدى الخداع والتحايل والانتقائية التي يمارسها الشيخ بسخاء. نقرأ في تفسير ابن كثير:
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=4&nAya=24&taf=KATHEER&tashkeel=1

لهذه الآية “أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات وهي المزوجات إلا ما ملكت أيمانكم يعني إلا ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن”. ولا أخال الغزالي يجهل هذه الحقيقة. لكنه يختار حديثا يقول إنه قدسي (أي من الله بكلام النبي) ويتعامل معه بخداع بائس. يكتب: “يقول الله تعالى في حديث قدسي: “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره”.
الخداع هنا في عبارة “ورجل باع حرا فأكل ثمنه”، لأن الغزالي يحرف المقصود عن قصده كما سبق أن حرف قول عمر بن الخطاب : “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار”. فالمقصود بـ”حر” في القولين لاعلاقة له بالعبد إطلاقا، بل يعني تحريم بيع الرجل الحر أو استعباده، بينما يحق لمن يملك عبدا أن يبيعه أو يهديه أو يعتقه أو يزوجه ثم يطلقه. ففي باب بيع المدبر في صحيح البخاري (أي العبد الذي وعد سيده بإطلاق سراحه لاحقاً بعد موته): “عن جابر بن عبد الله: أعتقَ رجلٌ منّا عبداً له عن دُبُرٍ (أي بعد موته) فدعا النبيّ به فباعه”.
http://hadith.al-islam.com/DISPLAY/hier.asp?Doc=0&n=3972
و” في رواية: وقع في سهم دحية جارية جميلة، فاشتراها رسول الله (ص) بسبعة أرؤس (من العبيد طبعا وكأنهم رؤوس ماعز)، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها.” (له طبعا ليطأها) (صحيح مسلم) والمقصود صفية اليهودية التي تزوجها محمد بعد يوم وليله من القضاء التام على عشيرتها بمن فيهم زوجها وأبوها وهو في الطريق عائدا من غزوته، بل لم ينتظر حتى تمر العدة كما شرعها لغيره.
ولقد كان محمد يقبل العبيد كهدايا، وكان هو يهديهم لمن يريد، وكذلك فعل الصحابة والخلفاء عبر التاريخ الإسلامي، وقصص الشعراء الذين كانوا يتلقون الجواري على قصائدهم معروفة ولم يحدث أن ندد فقيه كبير بهذه الظاهرة. فالمقوقس أهدى محمدا جاريتين: مارية وأختها سيرين، محمد أخذ مارية لنفسه وأهدى سيرين لشاعره حسان بن ثابت.
و في تفسير القرطبي: “قد فضل رسول الله (ص) الصدقة على الأقارب على عتق الرقاب، فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك”.
و في موطأ مالك: “أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وهب لابنه جارية فقال لا تمسها فإني قد كشفتها”.
وفي موطأ مالك هذا وهو رأس المذهب المالكي فصل كامل حول معاملة العبيد والإماء كظاهرة اجتماعية عادية:
http://www.al-eman.com/hadeeth/viewchp.asp?BID=5&CID=90#s2
نقرأ على سبيل المثال: “أَنَّ رَجُلاً، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ سِتَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ (أي أجرى القرعة بينهم) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ تِلْكَ الْعَبِيدِ”. أي أنه أعتق اثنين وترك أربعة في الرق. ‏
كذلك وردت في صحيحي البخاري ومسلم أحاديث كثيرة حول إباحة امتلاك العبيد والإماء والجواري والاستمتاع بهن بدون زواج شرعي وبلا حدود.
مع كل هذا يقول الغزالي : “وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله نص يأمر بالاسترقاق ولكن هناك مئات النصوص تدعو إلى العتق”. وهو بهذا الكلام إما أن يكون مخادعا أو جاهلا بدينه. والصحيح أنه مخادع. ولكشف خداعه يكفي أن نشير إلى الآيات التي تتحدث عن ملك اليمين، حيث تجمع كل التفاسير أنها تعني العبيد والإماء من الرجال والنساء والأطفال الذين أسرهم المسلمون أو امتلكوهم عن طريق الشراء والهدي هم وأولادهم باعتبار أن ابن العبد عبد خلافا لأي تفسير آخر لقول عمر “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”. ولا خلاف في أن محمد وصحابته كانوا يملكون العبيد، فكيف يفعلون لو كان في شريعتهم تحريم؟
لكن الغزالي يعود مرة أخرى ويعترف بهذه الممارسة الوحشية عندما يقول بخبث وسذاجة: “ولما كانت مسألة الأرقاء شديدة التعقيد وقتئذ فقد تدرج الإسلام في حلها ما تدرج في تحريم الخمر”.
فأي تعقيد يا فضيلة العلامة؟ هل يقبل هذا الكلام عاقل، فما بالك بشخص يزعم أن شريعته منزلة من الله العدل الرحيم وأن قرآنه قال قبل موت نبيه “اليوم أكملت لكم دينكم…”؟ وأن الإسلام حرم الخمر تحريما قاطعا وحرم ممارسات عربية تافهة تتعلق بآداب الجلوس والحديث والأكل وحتى الغائط وترك العبودية للمسلمين يحلون مشكلتها بالتدريج، وهو كذب، فتحرير العبيد في واقع الحياة الإسلامية لم يعرف أي تدريج بل استقر هذا النظام طوال عصور الإسلام حتى منعها الغرب في بلاده وتأثر به المسلمون متأخرين جدا. هل هذا كلام عاقل أم كلام أزهري يعرف الحقيقة ولكنه يتعامل معها بتحايل وخداع؟ هل بين أيدينا نص واحد يحرم على المسلمين امتلاك العبيد ويفر ض عقوبة ما على ذلك؟ لا طبعا. بل عندنا نصوص كثيرة سبقت الإشارة إلى بعضها أعلاه مثل آية “والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ” وتفسيرها واضح بالإضافة إلى أحاديث كثيرة تدعو العبد إلى القبول بوضعه العبودي مثل:”أيما عبد ‏ ‏أبق ‏ ‏من مواليه فقد كفر”. ومثل: “‏أيما عبد تزوج بغير إذن ‏ ‏مواليه ‏ ‏فهو ‏ ‏عاهر”. ومثل: “أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم”. ومثل: “‏ أيما عبد ‏ ‏أبق ‏ ‏إلى أرض الشرك فقد حل دمه”.
فكيف يقول الغزالي: “وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله نص يأمر بالاسترقاق ولكن هناك مئات النصوص تدعو إلى العتق”؟ بينما بين أيدينا نصوص كثيرة تبيح العبودية وليس بين أيدينا نص واحد يحرمها.
ومع هذه الحقائق الدامغة يتمادى الشيخ في غيه ويكتب: “إن اختطاف الأحرار من بلادهم وطبعهم بميسم الرق كان المصدر الأكبر لانتشار الرقيق في القارات الخمس…” لكنه يبرئ القارة الإسلامية المحمدية من هذا ويقول: “الإسلام يعد من خصوم الله –خصومة البشر- من يقترف ذلك الحرام”. ويكرر محاولته خداعنا بحديث “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره”. ويتستر على حديث: “(( ثلاثة لا تُقبَل لهم صلاة ولا تُرفَع لهم إلى السماء حسنة : العبد الآبق حتى يرجع, والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى , والسكران حتى يصحو)) .
ولا حد لمحاولات الغزالي المتكررة لتزييف التاريخ وتقديمه في صورة مخادعة. فها يقول: “وهؤلاء الأسرى الذين فقدوا اليوم حريتهم إنما جزاهم القدر بسوء صنيعهم، لقد سقطوا في أيدي المسلمين كما سقط أشراف فرنسا في يد ثوارها وكما سقط قياصرة روسيا في يد شعبها…” فهل هذا الكلام صادق وهل تجوز المقارنة؟ هل كل من سقط بين أيدي المسلمين كان من المحاربين؟ كلا. هل اعتبر ا لمسلمون من سقط بين أيديهم أسرى أم عبيدا من الرجال والنساء والأطفال سخروهم لخدمتهم وباعوهم وانتهكوا أعراض نسائهم بصريح الكتاب والسنة؟ هل قام ثوار فرنسا وروسيا باستعباد خصومهم وسبي نسائهم وبيع أطفالهم في أسواق النخاسة كما فعل المسلمون؟ كلا.
ونختم هذه المقالة بموقف غريب عجيب للغزالي حين يقول: وكان من الممكن تحريم الاسترقاق أصلا ولكن هذا التصرف من المسلمين يعتبر عبثا لأن أعداءهم سيرفضون التقيد بهذا التحريم ثم ينشأ عن ذلك أن أسرى المسلمين يستعبدون وأسرى المشركين لدينا يحررون”.
هنا يعترف الشيخ بممارسة المسلمين للرق وكان قبلا ينفيه. هنا لم يعد الله هو الذي يحرم ويحلل بل المسلمون تقيدا بما يفعل خصومهم الكفار. هنا يصير الله مجرد منتقم يقابل الشر بالشر ويبيح استرقاق الأطفال وسبي النساء وانتهاك أعراضهن. أما أن يكتب: “وفي غزوة بني المصطلق رأى النبي أن يتزوج أسيرة من هذا الحي المغلوب ليرفع مكانته وتم له ما أراد..” فهو قمة الخداع والانتقائية التي مارسها الغزالي على مسلمي الماضي لاستغفال مسلمي الحاضر كما سنرى في المقال القادم.

عبدالقادر أنيس فيسبوك

About عبدالقادر أنيس

كاتب جزائري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.