قصة و حكمة من زياد الصوفي

القصة:

الغرفة عتمة ما فيها غير الضو اللي داخل من تلات طاقات بالسقف.. و أضوية المصابيح اللي حاملينها الحرس الماشيين على السطح..

تلاتين شب أجينا سوا من حمص و حطونا بغرفة وحدة بالليلة الأولى تمهيدا لفرزنا على باقي الزنزانات كل بحسب تهمتو..

غرفة عبارة عن أربعين متر مربع، بتلات طاقات سقف و عشرين فرشة عالأرض..

سندت حيط من حيطانها صوب الباب و حطيت البطانية علي …

و اقعدت فكر كل الليل..

قصص اللي دخلو على هالسجن هية الوحيدة اللي اجت ببالي.. قصة ابنو لأبو بسام شوفير الوالد اللي دخل عمرو 14 و ما طلع لكفى التلاتين و هوة بنص عقل.. و قصة ابن الصوفي اللي دخل من أربعين سنة و لحد هلأ ما بيعرفو أهلو كيف مات..

و قصص آلاف الشباب المثقفين اللي انعدمو ميدانيا جوا حيطان هالسجن العتيق..

كل شوي اتحسس الخيزرانة على رقبتي و حسها عم تورم أكتر بس وجعها عم يخف..

ما قطع سلسلة أفكاري إلا صوت الشرطي من الطاقة فوقي و ضو البيل في عيني: ليش فايق لهلق يا حيوان؟؟ هنت رقم واحد حفاظ رقمك..

ما فهمت شو معناة أنو اخدت رقم لحد ما صار بعدها تلات شباب تانية بأرقام متسلسلة..

أنا كنت رقم واحد من حظي..

بيشق ضو الشمس عتمة الغرفة و باسمع صوت حركة برا و بينفتح باب الزنزانة..

كم رقم عندك يا أكرم؟؟

أربعة سيدي..

ايه طالعون فورا..

أنا رقم واحد و تلاتة شباب معي طلعنا و كانت أول مرة بشوف السجن بضو النهار..

و من كل زنزانة محيطة بهالساحة عم يطلع كم شب بحسب ارقام سوء السلوك..

بياخدونا جميعا شي أربعين شب عالساحة اللي وقفت فيها سيارة السجن بالليلة الأولى،و العسكر ببرانيطهون الحمر مجتمعين و بأيديهون الخيزرانات..

كل شرطي استلم خمس شباب و صفنا عالدور بانتظار عقوبتنا..

أنا رقم واحد كنت صح بس كنت الأخير بالصف عم اتفرج عالشباب كيف عم ينحشرو بالدولاب..

عشر فلقات عقوبة ترقيمك بالليل..

سألني من وين هنت؟؟

من اللادقية ..

من اللادقية يا كلب و داخل عالسجن!!! أنا بفرجيك..

حشرني بالدولاب و عطاني حصتي من الفلقات.. وجع الحشرة بالدولاب للأمانة أصعب من الفلقة نفسها..

مرة تانية بشوفكن بهالساحة، غير عسرية التأديب ماني باعتكن..

بقطع تلات ساحات قبل ما أوصل عالزنزانة اللي نمت فيها ليلة مبارح.. بشوف كل الشباب مقسومين أربع مجموعات و مجتمعين بشكل دائري حوالين قصعة أكل..

بسحب رغيف خبز بايت حتى سكت جوع و تعب نهار كامل مر بدون أكل..

بيجي شرطي من قلم السجن و بأيدو سجل أسود عتيق بعتق حيطان السجن و بيصرخ:

شلحو بالزلط فرجونا محاسنكون يا كلاب..

ما بعرف ليش وقتها شلحونا و سحبونا بصف واحد و نحنا متل ما الله خالقنا و كل شي في خلق عم يتفرجو علينا..

وصلنا على ساحة صغيرة واقف فيها خمس شباب، و قدام كل واحد فيهون كرسي.. وقتها بس فهمت شو الموضوع..

الشباب حلاقين، و نحنا ضحيتهون..

هيدي اللحظة فيني قلكون أنو كانت أكتر لحظة بحس فيها بالذل و الإهانة بعمري كلو..

و خصوصي لما هالحيوان صار يبهدلني و أنا واقف بالزلط قدامو أنو كيف الشعر بجسمي تاركو طويل، و نسيان ابن الحرام اني كان إلي أربع شهور بسجن فرع التحقيق العسكري بالشام و القمل معبي تيابنا..

ما رح قلكون كم جرح بكل جسمي من موس الحلاق، و الأصعب من هيك لما بيحطلي بأيدي نوع من الزيوت بيقلي ادهن فيها محل ما حلقتلك و روح وقف عالحيط اتشمس..

سندنا الحيط بالزلط كل النهار عم نتشمس و الرايح و الراجع من قدامنا عم يتفرج علينا و يتذكر أول يوم ألو بسجن تدمر الأسدي..

الحكمة:

حلاقي من تلاتين سنة ياسر بلة.. ما اتذكرت غيرو يومها مع أنو عندو ألف علةزياد الصوفي – مفكر حر؟

About زياد الصوفي

كاتب سوري من اللاذقية يحكي قصص المآسي التي جرت في عهد عائلة الأسد باللاذقية وفضائحهم
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.