قصة مقاتل مسيحي .. مالذي تغير يا العراقيين

في مثل هذا اليوم وقبل ٣٦ عاماً .. مالذي تغير يا العراقيين

‏‎Ghazy Aziza
في يوم ميلاد السيد المسيح له المجد ، عشرات المسلمين ينقذون مسيحي من الموت المحقق ؟

(لكي لا ننسى يوم 25 كانون الأول 1981)
بعد بداية الحرب العراقية الايرانية أمر السيد الرئيس صدام حسين رحمه الله ، بمنح كافة منتسبي القوات المسلحة من المسيحيين إجازة إجبارية لمدة يومان عدا أيام الطريق في عيدي الفصح والميلاد من كل عام ، مهما كانت ظروف المعركة في الجبهات التي يتواجدون فيها ؟

ففي مساء يوم 23 كانون الاول 1981 إتصل بي آمر ل2 ، فق مش 2 ، العميد الركن سالم قاسم حمّو ، وأمرني بالتهيؤ غداً صباحاً بالنزول من الراقم للتمتع بإجازة العيد الإجبارية ، وسيرسل لي في الصباح أحد الضباط كبديل مؤقت لقيادة وحدتي لحين التحاقي ؟

رفضتُ التمتّع بالاجازة لاشتباكنا بقتال شرس مع العدو (معركة گيلان غرب) ولكون نفسي لا تطاوعني أن أترك ضباطي وجنودي يقاتلون وحدهم أو بإمرة غيري ، فتخوّف آمر اللواء من مسؤولية عدم تنفيذ أمر السيد الرئيس ، وقلت له سأرسل رسالة سرية وفورية لمقر اللواء أؤكد فيها رفضي وبمحض إرادتي بإمتناعي عن التمتع بالإجازة الإجبارية لظروف المعركة لكي تقع المسؤولية على عاتقي فقط ، فوافق ، وأرسلت الرسالة ؟

وفي صباح يوم العيد ٢٥ / ١٢ / ١٩٨١ إشتدّت المعارك وأصبحت معركة جحفل فيلق إشتبك الحابل بالنابل بمعركة گيلان غرب ، وقدّر عدد المقاتلين في ذلك اليوم بالخطوط الامامية والمقرات الخلفية ب 45 ألف مقاتل عراقي مسلم + مسيحي واحد فقط ، وهو أنا ؟

وذلك لتمتع جميع المسيحيين في جبهات القتال بالإجازة الإجبارية ، وفي الساعة 14:00 من أول أيام العيد شاء القدر أن تسقط قنبلة مدفع إيراني ثقيل عيار 175 ملم بقربنا ونحن نصول على الهدف ، ليستشهد من جرائها 12 مقاتل مسلم وأصبتُ أنا بشظيّة كبيرة مزّقت عضلات فخذي الأيسر وقطعت الشريان الرئيسي والوريد المغذيان لساقي ، وليقذفني عصفها لمسافة عشرة أمتار تقريباً حسب وصف شهود العيان من ضباطي وجنودي ؟

قاموا بإخلائي من أرض المعركة ستّة من المسلمين وهم أحد ضباطي وهو الملازم البطل سلمان كمر عبود (عميد معوّق حرب متقاعد حالياً ومن أهالي الخالص في محافظة ديالى ) وضباط الصف كل من ع حسين عبد شيّال وع صالح محسن و ن ع محمد جويعد و ن ع حيدر علي حمزة و ن ع كريم علي حسين (رحمهم الله إستشهدوا جميعهم تباعاً بالحرب) وجاهدوا جميعهم في معاناة إخلائي في الطرق النيسمية لسفوح الجبال والوديان تحت نيران القناصين الإيرانيين والقصف المدفعي وصواريخ الراجمات ، في يوم ممطر وبارد جداً يصحبه البرق والرعد ، مما تسبب بإنزلاقهم من على الصخور عدة مرات وبسقوطهم تسقط السدية التي كانو يحملوني بها في الوديان وأنا عليها ؟
ثمَّ يعاودون إنقاذي من جديد ، ويتكرر سقوطهم وتدحرجي في الوادي لخمسة مرات وسط ليل دامس ، ينتظرون حدوث البرق أو شعاع إنفجار القنابل الايرانية لكي يتوضَّح لهم بضوئهما بمكان سقوطي في الوديان لإعادة رفعي وحملي على النقالة ، وإستغرق جهادهم بإخلائي تسعة ساعات ؟

واستطاعوا بعدها من إيصالي لمستشفى العروبة العسكري في خانقين بالساعة 23:00 ؟
فقدتُ حينها كل طاقتي الحركية وأصبحتُ عديم القدرة على فتح حتى جفوني لأرى ما يحدث ، لفقداني كل دمي وسوائل جسمي بسبب النزف من الشريان والوريد المقطوعين ، ولكنني كنتُ أسمع فقط ولم أفقد وعيي ؟

وعند إيصالي للمستشفى سمعتُ حديث الكادر الطبي من الضباط الأطباء المقيمين و نواب الضباط المضمدين في صالة الطوارئ ويتحاورون بما يلي (ضغط الدم العالي والواطئ صفر لنزف كل دمه ، روح كعده للعقيد مشرق من النوم ، ناوشني المعقم والشاش ، شدلة قنينتين دم ، قلبه ينبض ببطئ 32 ضربة بالدقيقة ، أربط قنينة ماء مغذّي ، إجا الدكتور ، تفضل سيدي ، الدكتور يسأل ساعة بيش إتصوب ؟
أجابه ملازم سلمان بالساعة الثانية بعد الظهر سيدي ، وعقّب الدكتور مشرق بتعجب ، يعني صارلة تسع ساعات مقطوعة شرايينه وينزف وما مات ؟

فأجبته وأنا مغمّض العينين لا بعدني ، فتعجب وقال تكدر تحجي ؟

فقلت نعم ، فسألني سؤال ذكي لكي يتأكد من سلامة خلايا الدماغ والذاكرة وقال شنو رقم تلفون بيتكم ، فقلت له
5410894
فسأل الدكتور الملازم سلمان كمر هل رقم التلفون هذا صحيح ، فأجابه نعم صحيح ، ثمَّ قال لهم أعطوني الطبلة وقرأ اسمي الرباعي بصوت مسموع غازي خضر الياس إسطيفان ؟
فوجه الدكتور سؤاله للملازم سلمان وقال ، هل هذا الضابط مسيحي ؟
فاجابه د. سلمان نعم سيدي ، فأستغرب وقال منو بقّاه في الجبهه واليوم عيدهم وكلهم مجازين إجبارياً بأمر السيد الرئيس ؟

فأجابه الملازم سلمان هو من رفض الاجازة الاجبارية وارسل رسالة سرية فورية لمقر اللواء بذلك ، وفضّل البقاء لقيادة وحدتنا ، فقال الدكتور والله هذا ضابط بطل ، فأبتسمتُ قليلاً وأنا مغمّض العينين ، فَقَال وإچمالة تضحك ؟
ثمَّ سمعته يأمر كادره الطبّي ويقول لهم بسرعة أيقضوا جميع المنتسبين واسحبوا الدم منهم لأننا سنحتاج لكمية كبيرة من الدم له ، وأدخلوه لغرفة العمليات وإحقنوه بالمخدّر فوراً لحين تغيير ملابسي ؟

في الساعة 07:30 من صباح يوم ٢٦ / ١٢ فتحت عيناي بعد زوال تأثير المخدّر لأرى أكثر من خمسة عشر مسلماً يحدّقون بعيونهم نحوي وهم يبتسمون وفرحين لنجاح العملية ، ويتوسطهم ضابط طبيب برتبة عقيد ويقف في نهاية سريري ، ولاحظتُ أن ساقي اليسرى مبنيَّة بالجبس من نهاية الورك لغاية مفصل القدم ، وقال لي صباح الخييييييير ، فأجبته صباح النور سيدي ، ثمَّ أمسك بإبهام قدمي وسألني هل تشعر بأني أمسكت بإصبعك ؟
فقلت له نعم ، فأبتسم فرحاً ثمَّ طلب مني تحريك إصبع الإبهام ، فحرَّكت جميع أصابع القدم ؟
فطار من الفرح ورفع يدية وحمد الله وقال لي ، الله يحبك وهو الذي أبقاك على قيد الحياة ، لكوني أمس عندما شاهدتُ إصابتك وحالتك بعد فقدانك لكل دمّك أسرعتُ لغرض القيام ببتر ساقك وغلق الشريان المقطوع ، وأمسكت بالمنشار لبتر الساق ولكني شعرت بأن هنالك قوّة ما أوقفت يدي وجعلتني أفكّر عن أسباب عدم موتك لكون نزف هذا الشريان يؤدي إلى الوفاة خلال 15 دقيقة ، في حين أنك بقيت على قيد الحياة أكثر من تسع ساعات ؟

فقلتُ في نفسي لأجرب ترقيع شريانك لأحافظ على ساقك من البتر ما دمت لم تموت خلال 15دقيقة ، فقمت بإستئصال وريد من تحت الركبة بطول 10 سنتمترات ورقعت به الشريان المبتور واستغرقت العملية 7 ساعات ، وأعطيناك 37 قنينة دم تبرع بها منتسبي المستشفى لغرض إستمرار القلب بضخ الدم لأعضاء الجسم والرأس لحين ربط الشريان وترقيعه ووقف النزيف ؟

وأضاف قائلاً ، أنت جداً محظوظ لكوني جئتُ إلى مستشفى العروبة في خانقين للمعايشة لمدة إسبوع واحد فقط ، وأنتهى الاسبوع أمس ليلاً ورقدت للنوم في العاشرة ليلاً بغية إستيقاضي هذا اليوم لكي أعود لمقر عملي الرئيسي في مستشفى الرشيد العسكري ، ولكن حالتك إستدعت الكادر الخافر من إيقاضي من النوم لإجراء العملية لك ، وأنا العقيدالطبيب “مشرق منير حلمي” الأخصائي الوحيد بترقيع الشرايين في العراق ، ولو كان غيري من الأخصائيين هنا يتعايش أمس لبتر ساقك على أقل تقدير ؟

فحمدتُ الله والسيد المسيح له المجد لإنقاذي من الموت في يوم ميلاده ، وشكري للدكتور مشرق وكادر المستشفى العسكري ومن أخلاني من أرض المعركة لدورهم الرائع في إنقاذ حياتي وعدم بتر ساقي ؟

والآن لنترك التعليق على كل ما قرأتموه في هذه القصة والتي هي واحدة من مئات القصص الحقيقية التي حدثت في الحرب هذه ، ولنركّز عن ما إبتغيته في عنوان المقالة فقط ، فلو أحصيتُ عدد المسلمين اللذين أنقذوني من الموت المحقق وهم يعلمون بأنني مسيحي لفاق عددهم عن ال 90 مسلماً على أقل تقدير ، ما بين اللذين قاموا بإخلائي ومن نظف جسمي من الدماء المخلوطة بالطين والبارود في صالة الطوارئ ، ومن شارك الدكتور مشرق في إجراء العملية و37 مسلم تبرع لي بدمه ومن أشرف على رعايتي بعد العملية لحين إكتسابي الشفاء المؤقت وخروجي من المستشفى ؟

و منذ سنوات وأنا أقارن بين مسلمي العراق في الثمانينات وبعض مسلمي العراق بعد 2003 ؟

فسابقاً كان يجاهد أكثر من تسعين مسلماً بطاقته وعلمه ومهنيته وشجاعته ويتبرع بدمه لإنقاذ مسيحي عراقي واحد، أما الآن فالمسلم الواحد (بعضاً منهم وليس جميعهم) يقوم بالجهاد عن طريق تفجير الكنائس وسلب وخطف وابتزاز وقتل وسبي وتهجير أكثر من تسعين مسيحي عراقي أمام مرأى ومسمع علماء دينهم الأفاضل ومسؤولي الدولة ؟

ولا تقولوا لي إنهم الدواعش فقط ، فعدد إرهابيي داعش اللذين دخلوا الموصل يوم 10 حزيران 2014 كانوا 300 مسلح فقط ، وهذا العدد من المستحيل والغير معقول أن يستطيع بمفرده تهجير 130 ألف مسيحي من الموصل خلال يوم واحد ، أو يسرق محتويات وأثاث وكهربائيات وذهب وأموال 25 ألف مسكن وعقار ومحل تجاري عائد لمسيحيي الموصل ؟

أما نزوح 190 ألف مسيحي من مدينة الدورة في بغداد فلم يكن بسبب الإحتلال الصليبي أو عصابات القاعدة ، ونزوح 120 ألف مسيحي من بغداد الجديدة وحي الآثوريين ليس بسبب قيام المسيحيين بجرائم إرهابية ، ونزوح غالبية مسيحيي البصرة ليس بسبب تهديدهم من قبل حكام الكويت أو أحفاد الشيخ خزعل في الأحواز و و وووو ؟

أرشدوني يرحمكم ألله وإشرحوا لي الأسباب الحقيقية لتغيّر طبيعة وأخلاق وسيرة
مسلمي العراق مابين ثمانينات القرن الماضي والوقت الحاضر ، لكي نقف على الحقيقة ونستطيع معالجة الخلل ؟

وبمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح له المجد ، أدعوا من ألله أن يعيش جميع مسلمي العراق بالأمان والاستقرار في بلادهم ، وأدعوا جميع من تبقى من المسيحيين في العراق للإسراع بالهجرة خارج البلد حفاظاً على حياتهم وحياة أبنائهم وأحفادهم ، بالرغم من أن مسلمي العراق اليوم لا زال فيهم الكثير ممن سيتبرع لك بدمه لإنقاذ حياتك ولكنه لا يستطيع الدفاع عنك علناً أمام العصابات والمليشيات المسلحة لكونه سيصبح هو وعائلته هدفاً لهم لكونه يدافع عن الكفَّار النصارى ؟

لان من المسلمين العراقيين اليوم من سيقص بحد السيف رقبتك ويمتص دمك ، وهناك من السياسيين الكبار في الحكومة من يقول لكم بأنكم أصحاب الارض الأصلاء ، وفي اليوم الثاني يكشف عن مدى حقده وينعتكم بالجالية ، لذا غدى من الصعب التمييز بينهما إلا بعد فوات الأوان ، بعد ذبحك أوإغتصاب وإختطاف وسبي بناتك وأولادك ؟

وستتفاجئون بإقتحام دوركم لسرقتكم وتسليبكم وقتلكم أمام أنظار الجميع ، وذلك لكون مختار المحلة في الوقت الحاضر أصبح لا يعرف من يسكن في الدار المجاورة له ولا يجرأ بالسؤال عنه ؟

ولكي لا ننسى يوم 25 كانون الأول 1981 فإنني أشكر البعض من مسلمي العراق من السنّة والشيعة لكونهم أنقذوني من الموت المحقق في ثمانينات القرن الماضي وأتمنى لهم السلام والأمان ، كما لن أنسى مطلقاً البعض من مسلمي العراق من السنّة والشيعة بعد 2003 ممن خطفوا إبني الوحيد وإبتزوني لإطلاق سراحه ، ومن هددني منهم بالقتل والتصفية ، ومن أقصاني من الخدمة والوظيفة وقطع رزقي الوحيد منذ 9 سنوات ولحد الآن ، ومن هجرني قسراً وشرد أهلي وقومي وفجّر كنائسي وقتل وخطف رجال ديني وأقربائي من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ؟

ولا أقول سوى (حسبي ألله ونعم الوكيل) وأنا مؤمن بأنهم لن يتهنو أو ينجوا بما فعلوه ، وأرجو من المشاركين أن لا يقولوا بأن ما جرى للمسيحيين جرى للمسلمين أيضاً ، لكون نسبة من قتل وأختطف وهجّر من المسيحيين منذ 2003 ولحد الآن فاق أل 90 % ، بينما نسبة المسلمين لا تتعدى 6 % ؟

رحم ألله شهداء جيشنا العراقي الباسل ، ودعاؤنا إلى ألله ولصاحب الميلاد “السيد المسيح” له المجد والسيدة العذراء ، أن يحرروا كل قادتنا الأسرى الأبطال ؟

غازي عزيزة

About سرسبيندار السندي

مواطن يعيش على رحيق الحقيقة والحرية ؟
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.