قراءة في كتاب البحث عن قطة شرودنجر !

[إنّ أفضلَ الأشياء في العلم هي تلك التي تتمتع بالجمالِ والبساطة] ! جون گريبين

مقدمة :
جون گريبين John Gribbin
صاحب هذا الكتاب الذي أعرض ملخص فكرته,هو أحد أشهر الكُتَّاب المعاصرين في العلوم المُبسطة !
من مؤلَّفاته الكثيرة التي نالت إستحسانًا كبيراً :
«قصة الكون» و«البحث عن قطة شرودنجر» و«تاريخ العلم»!
يكتب بإنتظام في العديد من الصحف ويؤّلف روايات الخيال العلمي.
عمل سابقًا في مجلتي
Nature و New Scientist
يحمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية من جامعة كامبريدج .
القطة المذكورة في عنوان هذا الكتاب هي حيوان خرافي إفتراضي .
أمّا شرودنجر فهو شخص حقيقي عالم نمساوي ساعد في تطوير معادلات فرع من العلوم يعرف الآن بإسم (ميكانيك الكمّ) .كان ذلك في عشرينات القرن العشرين !
***

shrodnercat

صورة تجربة قطة شرودنجر

هذه تجربة ذهنية قدّمها الفيزيائي النمساوي (إرفين شرودنغر) ليبيّن فيها
المشاكل التي رآها في (تفسير كوبنهاكن) وتأثير الوعي الإنساني في عمليّة الرصد والقياس الفيزيائي .خصوصا في الحالات الكمومية ,تلك التي من الممكن أن يسلكها النظام الكمّي
Qantum system !
***
ص16 / تعريف بميكانيك الكمّ !
ميكانيك الكم هو أحد أعظم إنجازات العِلم .ذو مغزى مباشر وعَملي جداً.
فهو يزودنا بالأساس المتين القوي لكل العلوم الحديثة !
معادلاتهِ تصف سلوك الأجسام المتناهية الصغر ,تلك التي في حجم الذرة أو أصغر,وتزودنا بالطريقة الوحيدة لفهم عالم الأشياء المتناهيّة الصغر !
بدون تلك المعادلات لما أمكنَ للفيزيائيين أن يُصمّموا محطات القوى النووية العاملة ,ويحصلوا على أشعة الليزر ,أو حتى يشرحوا طريقة إحتفاظ الشمس بسخونتها !
و لولا ميكانيكا الكم لظلّت الكيمياء في عصورها المُظلمة ,ولما ظهر عِلم البيولوجيا الجزيئيّة .ولا كنّا سنفهم الـ
D.N.A
أو الهندسة الوراثيّة أبداً !
***
ص 17 / مكانيك الكمّ وتنبؤاته الغريبة !
رغم أهميّة هذا الفرع العِلمي ,لكنّه يضم تنبؤات غريبة جداً .بحيث يصبح عالم ميكانيك الكمّ عالم غريب في الواقع لدرجة أنّ (آينشتاين) وجد في
نظرية الكمّ أنّها مُبهمة وغير مفهومة ,ورفض أن يتقبّل كلّ تضمينات هذه النظرية التي طوّرها (شرودنجر) وزملاءهِ !
كان أينشتاين ومعه كثير من العلماء يجدون أنّه من المُريح أن يعتقدوا أنّ معادلات ميكانيكا الكم تمثل ببساطة نوعاً من الحيل الرياضية التي تعطينا سبيلاً معقولاً يرشدنا إلى سلوك الذرات والجُسيمات تحت الذرية !
لكنّه مع ذلك يخفى بعض الحقيقة الدفينة التي تتوائم بصورة أقرب مع إحساسنا العادي بالواقعية .ذلك أنّ ميكانيكا الكمّ تنادي بألّا شيء حقيقي!
وبالطبع لا يمكننا قول أيّ شيء عمّا تفعله الأشياء عندما لا نشاهدها !
وقد اُستخدمت قطة شرودنجر الإفتراضيّة لتوضّح بجلاء الفرق بين عالم الكم والعالم اليومي .وهذا مُلخص لفكرة تجربة قطة شرودنجر :
في عالم ميكانيكيا الكم تتوقف قوانين الفيزياء المألوفة في حياتنا اليومية عن العمل .وبدلاً من ذلك فإن الاحتمالات هي التي تتحكم في الأحداث .
فقد تتفكك ذرّة مشعة وتبّث إلكترونًا مثلاً ,أو قد لا تفعل!
من الممكن وضع تجربة بحيث تكون لإحدى الذرات في كتلة مشعة فرصة 50% بالضبط للتفكك في زمن مُعيّن .بحيث يُسجّل تفككها بمساعدة جهاز كشّاف .
لقد حاول شرودنجر (المُستاء مثل آينشتاين بالضبط) أن يُبيّن سُخف تلك التضمينات ,وذلك بتخيّل تجربة مثل (تجربة القطة) الموضوعة في غرفة مُغلقة ,أو صندوق مُغلق يحوي على قطة حيّة وقنينة تحوي سُمّاً !
وقد رٌتبّت هذه الأشياء بحيث إذا حدث وتفككت الذرة المشعة فسوف تنكسر القنينة المحتوية على السم وتموت القطة !
هنالك فرصة 50% لموت القطة لو طبّقنا مفاهيم الحياة اليوميّة !
خلال ذلك يمكننا القول (حتى دون النظر داخل الصندوق) وبإرتياحٍ شديد
أنّ القطة إمّا حيّة أو ميّته !
الآن لنأخذ في الحُسبان غرابة عالَم الكمّ .فتبعًا للنظرية لا يمكن تطبيق أحد الاحتمالين بالنسبة للمادة المشعة ,ومن ثمّ للقطة !
لذا لا نستطيع الحُكم بوجود واقع ,إلّا إذا شاهدناه !
وليس معروفًا هل حدث التفكك الذرّي أم لم يحدث ؟
هل قُتلت القطة أم لم تُقتلْ ؟
إلا إذا نظرنا داخل الصندوق لنرى ماذا حدث !
يقول النظريّون الذين يقبلون النسخة النقيّة من ميكانيكا الكمّ أنّ القطة موجودة في حالة غير مُحدّدة !
فهي ليست حيّة وليست ميّته ,حتى ينظر أحد المشاهدين داخل الصندوق ليرى ما الذي يجري هناك .فلا شيء حقيقي إلّا إذا شاهدناه !
***
ص 18 / الربّ لا يلعب النرد !
كانت فكرة وجود القطة في حالة غير مُحدّدة (لا حيّة ولا ميّتة) فكرة منبوذة من آينشتاين وعلماء آخرين .
“إنّ الربّ لا يلعب بالنرد” ..قال آينشتاين بحزم !
مُشيرًا إلى النظرية التي تحكم العالم بواسطة تراكم مُخرجات فرص عشوائية في الأساس لإحتمالات على المستوى الكمي !
وفيما يتعلق بعدم واقعية الحالة التي عليها قطة شرودنجر ,فإن أينشتاين رفضَ هذه الفكرة .مفترضًا أنّه لا بد أن يكون هناك نظام منضبط يصنع الأسس الأصلية لواقعية الأشياء !
وقد أنفق سنوات عديدة محاولاً تصميم إختبارات يمكن بواسطتها إستيضاح الواقعية الموجودة في أساس الأشياء وهى تعمل .
لكنّهُ ماتَ قبل أن يصبح من الممكن إجراء مثل هذا الاختبار!
وربما بنفس القدر لم يمتد به العمر ليرى مُخرجات أحد خطوط المنطق الذي بدأه بنفسهِ !
***
الخلاصة :
للمتمعن في تجربة قطة شرودنجر ,والكلام العِلمي أعلاه ,سيفهم إمكانيّة تطبيقه حتى على فكرة وجود الإله ذاته !
لاشيء حقيقي إلّا إذا شاهدناه ,أو شعرنا وتلمسّنا وجوده بطريقة واضحة لا لبس فيها !
التراث الشعبي ,التـأريخ البشري ,المشاعـر والعواطف والأحاسيس والأماني ,كلّها لا تغني عن العِـلم والطريقة العلميّة في التفكيــــر !
فالطريق الى جهنّم (كما يُقال) مُعبّد بالنوايا الحسنة !
والإنسان السويّ يقرأ ويطلّع على جميع الآراء ,قبل أن يُقرّر الطريق الذي سيتخذه باقي حياته .ولا حرج في تغييره عندما يكتشف خطأه !

[أينبغي ان يُقرقِع المرء بمثلِ دوّي الطبول وخُطَب وعّاظ الكفارات ,أم تراهم لا يُصدّقون سوى لجلجةِ “المشايخ” المتلعثمين؟] نيتشه !

***
المصدر : كتاب البحث عن قطة شرودنجر / تأليف :جون گريبين
ترجمة : د.فتح الله الشيخ / د.أحمد السماحي !

تحياتي لكم
وكلّ عام وأنتم بخير

3 يناير 2016

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.