في يوم عاشوراء

 في مثل هذا اليوم، أي 10 محرم لسنة 61 هجرية الموافق 9 أكتوبر 680 م، إستُشهد سبط النبي محمد (ص)، الحسين بن علي بن أبي طالب (ع). دامت معركة الطف بضع ساعات وانتهت بعد صلاة الظهر. كان من بين الذين استشهدوا مع أبي الشهداء، وقد نافوا إذ ذاك بأجمعهم على السبعين رجلاً، إخوة له من أبيهم الإمام علي وأمهم المكناة “أم البنين”. كان أبرز تلك الأخوة العباس، يليه عثمان وجعفر وعبدالله، وقد اسُتشهدوا جميعاً في تلك الملحمة التأريخية العظيمة. إنهم بذلك يلحقون بسبطي الرسول الأكرم وسيدَي شباب أهل الجنة، خالدين كلهم دوماً وأبداً، منيرين الطريق الأمثل للأنسانية جمعاء.
لم يكن الحسنان، ريحانة رسول الله، هما السابقان للشهادة من آل البيت، فقد سبقهما أبوهما الإمام علي بن أبي طالب بعد ضربة غادرة من أحد الخوارج. وقد أنهت تلك الضربة صراعاً كان يدور بين الخير والشر، بين علي ومعاوية، انتصر فيه الشر بالنهاية ولو الى حين. ولو قُيض للخير أن ينتصر ربما استمر أمر الشورى في اختيار الحاكم ولربما تطور هذا الأمر بمرّ الزمن ومع تحسن وعي الناس ليصبح مبدأ الشورى آلة بيد أغلبية الشعب في انتقاء الحكومة المناسبة، بموازاة ما يعرف اليوم بالديمقراطية في انتخاب الحكومة. ولكن شاء القدر أن ينتصر معاوية ليقلب الأمر الى دكتاتورية وراثية ولينصّب ابنه المارق لسبي آل بيت رسول الله بينهم علي السجّاد مريضاً مقيداً ورأس إبيه الحسين بن علي بن أبي طالب فوق رماح آل أبي سفيان وهم يسوقون السبايا من بلد الى بلد، من أرض كربلاء الى رذيلة يزيد بن معاوية!
على أن الحضارة العربية-الإسلامية التي بدأها الرسول محمد (ص) من المدينة المنورة وصلت أوجها ببغداد المأمون العباسي ثم بدأت تنحدر تدريجياً ثم انتهت. وهكذا هو ديدن الحضارات على مر التأريخ. كلٌ لها عمر معين، طال أم قصر. ويسري الآن هذا القانون على الحضارة الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة. هذا وإن كانت الأخيرة قادرة بقوتها الهائلة على تدمير الأرض وما عليها، إلا أنها مجرد قوة غاشمة. فهذه الحضارة في مرحلة الهرم وهي مرحلة الغروب. إن بوصلة إنتقال الحضارة تشير بوقتنا هذا نحو الصين، وهكذا تدور الأيام.
نعود مرة أخرى الى الحسين (ع)، فما الذي يمثله الحسين؟ إن ملحمة الحسين، روحي فداه، ليست ملكاً لشعب معين أو فئة معينة، وإنما هي على سموِها ملك للإنسانية جمعاء. إنها نور يضيئ الطريق أمام الأمم التي ما زال يلفها الظلام، ومن بينها أمتنا العربية. أليست الأمة العربية في حالة جهل وتخلف؟ ألم تذهب ثرواتها الى دول الإستعمار الأوربي؟ ألم ينتقل الدور بعد ذلك الى أمريكا فبدأت تسطو على ثروات الأمة وبالأخص نفوط دول الخليج العربي؟ ألم تتمزق الأمة العربية وتخور قواها ما سمح لقيام دولة إسرائيل في مكان القلب منها؟ ألم تصبح المنطقة العربية في الشرق الأوسط ملعباً لإسرائيل تسرح بحروبها فيه وتمرح متى شاءت؟ ألم تزل إسرائيل تحتفظ بكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة مع أجزاء من سوريا ولبنان بعد مرور نصف قرن من الزمان على “حرب الأيام الستة”؟
بعد كل هذه المصائب والرزايا التي لا يسمح المقال إلا بذكر جزء يسير منها، وبعد مرور 1378 سنة على واقعة الطف، كأني بمولاي سيد الشهداء واقفاً على جبل من نور ولكن ما زال بلباس الحرب ومخضباً بدمه الشريف، مخاطباً الشعب العربي بكافة تلاوينه ومعتقداته ومِلَله ونِحَله على اختلافها، قائلاً أيها الناس:
لقد آن الأوان أن تستيقظوا وتهبوا وتنفظوا عنكم غبار التقاعس والجهل والتخلف
عليكم برعاية حقوق الأنسان.
عليكم بممارسة الحق في اختيار الحكومة الصالحة.
عليكم باحترام المرأة وحماية حقوقها فهي نصف المجتمع وعليها تقع أولى المسؤوليات في بناء النشء الجديد.
أصلحوا التعليم فهو الأساس في بناء المجتمعات، وأكرر: عليكم بالتعليم ثم التعليم ثم التعليم!
ثم شرّفني بخطاب شخصي قائلاً: عليك أن تعلم، يا ولدي، بأنني أضحيت بمنزلتي هذه فكرة عابرة للأجيال والأديان وهداية لكم وأنتم بأمس الحاجة إليها الآن، فاتعضوا.
نعم، إن حسيناً فكرة إنسانية عليا. إنه التمثيل الأدق لكرامة الأنسان ورفعة الأنسان. إنه الرمز للفداء والتضحية من أجل الكلمة المتمثلة بالأخلاق العليا السامية المشتركة بين بني البشر على اختلاف ألوانهم ومشاربهم منذ الخليقة وحتى تنتهي الأرض ومن عليها!
أللهم لبيك يا حسين!!

About محمد علي زيني

"الدكتور محمد علي صالح زيني"
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.