في «السيف» قد ضيعت «الأسد»

الشرق الاوسط

هناك مثل شعبي في الأدب العربي يقول: «في الصيف قد ضيعت اللبن».

لكني رأيت تغيير هذا المثل لأكسبه طابعا سياسيا ليكون على النحو الآتي: «في السيف قد ضيعت الأسد».

لدينا كلمة شائعة في اللغة الفارسية مقابلة لكل من الأسد واللبن هي «شير».

في أجواء الصيف الحارة، يفسد الحليب بصورة سريعة. الأمر ذاته ينطبق على حالة بشار الأسد والسيف الذي يمثل رمز القوة. يعتقد بشار أنه قادر على البقاء في الحكم وتعزيز قبضته على السلطة من خلال السيف، لكن يبدو لي أنه يدرك الآن مدى الدمار الذي تعرضت له سوريا، معاناة شعبها الأمرّين خلال فترة حكمه أكثر من أي وقت مضى. تلك هي أسوأ إنجازات بشار الأسد عندما استخدم السيف دون حكمة.

يقول اللود أكتون: «القوة تفسد أصحابها، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والرجال العظام دائما ما يكونون رجالا سيئين». وربما يكون أكتون قد استعار هذه المقولة من ويليام بيت رئيس الوزراء البريطاني (1766 – 1778) الذي قال شيئا مماثلا من هذا القبيل خلال كلمته أمام مجلس اللوردات في المملكة المتحدة عام 1770: «إن القوة غير المحدودة تفسد عقول من يملكونها».

روى وليد جنبلاط لبعض الأصدقاء المقربين أنه عندما التقى الرئيس الأسد عقب وقوع مذبحة درعا سأله: لماذا لم تقدم أولئك المسؤولين عن المذبحة إلى المحاكمة، لا سيما أنه من الضروري معاقبتهم وإقناع السوريين بأن حكومتهم تدعمهم؟ وهنا كان رده: هل تقصد بذلك أن أعاقب ماهر الأسد؟ لكن لم تمض سوى عدة أشهر حتى رأينا ماهر الأسد يدخن، ويحدق في جثث الضحايا من المعارضة السورية. وهنالك فقد بشار الفرصة والوقت المناسب لتدارك المشكلة.

ونحن في الوقت الراهن، للأسف، نواجه كارثة هائلة في سوريا، وذلك لأن حكومة بشار لم تعر انتباها لأهمية الوقت في حل المشكلات. واسمحوا لي أن أقدم لكم مثالا آخر.. عندما انهزم الجيش العراقي وتم تحرير مدينة خرمشهر عام 1980 خلال الحرب العراقية – الإيرانية، رأى الكثير من السياسيين في إيران ضرورة القبول بوقف إطلاق النار ووضع حد لهذه الكارثة القائمة بين البلدين المسلمين. ولكن، على الجانب الآخر، أصرت الشخصيات العسكرية على مواصلة الحرب التي قتل خلالها نحو ثلاثمائة ألف إيراني، وما زلنا نرى بعض الوجوه الحزينة لمعاقي الحرب في المستشفيات، الذين يلجأ بعضهم، للأسف، إلى الانتحار. ولنا أن نستحضر هذه المقولة: أمور مرهونة بأوقاتها، فاغتنموا فرص الخير، والفرص تمر مر السحاب.

هذه أمثلة عن الحكمة في موروثنا الديني والشعبي. فقد خلق الله عز وجل الحياة وفق تدابير محددة، أحد هذه التدابير الأكثر أهمية هو الوقت.

ما أريد أن أقوله الآن، هو أن الأسد أقدم على قرار صائب، ولكنه جاء متأخرا للغاية؛ عندما أعلن عن العفو عن كل جماعات المعارضة السورية، وأكد خلال مقابلة له مع قناة «الإخبارية» السورية الفضائية يوم الأربعاء 17 أبريل (نيسان) أن «ما قالت به وسائل الإعلام الأجنبية والمعادية وبشكل عام العربية من أن هذا الرئيس مرفوض من قبل الشعب ومتمسك بالكرسي ويقتل شعبه من أجل الكرسي. هذا ما يطرح». وأضاف: «المنصب ليست له قيمة إذا لم يكن له دعم شعبي، ما يجب أن يقاتل المسؤول من أجله هو الدعم الشعبي.. وما يقرره الشعب في هذا الموضوع هو الأساس بالنسبة إلى بقاء الرئيس أو ذهابه».

كان الوقت الأنسب لإصدار مثل هذا البيان هو بعد وقوع أحداث درعا، وإن أفضل السبل أمام بشار لاتخاذ قرار خطير وتاريخي هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سوريا، لكنه لم يفعل ذلك عندما أتيحت له الفرصة كاملة. نحن نعي أنه يواجه عقبات هائلة، لا سيما أن الوضع تغير حاليا في ظل مقتل نحو مائتي ألف سوري، وارتكاب أعمال وحشية من جانب القوات العسكرية النظامية وفرار ملايين السوريين عن ديارهم. لقد اعتدنا أن نرى سوريا دولة جميلة تنعم بالتراث الثقافي العظيم، مثل سوق حلب القديمة، ومساجدها، ومبانيها التاريخية، ولكن سوريا تحولت الآن إلى بلد بلا تاريخ أو حضارة. يبدو أن الحل الوحيد يكمن في إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وبإمكان بشار أن يشارك في الانتخابات باعتباره مرشحا، وإذا ما صوتت الغالبية العظمى من السوريين لصالحه، فسوف يكون الرئيس الشرعي لسوريا. وإذا خسر الانتخابات، فبإمكانه المكوث في بلاده.

إننا أمام مشكلة تحتوي على عدة تناقضات، فمن ناحية يرفض بشار إجراء حوار مع زعماء المعارضة ويبعث برسالة واضحة مفادها أنه لن يترك السلطة، ومن ناحية أخرى أعرب قادة المعارضة عن شكوكهم في الرئيس السوري. والسؤال الآن هو: من يمكنه أن يملأ هذه الفجوة ويزيل تلك الغيوم الضبابية التي تلوح في سماء سوريا؟ أعتقد أن الأخضر الإبراهيمي – الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية – يمكن أن يلعب دورا فريدا في إنقاذ سوريا والسوريين وعائلة الأسد. قد تكون هناك فرصة أخيرة أمام بشار لاتخاذ قرار تاريخي وإنقاذ سوريا بعد فشله في استغلال الفرصة الذهبية عقب وقوع أحداث درعا. وانطلاقا من رغبته في إنقاذ سوريا والحيلولة دون وقوع مزيد من الدمار، صرح معاذ الخطيب بأنه مستعد لإجراء محادثات مع الحكومة، والآن حان دور الأسد للاستجابة لهذا الاقتراح الحكيم. إن الوقت الراهن هو الأنسب للتفاوض. ولا ننسى أن الله تبارك وتعالى أمر موسى أن يذهب إلى قصر فرعون ليتحدث معه بلغة لينة وليس باستخدام كلمات ثورية: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) سورة طه (43 – 44).

إن المكان الوحيد الذي يعتبر فيه الوقت عاملا إيجابيا هو المتاحف، حيث تزداد قيمة اللوحات والتماثيل مع توالي السنوات والعقود. ولكن حينما يتعلق الأمر بالشؤون السياسية وشؤون حياتنا اليومية، يلعب الوقت دورا سلبيا. ومن ثم ربما كان هذا هو الوقت الأنسب لكل من بشار الأسد وقوى المعارضة باختلاف أطيافها ومطالبها حتى يفكروا في سوريا.

لقد أثنى ابن بطوطة (1368 – 1304 ميلادية) على دمشق وشعبها عندما تحدث عنها في رحلته قائلا: «دمشق في أوصافها جنة خلد راضية. أما ترى أبوابها قد جعلت ثمانية؟».

لكن دمشق تحولت الآن للأسف إلى مكان أشبه بالجحيم، تنتظر شخصا يبدل جحيم الموت والكراهية إلى جنة على الأرض.

About عطاء الله مهاجراني

كاتب صحفي ومحلل سياسي
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.