في الذكرى السنوية الثانية لمجزرة كنيسة سيدة النجاة (31 تشرين أول 2010)

لويس إقليمس

“كي لا ننسى .. :كنّا هناك”
تعود إلينا هذه الأيام، الذكرى السنوية الثانية لمجزرة كنيسة سيدة النجاة الأليمة في 31 تشرين أول 2010، وسط ترقب مشوبٍ بالأمل والشكّ في آنٍ معًا: الأمل يكمن في رسالة الإرشاد الرسولي الذي خصّ به قداسة البابا المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، كي يثبتوا في جذورهم المسيحية ويتقوّوا بإيمانهم ضدّ حملات الترهيب والتهديد والتهميش المتواصلة ضدّهم وضدّ طموحاتهم الوطنية بحياة إنسانية طبيعية متساوية ومتوازنة قائمة على احترام الخيارات الشخصية في الدين والمعتقد والتوجّهات الاجتماعية وفي وسائل التعبير. أمّا الشكّ، فهو كامن في ما نراه ونعايشه ونلاحظه على أرض الواقع، من التمادي في إهمال استحقاقات المكوّن المسيحي بخاصة، ومعه المكوّنات قليلة العدد الأخرى (الأقليات)، في كلّ مسالك الحياة العامة التي ينبغي أن يتمتع بها نسيج الشعب العراقي ككلّ، اعتمادًا على مبدأ المواطنة التي تعني من جملة ما تعنيه، مساواة المواطنين جميعًا دون تمييزٍ  مكوّنٍ عن آخر من المكوّنات الأخرى، لاسيّما المصرّة منها على الاستحواذ على كلّ شيء بحجة ما يُسمّى باستحقاق الأغلبية والأكثرية العددية دينيًا وإثنيًا وطائفيًا، ما أثبت تسبّبها بالخلل والفوضى والفشل في تقديم الخدمات الآدمية الطبيعية وفي عدم الاستقرار السياسي والأمني، الذي يستمرّ فيه البلد غارقًا في بحرٍ من المشاكل السياسية التي ليس للشعب فيها حيلة، كما ليس له فيها لا ناقة ولا جمل.
بكلمات قليلة، لكنّها معتصرة ومفعمة بالألم والذكريات القاسية، كلّما تذكرتُ المأساة، بسبب هول المجزرة التي عايشها من كان يصلّي في هذه الكنيسة عصر الأحد 31 تشرين أول 2012، طيلة أربع ساعات بكمالها وتمامها، وأنا واحدُهم… أريد أن أقول: كنّا هناك بين أرجاء هذه الكنيسة الأجمل بين كنائس بغداد، نصلّي من أجل العراق، كلّ العراق، بكلّ مسيحيّيه ومسلميه وسائر المكوّنات الأخرى  كي تعيش بسلام وأمان وشرفٍ، كما كانت عليه حتى 2003.
قبل عام من اليوم، رويتُ على مواقع الكترونية وفي مجلة الفكر المسيحي، شهادتي حول ما جرى في هذه المجزرة من داخل غرفة السكرستيا التي تحصّنَ بها معي أكثر من خمسين مصلٍّ، بينهم الخوري “روفائيل قطيمي” الذي نالَه قسطٌ من نيشان تلك الحادثة، التي بقي طيلة الهجوم فيها واقفًا واجمًا صلدًا على رجليه حتى الربع ساعة الأخيرة من انتهائها، حيث تهاوى حينها مصابًا. أين وكيف؟ لا أدري ولا هو يعرف.
أتذكر، كيف بدأ القداس الذي كان يقيمُه القس “ثائر” ويخدمه الشمامسة والجوق معًا، أني أثناء فترة الموعظة بعد تلاوة الإنجيل، تندّرت مع زميلي الشماس “وديع”، بسبب مرور الكاهن الشهيد مرارًا وتكرارًا على كلام يسوع ل”بطرس” هامة الرسل: “من تقول الناس عنّي أنا هو”.. ولم يمرّ على بدء تلك العظة “الأخيرة” للكاهن المحتفل أكثر من خمس دقائق، حين أزفت الساعة الخامسة والثلث، حيث طرقَ سماعنا أولى طلقات الإنذار بالهجوم وما تلاه من انفجارات وهجوم عنيف على الكنيسة في غياب القوة المكلّفة بحمايتها التي غابت وتلاشت وغارت إلى مجهول  مساء ذلك اليوم، إلاّ من حرس الكنيسة غير المؤهلين للأمور القتالية، كما لم يفلح تدخلُ الحرس الخاص لمؤسسة سوق الأوراق المالية المجاورة، الذين تمكنوا من إصابة أحد الإرهابيين الخمسة المقتحمين والذي فجّر نفسه، على ما يبدو، على سور الكنيسة الأيسر…أتذكر آخر كلمات القس “ثائر” من على المذبح، حين توقف عن عظته وقال: “ماكو شيء”. وحاول عبثًا الاستمرار بالموعظة، بسبب تزايد قوة الهجمة الشرسة التي هزّت أركان الكنيسة ومَن فيها وألقت الفوضى والرعب في صفوف المصلّين… أتذكر كيف نزعتُ قميص الشمّاسية ودفعتُه لابني “رابي” ليرتّبه كي أستطيع الخروج لأتفحّص بنفسي ما يجري في الخارج. ولكن هول الهجمة منعتني حين رؤيتي ما يجري في مؤخرة الكنيسة ومن ثمَّ استحالة خروجي بعد أن تمكّن الإرهابيون الأربعة من دخولها من الباب الخلفيّ وبدأهم بتقتيل المصلّين، وقد سقط في مقدّمتهم الأخَوان “وسام” و”سلام”، اللذين لحقت بهما والدتُهما من شدّة حزنها على فلذتي كبدها… أتذكر العويلَ والصراخ داخل غرفة السكرستيّا التي دخلناها فآوتنا وبقينا فيها “رهائن محتجَزين طوعًا ورغمًا عنّا” للإرهابيين، وقد اختلط ذلك مع الفوضى التي عمّت آنذاك داخل الكنيسة وروّعت نفوس المصلّين… أتذكر كيف بدأ أحد الإرهابيين بعد ربع ساعة من اقتحامهم للكنيسة، وهو شاب في مقتبل العمر، يؤذن داخل الكنيسة وسماعنا إطلاقاتٍ نارية وانفجارات بعد الانتهاء من الأذان، عندما بدأوا بمسرحية مأساوية لقتل المصلّين بحسب رواية من بقي حيًّا في داخل الكنيسة، حيث لمْ يسلم منهم حتى الطفل الرضيع الذي أسكتَه رصاص الإجرام ولا اعتراض الطفل البريء “آدم”  على فعلتهم الشنيعة! … أتذكر كيف فارقتِ الحياة تلك الشابة العروس الشهيدة “رغدة” بين أحضاننا وسط العويل والبكاء والصراخ بعد ان كانت تمكنت من الزحف إلى هذه الغرفة الصغيرة وهي مضرّجة بالدماء لإصابتها البليغة في أمكنة عدّة من جسدها الطاهر وقد كانت جالسة حين إصابتها، على المصاطب الأمامية للجناح الأيمن من الكنيسة… أتذكر كيف كان يصلّي الشهيد “أيوب” أبياتَ الوردية ويرسم إشارة الصليب في نهاية كلّ بيت يصلّيه وهو يتألم صابرًا ساكتًا، إلاّ من أنين الجرح البليغ الذي كان أُصيب به وهو مرتمٍ مثلنا على أرضية الغرفة وبجواري، وأنا أتأمّلُه وأفكرّ ما عسى يكون خبرُ إصابته أو عدمُ نجاته لدى ذويه وعائلته وأصدقائه… أتذكر أني لم أتوانى في حينها بإرواء عطشه، بسقيِه ما استطعتُ من ماء متيسّر من ثلاجة الماء التي كانت على ميمنتي، لحين تدميرها بثالث قنبلة أطلقها الإرهابيون علينا من حيث لا ندري، وبسببها صمتَ الشاب “أيوب”، وكان صمتُهُ أبديًا … أتذكر كيف كنتُ أشجعهُ وأحلّيه بالصبر، فالفرَج قادم… لكنّه فارق الحياة قبل أن يأتي ذلك الفَرَج الذي تأخر بفعل فاعل. كيف، ولماذا؟ لا أعرف!
أتذكر أولى المكالمات الهاتفية الواردة من الصديق “أبو مريم” من “أربيل”، الذي كان يتصل لسؤالٍ خاص بعد دقائق معدودات من حصول الحادث دون معرفته به بعد، حينها أطلعتُه عمّا يحصلُ لنا طالبًا منه التصرّف والإبلاغ عن الهجمة بالوسائل المتاحة… أتذكر الاتصال الذي أجريتُه لاحقًا وبعد دقائق معدودات من الحادثة مع العقيد (العميد فيما بعد) “سعد” من قيادة عمليات بغداد، وكان أول اتصال تتلقاه هذه القيادة، وربما الحكومة أيضًا، عن العملية الإرهابية، وقد بقي العسكريُّ المذكور على اتصال متواصلٍ معي لمرات عديدة لمتابعة الحدث أول بأول ولإعطائهم الإحداثيات والتهيئة قبل اقتحام الكنيسة من قبل “الفرقة الذهبية” التي لم تصلح في حينها لتُسمّى حتى ب”الفخارية”، بسبب الإرباك والتأخير والانتظار المرّ الذي قاساه مَن كُتب له أن يبقى حيًا بأعجوبة من السماء! أتذكر المكالمات العديدة التي وردتني من أصدقاء ومسؤولين وكهنة ومقرّبين للاستفسار عن وضعنا بعد أن سمعوا ذلك عبر الفضائيات التي نقلت الحادث أوّلَ بأوّل… أتذكر كيف منعتُ نفرًا من المحاصَرين معي داخل غرفة السكرستيّا التي لم تكن محصّنة، من محاولة فتح بابها الخلفي، خيفة أن يجذب مثل هذا الفعلُ الطائش أحدَ الإرهابيين القابع على خطواتٍ منّا وأن يحصل ما يحصل.. أمّا الإجراء الوحيد الذي قمنا به، فقد كان دعمُنا لبابِ السكرستيّا المتهرّئ بدولاب كتبٍ حديدي خفيف كان إلى الجوار، تحسبًا متاحًا لاقتحام ممكنٍ، ولم يكن ذلك  مستبعدًا في أية لحظة فيما لو حاول هذا الإرهابيُّ القابع أمامه اقتحامَ السكرستيّا  وتفجير حزامِه الناسف علينا… أتذكر كيف استطاع ابني “رابي” من خرم الباب المذكور، أن يراقب تحرّكَ إثنينِ من الإرهابيّين الأربعة، أحدهما الجالس أمام باب السكرستيّا  والثاني على الجهة المقابلة لنا، وهما غير ملثّمين، وقد حفر تفجيرهما الانتحاري فيما بعد، أثرًا واضحًا في موقع قبوعهما… أتذكر الشعور الأبوي  الذي راودني حينما طلبَ منّي إبني هذا، عدم الصمت ومخاطبتَه بين الحين والآخر للاطمئنان عليّ، لاسيّما بعد أن أعلمتُه بإصابتي في وجهي والصنين الذي طرّشَ أذني اليسرى. كان يقول لي: ” بابا كلّمني حتى لو ما بيك شيء”… أتذكر الحرج الذي أُصبتُ به حين سكتَ جهاز النقال عندي، واضطررتُ لاستخدام البديل الثاني لاستكمال الاتصالات. حينها ظنّ مَن كانوا على اتصالٍ دائمٍ معي في خلية العمليات التي شكّلها النائب “يونادم كنّا” مع فريق مساعديه في مقر الحركة الديمقراطية الآشورية، أنه قد يكون حصل لي مكروه بسبب ذلك الانقطاع المفاجئ… أتذكر أنّي لم أستطع الردّ على نداءات عديدة من عديدين ومنهم نفرٌ من أسرتي في بغداد التي كانت انشغلتْ ذلك اليوم بأمور منزلية طارئة ولم ترافقني إلى الكنيسة كعادتها… وكذلك النداءات التي لم أستطع الردّ على الكثير منها وقد تتالت عليّ من أصدقاء ومن عائلتي وأهلي وأقربائي من “قرقوش” ومن مناطق أخرى وحتى من الخارج ممّن سمعوا بالحادث عبر وسائل الإعلام التي نقلت أجواء الحادث الذي طال زهاءَ أربع ساعات بهولها وترهيبها وقسوتها وعنفها وحقدها وإحراجاتها…
أتذكر كيف، أُطفئت الأضواء خلال النصف ساعة الأخيرة من العملية، حيث ساد الصمتُ والوجوم. حينها قلتُ لابني الفتي: قد اقتربت الساعة، وقد تكون النجاة حليفنا أو…؟ فتلكُم، كانت لنا إشارات للاقتحام ولحصول شيء ما. كما تأكّد الفعلُ من الضابط في قيادة عمليات بغداد بالهاتف. ساعتَها، تزلزلت أركانُ الكنيسة، ودوت انفجارات فاقتْ أصواتُها ما باستطاعة الآذان تحمّلها…كما غطّت الأتربة والغبار المتصاعد والشرارات النارية أرجاءَ الكنيسة قاطبة وكذا سقفَها بسبب هول الانفجارات المتلاحقة، والعصف الشديد للأسلحة المستخدمة والأحزمة الناسفة التي تفجّرت بالإرهابيين وفتّتت أجسادهم التي اختلطت دماؤهم بدماء شهدائنا الخمسة والأربعين، بمن فيهم الكاهنان الشهيدان الشابان، “ثائر عبدال” و”وسيم القس بطرس”… ثمّ هدأت فورة العاصفة ليصلنا بعدها صوتٌ ينادي: “قولوا يا ألله… قولوا يا ألله! نحن قوات طوارئ”. وهكذا، تبيّن الفرج من ضوء مصباح يدوي كان يحمله أحد العسكر المقتحمين طالبًا منّا الخروج، فقد انتهت العملية. ولكنْ كيف انتهت.. فقد كانت هناك مذبحة حقيقية، حصدت أرواحًا بريئة، جلُّ ذنبهم أنهم كانوا يصلّون ويتضرعون إلى الباري كي يسود السلام ربوعَ الوطن ويتعزّز التلاحمُ الوطني الذي انهار بعد 2003 وكي يهتدي الساسة بالمثول إلى الحكمة والروية والعدل في إدارة البلد المتهرّئ والغائص في حفرة الفساد والطائفية وسرقة أموال الشعب وحقوقهم وقتل الأبرياء وتصفية الحسابات. تلكم تمامًا، كانت توصية الكاهن الشهيد “ثائر” بعد قراءة الإنجيل حيث اعتاد الطلب في كل يوم أحد من المؤمنين الصلاة لأجل هذه النية…
كنتُ الثاني الذي غادر غرفة السكرستيا غيرَ مصدّق حالَنا. فقد حرستنا العذراء مريم، سيدة النجاة التي ارتدتْ ايضًا ثوب سيدة الشهداء والمعترفين في تلك الكنيسة التي يتباهى الناس باسمها، مسيحيين ومسلمين على السواء… وقد أصررتُ بعد خروجي سالمًا على إلقاء نظرة على أركان الكنيسة، رغم اعتراض أحد العسكر… فرأيتُ ما رأيتُ، غير مصدّقٍ الحالَ الذي آلت إليه كنيستي، فقد كانت، ما تزال بعدُ، تفترشها بعض الجثث وقطعُ اللحم المتشظّي والمتناثر هنا وهناك بين أركانها والفوضى التي كانت فيها المصاطب والمذبح واللوازم  الطقسية وحتى بيت القربان الذي دنّسه الإرهابيون بفعلهم الشنيع ذاك.. وفي فناء الكنيسة وحولها، كان جمعٌ من ذوي المصلّين وأصدقائهم واجمين بين انتظار مريب وأمل بلقاء أحبتهم أو مرارةٍ لمرافقة جثامينهم المحترقة أو الممزقة أو إسعاف المصابين منهم. لم استطع حينها البقاء أكثر من ذلك بسبب القشعريرة التي شعرتُ بها جرّاء إصابتي أنا أيضًا، وبسبب ملابسي المبللة التي اختلط فيها الماء المسكوب بسبب كسر ثلاجة الماء، بالدماءِ التي سالتْ ممّن كان مصابًا وزحفَ باتجاه السكرستيا أملاً في النجاة. حينها كان نفرٌ من دائرتي في انتظارٍ لنقلي لتلقي العلاج في مستشفى القديس رافائيل للراهبات بالكرادة، ومنها إلى داري حيث كانت أسرتي والجيران وبعض الأصدقاء في انتظار أخبارنا وعودتنا سالمين طيلة فترة العملية، والحمد لله!
رحم الله شهداء كنيستنا الخالدين في الذاكرة. وسيبقى الكاهنان الشهيدان، مثالاً للراعي الصالح بحفاظهما على الوديعة وشهادتهما في كنيستهما وبين رعيتهما. لمْ يهونا أو يضعفا أمام حقد الارهابيين ولا خارت قواهما أو تخاذلا. كما يشهد لهما من عرفهما عن قرب، أنهما لم يضعفا أمام المغريات في فترة خدمتهما، وكانت عديدة أمامهما. كما كان موقفهما، ولاسيّما  القس “ثائر”، من القضايا الوطنية مشرّفًا ومن مستقبل المسيحيين واضحًا بتفضيل الانتماء إلى الوطن موحدًا والالتصاق بجذوره والأمل برؤيته معافًا وبعودة اللحمة الوطنية لأبنائه. فقد أحبّه المسلمُ قبل المسيحي لتعاطفه مع المحتاجين، وكلُّ من كان يطرقُ بابَ كنيسته، لم يكن يُرجعُه خائبًا. كما كان القس “وسيم” أيضًا، مع زميله الشهيد السعيد، أصدقاءَ للشباب وحواضنَ للأطفال المرتادين لدروس التعليم المسيحي كلّ يوم جمعة بهمّة معهودة ومتابعة همام، إلى جانب الصوت الرخيم الذي اتسم به القس “وسيم”، وقد كنتُ أستأنس معه وأجاريه في اللحن حين يقيم الذبيحة الإلهية، لإجادته الألحان والطقس السرياني. وهنا لا يسعني إلاّ القول أيضًا، أننا فقدنا حضور الخوري “الختيار” روفائيل قطيمي الذي غادر رعيته لاستكمال العلاج وآثر البقاء في بلد الاغتراب الذي اختاره، متمنين له موفور الصحة والتوفيق.
كلمة أخيرة، أسوقها لأبناء كنيستنا خاصة والمسيحيين عامة: سوف تعود كنيسة سيدة النجاة عروسًا للكنائس بعد أيام، بعد إعادة تأهيلها وتقديسها لتفتح أبوابها للمصلّين من جديد. وبفضل مرتاديها وقاصديها ومحبيها، سوف تتزيّن وتلبس حلة جديدة تزخر جنباتُها بأسماء شهدائها الخالدين كي تبقى ذكراهم ذخرًا وعلامةً للشهادة التي بها رَووا بيت الله بدمائهم الزكية لتكون بذارًا للحياة. كما سيتابعُ زملاء الكاهنين الشهيدين، المشوار الذي كانا قطعاه بذات الهمّة والحرص والرعاية مع الراعي الجديد للأبرشية.
أخيرًا، كتب إليّ أحد الأصدقاء المسلمين في رسالة ردٍّ على الشهادة التي كتبتُها قبل عامٍ، يقول لي فيها (أنقلها حرفيًا):
((( ” ان جريمة كنيسة سيدة النجاة اختصرت  بمضامينها وبشاعتها كل الجرائم التي ارتكبت بحق ابناء بلاد النهرين  الاصلاء منذ اكثر من 1400 عام عندما قدم الغزاة الاوائل من الجنوب وعبثوا بالعراق قتلا وتدميرا باسم الله وادخلوا مفاهيم الكراهية والقسوة ونشروا الهمجية والبدائية بكل اشكالهاالى يومنا هذا.
قرات بامعان سرد المجزرة التي وقعت في كنيسة  سيدة النجاة على يد مجموعة متوحشة تلوثت عقولهم بعقيدة الشر.
ان المجزرة التي وقعت في الكنيسة يجب ان تكون حاضرة في قلب ووجدان كل من يؤمن بالحياة والسلم والمحبة  مع ضرورة  الحفاظ على التذكير بها وكشف وفضح عقائد الكراهية ووضع النقاط على الحروف وبجراة على الاسباب والافكار التي حولت هؤلاء وهم في ريعان الشباب الى متوحشين قتله للحياة بما في ذلك الفكر المسموم الجاثم في عقولهم وعقول غيرهم و الذي يتناقض مع السجية البشرية . ليس اله من يدعو الى الكراهية  وليس دين من يبرر القتل.

اتمنى لك التوفيق في مواصلة عرض هذه الماساة الانسانية في فلم او على الاقل فلم وثائقي هادف وباكثر من لغة.”

مع فائق تقديري واعتزازي

اخوك
علي الشريف)))

لويس إقليمس
بغداد، في 29 تشرين أول 2012

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.