فيلم “لوياثان”.. قصة الصراع بين السلطة والانسان

مخرج الفلم أندره زفياغيتسيف مع ملصق للدعاية إلى الفلم

مخرج الفلم أندره زفياغيتسيف مع ملصق للدعاية إلى الفلم

عبدالله حبه – موسكو

ربما لم يحظ أي فيلم روسي بإهتمام الجمهور ووسائل الاعلام في هذه الايام مثلما حظي به فيلم” لوياثان”، الذي حاز على جائزة مهرجان كان و” جولدن جلوب ” والعديد من الجوائز الاخرى في المهرجانات السينمائية الدولية ورُشح لنيل الاوسكار. وفي اغلب الظن إن سبب هذه الضجة المثارة حول الفيلم ترتبط بما احدثه في خارج روسيا من ردود افعال متناقضة بين مؤيد ومعارض. علما ان منتجيه وجدوا ان من المناسب عدم عرضه في داخل البلاد خلال عام كامل. وسبب ذلك هو ماتضمنه الحوار في الفيلم من كلمات نابية وسباب قد تعرضهم الى الملاحقة في المحاكم، لأن القانون الروسي يحظر ترويج مثل هذه الالفاظ في وسائل الاعلام والسينما والمسرح. ويضاف إلى ذلك، فقد آثر المنتجون تأخير عرض الفيلم بغية اثارة ضجة أكبر حوله مما يثير اهتمام الجمهور به ويجلب لهم المزيد من الارباح. وفي نهاية المطاف، وبعد مضي عام فقط وفي 4 فبراير بدأ عرض الفيلم في بعض دور السينما في موسكو وغيرها من المدن بعد ان حذفت منه او شذبت الالفاظ النابية. علما ان الرقابة السينمائية غير موجودة في روسيا، ولكن السلطات يمكن ان تستخدم القانون المذكور ضد المنتجين. ومن المعروف ان وزارة الثقافة الروسية تولت دعم انتاج الفيلم ماليا.
ولا ريب في ان المحذوفات قد تغير الصورة الواقعية للاحداث وابطال الفيلم. تدور قصة الفيلم حول الصراع التقليدي بين الخير والشر متمثلا في قصة النبي ايوب الواردة في العهد القديم بنقلها الى الوقت الراهن. وتتحدث القصة عن رجل يعيش في مدينة صغيرة في شمال روسيا على ساحل بحر بارنتس، وعن صراعه مع عمدة المدينة الفاسد الذي يريد سلب بيته وورشة عمله من اجل بناء مجمع تجاري وكنيسة هناك. ويظهر الفيلم حالة اليأس التي تسيطر على البطل وعائلته. ومما يزيد الطين بلة ان زوجته تخونه مع صديقه المحامي الذي استدعاه من موسكو لمساعدته في الصراع مع العمدة.
لقد احتجت مصادر الكنيسة على عرض الفيلم، لأنه يصور رجال الكهنوت بهيئة المتعاونين مع السلطة الفاسدة. كما اعتبر بعض المسؤولين ان الفيلم يخدم الاغراض السياسية لجهات ما في الخارج لأنه يشوه الواقع الروسي ويعرض الجوانب القاتمة من حياة المجتمع. اما رئيس بلدية القرية التي تم تصوير الفيلم فيها، فقال ان ابناء البلدة هم مواطنون طيبون، بينما يصورهم الفيلم كمجرد سكارى وعربيدين يمارسون شرب الفودكا بلا توقف كبطل الفيلم نقولاي وكذلك العمدة ومعاونوه ومدير الشرطة والسمكري والمحامي.
يعتبر مخرج الفيلم اندريه زفياغيتسيف من فناني الموجة الجديدة في السينما الروسية. وقد برز في المهرجانات الدولية بعد اخراجه فيلم ” العودة” في عام 2003، و” النفي” في عام 2007. واعتبره النقاد إن هذا الفنان سيواصل نهج المخرج الكبير اندريه تاركوفسكي احد اعلام السينما السوفيتية؛ أي انه مثل تاركوفسكي والكسندر ساكوروف، وينظر الى السينما كفن وليس كصناعة وتجارة لكسب الربح. وقال زفياغينتسيف أن لا علاقة لفيلمه بالحرب الباردة التي يشنها الغرب ضد روسيا، وانه اراد ان يصور فقط حالة انسانية ، وإن البطل يعتبر حقا ” بطلا من زماننا”.
والطريف ان وسائل الاعلام المعارضة تبدي استغرابها لطرح الفيلم لنيل الاوسكار وليس فيلم نيكيتا ميخالكوف” ضربة شمس”. وحسب وسائل الإعلام، فإنن الفيلم يعتبر من السينما الموالية لبوتين، ولهذا دعمته وزارة الثقافة.
ان اثارة مثل هذه الضجة حول الفيلم تدل على قيمته سواء السينمائية الفنية أوالتجارية على حد سواء. ويشهد تاريخ السينما حالات اثيرت فيها الضجة حول افلام مثل ” الحياة الحلوة ” لفيديركو فيلليني و” اندريه روبليوف ” لتاركوفسكي وفيلم ” سعادتي” لسيرغي لوزنيتسا ” والتوبة ” لتنجيز ابولادزه . علماً أن هذه الافلام قد صنفت الآن في الارشيف السينمائي باعتبارها من أروع الافلام.
21/02/2015

About عبدالله حبه

ولد عبدالله محمد حسن حبه في بغداد وفي محلة صبابيغ الآل عام 1936. انهى الدراسة الابتدائية في المدرسة الجعفرية والمتوسطة في مدرسة الرصافة المتوسطة في السنك والثانوية في الاعدادية المركزية. وانهى الدراسة الجامعية في كلية الآداب فرع اللغة الانجليزية. أنهى معهد الفنون الجميلة فرع التمثيل. وحصل على بعثة لدراسة الدكتوراه في الاتحاد السوفييتي ونال الشهادة من معهد غيتيس للتمثيل في منتصف الستينيات. في بداية مشواره الفني مارس الرسم لعدة سنوات، إلى جانب كتابته للقصة. وأصدر مع صديقه القاص منير عبد الأمير مجموعة قصصية تحت عنوان "الحصان الأخضر" في بداية الخمسينيات من القرن الماضي. عمل في الصحافة الفنية وتحديداً في مجلة السينما التي كان يصدرها الفنان كاميران حسني في الخمسينيات من القرن الماضي. ثم انتقل للعمل في المجال المسرحي، وفي البداية مع الفنان جعفر السعدي ثم الفنان جاسم العبودي ثم انتسب الى فرقة المسرح الحديث قبل سفره الى الاتحاد السوفييتي عام 1960. شارك في التمثيل في الجامعة وفي اخراج عدد من المسرحيات في كليان بغداد، كما شارك في التمثيل في عدد من المسرحيات وفي تصميم الديكورات والمكياج للفرق التي عمل معها في تلك الفترة. ومنذ منتصف الستينيات توجه للترجمة من اللغة الروسية في موسكو،وترجم للعديد من فطاحل الأدب الروسي الكلاسيكيين والمعاصرين. عمل في وكالة تاس في موسكو وفي عدد من الصحف الصادرة ياللغة العربية في موسكو وفي عدد من البلدان العربية، ثم عمل لفترة في تلفزيو روسيا باللغة العربية، وعاد الآن للعمل في وكالة تاس.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.