فنجان قهوة …وسيكس

فنجان قهوة..و…سيكس –
Sex

سيمون خوري

العنوان طبعاً مثير، وغير متوقع من كاتب عجوز كحالتي، قهرته السنون. وأصبح ” السيكس ” في حالات عديدة نوع من الأشغال الشاقة . أو فعل يحتاج الى كثير من التحضير والاستعداد الذهني والجسدي معاً . هكذا دائما تلعب الفترينة دورا في تسويق وعرض البضاعة أو إيصال الفكرة.
تمنيت لصديقي ” نادر قريط ” الشفاء العاجل ،وعشرة حوريات ، احتج وطالب بسبعين !! وهو على حق لأنه من مدينة خلت ساحاتها من الأطفال ، وتحولت أعراسها الى مآتم . ربما يعوض النقص بعد مصرع أطفال درعا.
مرة أخرى العنوان مثير ؟ هل تبحث عن علاقة فنجان القهوة وال سيكس ..؟ طبعاً…!
مثل كافة الإعلانات التجارية التي توظف فيها المرأة والجنس وتتحول الى وسيلة إغراء تسويقية . وهكذا نحن الأن لكي نلفت انتباه الرأي العام والشارع العربي الى ما يدور في مدينة حمص ومدن أخرى ، التي تشهد حسب كافة المعطيات حملة إبادة غير مبررة مهما كانت طبيعة المعارضة أصولية أو عفاريتي، فأننا نلجأ الى توظيف عناوين مثيرة للغرائز الجنسية . هذا إذا بقي لمن يشاهد منظر العنف والقتل من رغبة ما سواء في احتساء كوب من القهوة أو ممارسة الجنس كفعل طبيعي إنساني.
الخطورة تكمن أننا أدمنا فعل ” الفرجة ” على المأساة دون ردة فعل إنسانية. وأصبح مشهد القتل أياً كان الطرف الضالع به مشهداً عادياً. تحولنا الى ما يشبه الإنسان الآلي الذي لا يتحرك إلا بالنصوص التي تتحكم بحياته العامة والخاصة، متحرراً من شروط الزمان والمكان . لا يهم أكانت المدينة حمص أو بغداد أو مقديشو أو أي مدينة أخرى منكوبة بالديكتاتورية والنصوص معاً.
أدرك تماماً أننا نشهد مرحلة جديدة هي عصر الانتقال من الديكتاتورية نحو قرون وسطى جديدة تقاوم جدلية التطور والتقدم . وقد تستبدل الألعاب الرياضية بنوع أخر مثل مسابقات في أطول لحية ، أو زمن قياسي لسجدة تسجل في موسوعة ” جينز ” العالمية ..؟ بيد أن هذه الأنظمة هي المسؤل عن دفع المنطقة الى أحضان العمامة واللحية والجلباب الباكستاني . إنها حالة انكفاء جديدة وعزلة إجبارية للعقل. ومع ذلك فإن مشهد القرون الوسطى القادم الذي يخيم سواء على سورية أو غيرها لا يبرر هذا المستوى من فعل القتل الرسمي.
لنعود الى العنوان الشبق مرة أخرى.. البعض دخل الى الصفحة لإشباع فضوله حول هذا الموضوع الشيق أو الشبق معاً . لكن لو كان العنوان، لا ماء ولا طعام ولا كهرباء في حمص… أو أن الجوع يقتل حتى البعوض والذباب في الصومال بفضل أحزابه ومليشياته المقدسة. أو أن الاستيطان يلتهم الشجر والحجرفي فلسطين. أو أن البحر يبتلع كل يوم عشرات المهاجرين . أو أن المفخخات في العراق ترسم التقسيم .
أو أن عشرة مليون شجرة تقتلع كل عام في إندونيسيا، أو أن تكلفة إنتاج قنبلة نووية في دولة يطحنها الفقر والجوع، تسد حاجة شعبها ولا تبقى لا جاهلاً ولا معدماً.أو أن ما ينفق على التسلح في دولة خليجية ما ؟؟، وقد لا تجد من يستخدم تلك الأسلحة..يقبر الفقر في قارة كاملة.عدا عن السؤال ضد من ستستخدم. أو بالأحرى، لا داعي للسؤال طالما أن هناك فتاوى الجهل والتجهيل حاضرة لؤاد المنطقة. عبر تأجيج الصراع المذهبي والطائفي،لحساب شركات الأسلحة .
أما في حالة سورية فلا داعي للسؤال أيضاً، لأن الجواب أعتقد معروف..؟
ترى ماذا يحصل في سورية ..؟ لا شئ ..فاصل قصير من الزمن الهولاكي . فقد باعت واشنطن سورية الى موسكو . والانتخابات على الأبواب لا تسمح لأحد بحك رأسه. لأن الأهداف الإستراتيجية للطرفين أهم من سكان سورية والفترينة الحاكمة معاً.
هكذا نجلس على مقاعدنا، نحتسي القهوة أو قليل من النبيذ والبيرة ، ونتابع فاصلاً قصيراً في نشرة أخبار عالمية ما يحدث في سورية. ربما نطلق تنهيدة أو نتأسف للضحايا . أصبح المشهد روتينياً . فلم تعد زوجتي تصرخ ماهذا الدمار والقتل البشع ..؟ ربما أدركت أنه جزء من تقليد وإرث تاريخي ” السيف والقلم والبيداء ” قبل اجتماع ” السقيفة ” وما تلاه من غزوات. ومع ذلك أشعر بحجم امتعاضها الصامت، من صمتي في أحيان عديدة. بالضبط كما كان يحدث معنا عندما نشاهد ذلك القتل المجاني في العراق فالخارج من بيته هو مشروع قتيل أو شهيد أو مخطوف..؟
هل فكر أحدكم ماذا لو كان في حمص تلك التي كانت تسمى مدينة الفطائر الجميلة.. أو في قرية أخرى . وعايش تلك المعاناة لأم فقدت أبنها أو لوالد لا يعرف أين ينجو بأطفاله.. من الخوف الذي يترصده في كل لحظة؟ إذا كنت لا تدرك قيمة البصر أغلق عينيك لحظة واحدة.
هل يتذكر أحدكم صرخة ذلك المواطن السوري ..أنا إنسان ..ماني حيوان …؟!
مع ذلك أصبح البعض يتمنى أن يكون حيواناً في دولة غربية على أن يكون إنساناً في دولة شرق أوسطية. لأن العقل هنا قدم استقالته . فقد انتقلت المنطقة من ديكتاتورية الحاكم الى ديكتاتورية النص واللحية.
سنشرب فنجان قهوة لكن بدون سيكس لأن عدد ” الشهداء ” فاق عدد الحوريات ..
ترى هل الصحفية الأمريكية وزميلها الفرنسي الذين قتلوا في حمص هم أيضاً شهداء. أم أن الشهادة هي توكيل حصري بأتباع الزعيم والفقيه والمفتي..؟
هل يمكن لأحدكم أن يقدم تفسيراً مقنعاً لتعبير ومعنى ” شهيد ” ومن هو الشهيد ..؟!
كفى سفكاً للدماء ، لكي نحافظ على ما تبقى من إنسانيتنا داخل ذواتنا . إذا كان البعض يشعر بالفخر بعدد القتلى أو ” الشهداء ” ، فأنا أشعر بالخزي والخجل لما وصلت اليه قيمة الإنسان .
لا قهوة ، ولا سيكس . في مدينة تنهمر عليها الصواريخ بدل المطر.. هل أعطينا إنساننا في داخلنا إجازة للتفاعل الإنساني مع ما يحدث..؟! أم أننا بانتظار وحي خارجي أخر يشرع لنا تشريعاً جديداً ببعديه الطائفي والطوائفي معاً.
كل ما أخشاه أن يتفكك اسم ” سورية ” الى خمسة حروف منفصلة عن بعضها البعض. والقادم أعظم ، خارطة جديدة للمنطقة وعاشت دول الطوائف والقبائل والمشيخات.
مشكلة المجلس السوري المعارض هو الحصول على اعتراف دولي به . بيد أن مشكلتنا هي وقف أعمال القتل، وتأمين حياة السكان. آه … يا زمن الفلافل.

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in ربيع سوريا, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.