فضائيات باسم الدين لارضاع الكبير.. واعداء ديننا منا وفينا!

نسرين طرابلسي : القدس العربي 
يعاني عالمنا العربي من جائحة دينية- أقول جائحة لأنها لم تعد مجرد علاقة مصانة وحرة بين العباد وربهم، ولم تعد مجرد شرائع ناظمة للحياة- لقد أصبح الدين ساحة صراع يرتكب باسمها كل شيء، القتل والإرهاب والتكفير والنصب والاحتيال.
تستطيع أن تتجول بين القنوات الفضائية المتكاثرة يوما بعد يوم لتجد من الخطاب الديني أشكالاً وألواناً. وبالتأكيد لا أتحدث عن الخطاب المتوازن أو البرامج الهادفة التي أجد أن علي أن أورد منها أمثلة لا بل وأنصح بمتابعتها. لكنني أتحدث عن تلك الوجوه المخيفة، ونبرات الصوت المتوعدة لبعض من يقدمون أنفسهم كرجال دين، تتحفنا بهم قنوات تفترض أننا شعب ناقص العقل والدين والأهلية، وما ينقص حياته قبل أي شيء آخر الكثير من التعاليم والتعقيدات. على رسلك قليلاً أيها القارئ الكريم. أستثير فيك غيرتك على دينك، وأسالك هل أنت راضٍ عن كل ما يقدم؟!
مثلما ننتقد كل المبالغات على الشاشة، مبالغات الشكل وشطحات الإثارة والاستخفاف بعقلية المشاهد لا بد أن نعترف أن الكثير من البرامج الدينية دخلت هذا الإطار وعلقت فيه. ومثلما نستنهض وعي الجمهور وذكاءه ليرفض السخافات والترهات وبرامج الجشع الربحي، كذلك نتمنى أن نوجه إلى نوعية من البرامج التي تثبط الوعي وتلف حول الرؤوس مانعات الذكاء وتهدف إلى الربح دنيا وآخرة من دون أن تقدم شيئاً لخير الإنسان ويسر حياته. سأتجنب ذكر أسماء بعينها، وسأتحدث عن ظواهر منتشرة بكثرة ومتأكدة بأنك سبق وأن تعوذت وتحوقلت وهي تمر أمامك سواء على شاشة التلفزيون أو وسائل الإعلام البديلة.

لحية أم دغل علّيق؟!

تبدو المنافسة اليوم في كبر اللحية، وألوانها وأشكالها. أعرف أن إطلاق اللحى سنة. ولكن هل هذا يعني إطلاقها على طريقة ألف وأربعمئة سنة للوراء! قبل اختراع المقصات وماكينات الحلاقة وآلات التشذيب والتهذيب. الدين الإسلامي دين المرونة واليسر لكل زمان ومكان. فإذا كان عتق الرقبة سارياً ككفارة ومذكوراً في النص القرآني لأنه كان عرفاً اجتماعياً تلك الأيام، هل يصح اليوم أن نتخذ رقاً لنسير على سنة ذلك العصر وهدي خطاه؟! لماذا يصر البعض على إعادة الإسلام إلى زمانه ومكانه وتأطيره في عصره فقط!
ألا يفكر الذين يقدمون أنفسهم بمخترعات عصرية ابتكرها الغرب كالكاميرا والأقمار الاصطناعية والساتلايت أن عليهم أن يخففوا من خطاب العداء له! ويوجهوا الجمهور إلى أهمية العلم وتطويره والانخراط فيه لنستطيع كأمة أن نبدأ على الأقل من حيث انتهى الآخرون ونقدم شيئا ينتفع به العباد ويحجزون مكانتهم في ركب الحضارة السائر بسرعة من دون أن يلتفت إلينا أو يتمهل قليلاً ريثما نعرف إن كان يجوز إرضاع الكبير من الثدي مباشرة أم بالكأس خمس مرات مشبعة! أو نتأكد إن كان على الزوجين أن يمارسا ما أحله الله بثياب أم عراة! أو نتفاخر بأن القدرة الجنسية للنبي الكريم الإنسان كانت بقوة أربعة آلاف رجل أم لا! أو نختلف حتى العداء إن كان علينا أن نعزي جارنا من دين آخر أم نلعنه! لا بل أكثر من هذا، رجل دين قدير ومسموع الكلمة، يتعالج في أحد المستشفيات الكبرى في ألمانيا ومع ذلك يكفر الغرب في حديث تلفزيوني من دون أي حرج مطبقاً المثل يجلس في ‘حضنهم وينتف بذقنهم’! الأمثلة كثيرة وأخجل أن أوردها في مقالي هذا.
أعرف أن كثيراً منكم سيتبرأ من هؤلاء ويهب للدفاع عن الإسلام بأنهم لا يمثلونه وليسوا أوصياء عليه. لكنكم أيضاً أدرى بشعاب بلدانكم، وتعرفون أن الوعي الشعبي عند شرائح كثيرة يتأثر بهذه الأفكار ويتبناها. لا بل ويرددها ويتمسك بها ويكفر من يدينها. إنهم ذاتهم إخوتكم الذين يدلون بأصواتهم في الانتخابات ويستجيبون بغريزة جماعية للتلويح بالغضب والترهيب من النار. النار التي ستحرق كل من لا يميط الأذى عن درب شعبه، ويقتصر دوره على تقطيع أواصر العلاقة مع العالم وتعميق الهوّة التي تفصل الإنسان عن الآخر.

عن خواطر أحمد الشقيري

ماهي المخترعات والإنجازات العلمية التي قدمها العالم الإسلامي منذ ابن سينا وابن الهيثم لخير البشرية حتى اليوم؟ كل حياتنا ذات طابع غربي، يتغلغل فيها وييسر صعوباتها وينير ظلمتها. تعتمد على ما قدموه للبشرية في كل شيء من مفتاح الكهرباء إلى أجهزة التكييف التي ترحمنا من جحيم الدنيا. وعلى الرغم من أن طفلا صغيراً اليوم في البلدان الميسورة بإمكانه أن يستعمل آي فون أو آي باد أكثر مما يعرف استخدام السبحة أو المسواك!
إلا أن الوسيلة الأكثر شعبية التي يستقي منها السواد الأعظم من الشعب المعلومة ويتأثر بها هو التلفزيون الذي يدين العالم بالفضل لمخترعه الاسكتلندي جون لويجي بيرد. كل ذلك لا يهم حقاً في مقابل ما حاول أحمد الشقيري الشاب السعودي المتنور أن يوجهنا إليه في برنامجه ‘خواطر’.
لقد حاول أثناء تجواله في مختلف أنحاء العالم تركيز بحثه عن القيم الأخلاقية والإنسانية والقوانين المدنية التي تلعب الدور الأكبر في ارتقاء شعوب تحتلُّ المقاعد الأولى في صفوف العالم الأول.
حلقة لا أنساها نقلها إلينا من اليابان. ولم يغفل الإشارة إلى أن اليابانيين شعب غير مسلم ويدين بديانات روحية قد يصفها البعض بأنها عبادة أوثان وأصنام، لكنهم يتحلون بأخلاق جاء الإسلام ليتمم مكارمها، هي التي جعلت منهم شعبا يقدم كل يوم للبشرية شيئاً جديداً. ويُضرب به المثل في الأمانة، الصدق، الإخلاص، التفاني والالتزام بالعمل واحترام القانون.. وغيرها. بل أكثر، لقد أجرى أحمد وطاقم برنامجه تجربة أخلاقية في رمي نقود على الطريق في بلدين أحدهما أجنبي علماني مدني والآخر عربي مسلم. وجلست الكاميرا ترصد ردود الأفعال، وكانت المفاجأة أن المواطن الأجنبي سارع لتسليم المال إلى أقرب شرطي، بينما وضعها العربي في جيبه وتابع طريقه. وتركنا البرنامج نتساءل من دون كثرة تفسير وتدوير أي الإنسانين أقرب إلى الله؟! رحم الله المفكر العربي الشيخ محمد عبدو الذي قال: رأيت في ديار الغرب إسلاماً بلا مسلمين، ورأيت في ديار الشرق مسلمين بلا إسلام!

الدفاع عن الإسلام

لماذا كلما تابعنا برنامجا من تلك البرامج الدينية التي أخذت تنتشر عناداً بكل عقل ومنطق، نشعر بأن كل فتوى فيها تحتاج إلى فتوى وكل اجتهاد يلزمه ألف تفسير؟! لماذا نشعر بأن الدنيا تضيق، ومساحة حرية الإنسان تتلاشى، والنعمة التي أعطاها الله للإنسان للاختيار تضمحل!
لا شك أن كل واحد منكم مر بموقف واحد على الأقل وجد نفسه فيه مضطراً للدفاع عن الإسلام. هذا ليس ديننا أؤكد بحرقة. ديننا دين نزل على إنسان صادق أمين، دين شرع حياة الإنسان ووضع قوانين ناظمة من أجل مجتمع أكثر عدلا، دين لا عنصري حرر الرق والعبيد ولم يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. دين كرم المرأة، تحفل قصصه بحكايات النساء اللواتي دعمن الرسالة، وأحد سور كتابه المقدس تحمل إسم السيدة مريم العذراء. دين رحبٌ تقوم أركانه على الإيمان بالكتب والرسل جميعاً. دين الاحتضان لا الرفض، دين توحيد المجتمع لا تمزيقه. دين يرفض قتل النفس بغير حق، ويجزل الحسنة والصدقة والكلمة الطيبة بعشرة أمثالها وبأحسن منها. لا يبدو دفاعي يجدي نفعا فأقابل دوما بسيل من الحجج المستقاة من هذه البرامج التي تشيب شعر الرأس بما تحتويه من تطرف ومغالطات. وأجد نفسي عاجزة عن إقناع الآخر بأن هؤلاء لا ينتمون للإسلام الحق. وأن كل تطرف ومغالاة هو حياد عن الطريق للأسف يجد سوقاً رائجة ويتبعه جمهور غفير!

أعداؤنا منا وفينا

لا يمكن هدم بنية إلا من الداخل، وعلينا أن نعترف أن العداء للإسلام سببه ما اقترفت أيدي البعض عن سبق وإصرار وترصد ودعم وتمويل. فكيف إذا كان وطننا العربي يعاني أصلاً من تفكك وضعف وتقهقر يومي. على كل الصعد، إنسان محبط ومهزوم، وحكومات ديكتاتورية متسلطة، وثورات مجهضة، وحريات مقيدة، ودين واحد تتعارك فيه الطوائف وآفاق مخضبة بلون الدم. مسؤولية الإعلام اليوم يجب أن تكون سريعة وحاسمة. أراكم في كل شيء تقيدون الحريات وتعملون مقص الرقيب فلماذا لا تثور غيرتكم على قاطعي الرقاب ومحللي القتل ومروجي الطائفية ومستعملي الدين بالقصص الخرافية المثيرة للسخرية؟ سودتم وجوهنا أمام العالم.. أما من برنامج مسابقات يمنح جائزة لمخترع علمي عربي؟ ألم يعد لدينا إلا الشعر والرقص والغناء (على أهميتها) وصفّ الحكي لنتنافس فيه! أم نسينا أن من نتغنى بتنويرهم للعالم كانوا رجال دين يعلمون الرياضيات والموسيقا والهندسة والطب وعلوم الطبيعة والفلك؟!
كانت أمي مدرسة وعندما تجد التلاميذ يتلهون في أثناء الدرس تقول لهم: لو كنت أدرّس طلاباً يهوداً لكانوا أكلوا الكتب أكلاً بعيونهم. أختم مقالي بهذه الحكاية وأترككم لتتفكروا بها جيداً.

كاتبة وإعلامية سورية

About أديب الأديب

كاتب سوري ثائر ضد كل القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية والاسرية الموروثة بالمجتمعات العربية الشرق اوسطية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.