غرباء؟

الشرق الاوسط

أثار الأستاذ إبراهيم عيسى حفيظة مشاهديه عندما قال إن بعض كبار المصريين ليسوا مصريين. فاته أن يقول إن الدول الكبرى وحدها تتسع لنجوم من غير أهلها. عندما توفي جمال عبد الناصر كتب كثيرون، أنه كان أول «حاكم مصري». هل كان محمد علي باشا أقل خدمة لمصر؟ وهل كان إبراهيم باشا ابنه، أقل وطنية من عبد الناصر أو السادات أو مبارك؟

اللائحة طويلة في هذا الباب الإنساني الوسيع. أمير الشعر العربي لم يكن عربيا إلا في القلب وفي اللسان. وكم كان قلب شوقي عربيا ولسانه كم كان أجمل ذرى اللغة. ونابليون الذي حول فرنسا إلى إمبراطورية لم يكن فرنسيا. وأتاتورك، أبو تركيا، لم يكن تركياً. والإسكندر لم يكن يونانيا. وهتلر كان نمساويا. وفي ذاكرتي أن أجمل من نطق بالإنجليزية، كان ريتشارد بيرتون وجون غيلغود. الأول عامل بناء حزين من ويلز التي تكره الإنجليزية وترفع اللغة الغاليّة على طرقاتها وفي مقاهيها. والثاني بولندي أذهل المسرح الشكسبيري، كما أذهل مواطنه بالرواية الإنجليزية التي تعلمها وهو يقود سفينة فاحمة في أنهار أفريقيا.

متى نعترف بانتماء الإنسان إلى لغة أو قوم أو بلد؟ لا تقول كندا إن الحاكم العام الآن سيدة من هايتي، وقبلها سيدة من الصين، وكلتاهما بلون أصولها ومعالمها. الشعر الأجعد والعينان الضيقتان.

الرجل الذي رد الكرامة العربية عبر التاريخ، كان كرديا يدعى صلاح الدين الأيوبي. ويشكل الأكراد في المنطقة التي ندعوها الشرق الأوسط، ثاني أكبر جماعة إثنية بعد العرب. ومع ذلك أصررنا على ألا يكون لهم وجود. أهملناهم في المدن وطاردناهم في الجبال. وطاب لكل حاكم عربي أن يلقب نفسه صلاح الدين ولو لم يخرج إلى حديقته. عبد الكريم قاسم كان كرديا. والثابت الوحيد في زعامات لبنان، وليد جنبلاط ووالده وجدوده، من أصل كردي. ليس في هذا العالم بلد «صاف» إلا آيسلندا، لأن أحدا لا يريد الهجرة إلى هذا المزيج من العتم والبرد والبراكين التي يطاول دخانها السماء ويعطل الرحلات الجوية في العالم. أما فيما عدا ذلك فإن كولومبس لم يكن أميركيا. ولم يكن أميركيا سوى الهنود الحمر الذين أباد منهم الرجل الأبيض 20 مليون إنسان ثم اتهمهم بالوحشية والعدوانية والتخلف. كل ما في الأمر أنهم رأوا مخلوقا يعبر المياه الأطلسية لكي يسرق خيولهم ويحتل أراضيهم وينهب محاصيل الذرة ومناجم الذهب.

لماذا يتضايق المصريون كلما جاء ذكر الشوام؟ في النهاية أصبحوا جميعا مصريين. وداليدا أشهر مطربة فرنسية ظلت مصرية بالنسبة إلى الجميع. وعمر الشريف ملأ شاشة هوليوود وظل مصريا. وأحمد زويل ومجدي يعقوب ومحمد الفايد تصدروا العلم والطب والمال في الغرب وبقوا إيه؟ بقوا مصريين. بلاش زعل بقا.

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.