عابرون

عابرون إليكم في ليلة مظلمة شديدة السواد, عابرون والريح العاتية تحفر في وجداننا جميعا, عابرون في الشتاء وعابرون في الصيف الحار عابرون من أربعة فصول, عابرون والشهوة للخلاص تملئ أمعائنا,عابرون ولا كتف نتكئ عليها غير كتفكم,عابرون وكل شيء من حولنا كأننا نعرفه من مئات السنين, البيت والقلعة والأسوار وأعمدة الدخان, وامرأة جالسة القرفصاء على باب بيتها, عابرون والله يلطف بنا, عابرون ولا ندري من أين يأتي فصل الكلام وسحب الكلام وقصائد من عنبر,عابرون ولا أحد يعرف مداخل ومخارج العبور غيرنا, عابرون والسنين الضائعة تلهث خلفنا, عابرون من الموت إلى الحياة, عابرون من القلق إلى الاستقرار, عابرون من الخوف إلى الاطمئنان, عابرون ولا ندري كيف قطعنا كل هذي المسافات…عابرون من المدن الحزينة على خيولٍ لها أجنحة,عابرون من المدن الكئيبة, عابرون لنروي لكم قصص الكآبة في مدننا الكئيبة, عابرون وليس معنا طعامٌ إلا أحزاننا الكبيرة والكثيرة , عابرون ومعنا رواية آلامنا الطويلة, عابرون وسكاكين الغدر مزروعة في ظهورنا, عابرون ورسائل الشوق تنبع من عيوننا, عابرون والله أعلم بما أسفرت عنه حكايات الموت وقصص الانفجار الثوري في أعماقنا, عابرون ولا أحد يعرف متى عبرنا ومن أين عبرنا ومتى سنعود.


عابرون وعيوننا مغمضة ونصلي من أجل أن يعم السلام بين الإخوة والأقارب قبل الغرباء, عابرون لكي نتواصل مع أبناء العم وأبناء الخال, عابرون والدهشة في جيوبنا المثقوبة من أثر الزكام في العام الماضي, عابرون وكل المدن الحزينة تعرف قصصنا ورواياتنا التي كتبناها بالدمع الساقط من خدودنا, عابرون وهكذا هي قصة العبور بين الموت والحياة والهدم والبناء وموج البحر المتلاطم بالعينين, عابرون مثل الثيران الهائجة في سهول عالم أفريقيا المجهول, عابرون والله وحده يعلم عن قصة العبور التي كتبناها بالدم النازف أرجلنا.
عابرون من صحراء عربية ليس فيها أي معنى للكلمة أو للحرية, عابرون من مدينة ليس فيها صحيفة واحدة تنشر أسماءنا إلا في صفحات الموتى, عابرون من مدينة تشتعل بالأحلام كشعلة أولمبية وفي الصباح تنام كجثة هامدة على قارعة الطريق, عابرون من مدينة أمية لا تقرأ إلا الكف ولا تكتب إلا عن قصص الغرام بين الإنس وبين الجن, عابرون من مدينة فيها يعشش الموت في كل مكان, عابرون من مدينة تحكمنا بلغة الخوف ولغة جز الصوف وهندسة بناء السجون, عابرون من مدن أضواءها مطفية وطلائها معتم والأكسجين فيها معدم, عابرون من مدينة نائمة تحرسها أبشع أنواع الكلاب المطرودة من الأودية والجبال, عابرون والناس لا تسأل عنا كيف أتينا ومن أين شربنا وأكلنا, عابرون لنكتب قصصنا للكبار وللصغار وللذين لم يأتوا بعد.

عابرون والعبور هو المنجي الوحيد لنا, عابرون من قصص الألم والواقع المخزي إلى قصص ألف ليلة وليلة, عابرون ولا شيء يصدنا عن العبور, ومشينا على الشوك ونحن حفاة.

عابرون وإلى أين المسير؟ عابرون ومتى سنستريح من قصص المدلسين؟ عابرون ومن يحملنا على كتفيه؟ عابرون ومتى سيستحي الناس من سرد القصص المزورة عن قصة عبورنا من الظلمة إلى النور؟ عابرون وليس لنا حل إلا العبور, عابرون وليس لنا طريق مفتوحة إلا طريق العبور, عابرون وليس يحمينا من أمتنا إلا العبور, عابرون وليس بأيدينا أن نرسم طريقا لخطة العبور وليس بأيدينا وسيلة نكتب بها أقدارنا.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.