ضرورة إصلاح خطابنا الديني

معتقلات تحفيظ القرآن

معتقلات تحفيظ القرآن

لماذا تتعارض آراء بعض رجال الدين مع مبادئ حقوق المرأة؟ ولماذا يعتقدون أن الرجال خُلقوا ليكونوا هم مركز دائرة الضوء ويؤدوا الأدوار الرئيسة، بينما تجلس النساء عند حافة تلك الدائرة ليؤدين الأدوار الهامشية؟ والسؤال المهم: كيف يمكننا تغيير مثل تلك الآراء؟

إذا ما بحثنا بشيء من الدقة في سلوك واتجاهات المسلمين، سنكتشف أن غالبية المسلمين يؤمنون بأنهم أفضل من الآخرين، لكنني أعتقد أن العكس هو الصحيح! وعندما نقرأ مثلا عن مفهوم أو نظرية «النجاة» في الأديان الكبرى، سنجد أن أتباع كل دين، بل في بعض الأحيان كل طائفة من نفس الدين، يعتقدون أنهم هم وحدهم الذين سيفوزون بالجنة التي ستكون حكرا عليهم من دون الآخرين، مما يعني أنهم هم وحدهم أيضا الذين سيحظون بالنجاة من النار وأهوالها.

عندما نؤمن كمسلمين أو مسيحيين أو يهود بأننا وحدنا نسير على الطريق المستقيم، وأن الآخرين يتخبطون في طريق الضلال، فهذا هو السبب الرئيس وراء الكثير من المشكلات التي نعاني منها ونصارعها في الوقت الحالي.

واسمحوا لي أن أسوق لكم مثلا على ذلك الطرح. كنت أروي لأحد أصدقائي من علماء الشيعة عن ميزة زيارتي لغار حراء في مكة المكرمة، وأخبرته أنه عندما أصل إلى مكة المكرمة، فسوف أذهب إلى غار حراء عند وقت الظهر تماما لأحظى بوقت زيارة يكون فيه عدد الزائرين قليلا، وبالتالي أتمكن من أداء الصلاة بسهولة هناك. لكن آخر مرة ذهبت لأزور غار حراء، رأيت مجموعة من كبار السن من باكستان والبنغال يصلون ويبكون، فقلبت أيديهم وسألتهم الدعاء للبشرية جمعاء!

وعندما انتهيت من رواية ذلك لصديقي العالم الشيعي، أبدى أسفه أنهم ليسوا من الشيعة، مضيفا أنه لن تُكتب لهم النجاة من النار يوم الحساب. فبادرته بالسؤال التالي: هل تعني أن الشيعة فقط هم الذين سيدخلون الجنة؟ فأومأ برأسه بالإيجاب. فقلت له إن لدي سؤالين وتعليقا بشأن ما قاله توا: أولا، القرآن يخبرنا بأن المسيحيين والصابئين واليهود هم أهل الكتاب وأنهم سيدخلون الجنة، وعليه فإن الجنة لم تُخلق للمسلمين فقط، ورغم ذلك تعتقد أنت أنه لن يكون هناك مكان لبعض المسلمين فيها؟

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (المائدة، آية 69).

ثانيا، الجنة واسعة جدا، ولا نستطيع حتى أن نتخيل كم تبلغ مساحتها! يقول الله عز وجل في القرآن الكريم:

«وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران، آية 123).

تصور معي، القرآن الكريم يقول إن الجنة عرضها عرض السماوات والأرض، وهذا يعني أن البشر كلهم من جميع الأديان يمكنهم أن يجدوا مكانا فيها، لكنك تعتقد أن أتباع مذهب الشيعة هم فقط الذين سيفوزون بالجنة، كيف هذا؟

ثالثا، جميعنا نعرف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول في واحد من أحاديثه الشريفة، إن الله خلق آدم على صورته (صحيح البخاري، 6227، مسلم، 2841). وكذلك نعرف أن أصل الإنسان من خلال هذا التصور ذُكر أيضا في الإصحاح الأول في العهد القديم:

«خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم» (سفر التكوين، آية 17).

وقد انتقل هذا المفهوم الفريد والمهم من اليهودية إلى المسيحية. وفي المسيحية، يحظى هذا المفهوم بمعنى أكثر جمالا وعمقا، ففي سفر ملاخي:

«ألم يخلق واحدًا، له بقية الروح في وحدة معه؟» (الإصحاح الثاني، آية 17).

وخلال التحول الثالث في تاريخ الأديان من المسيحية إلى الإسلام، كان لهذا المفهوم تفسير رائع في القرآن الكريم، حيث يقول الله عز وجل:

«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر، آية 29).

هذا هو الأساس الذي بُني عليه خلق الرجل والمرأة، فجميع الرجال والنساء خُلقوا على صورة الله، وفيهم نفخة من روح العلي القدير. لذلك ينبغي علينا جميعا أن نفسر ونفهم المغزى وراء جميع الأديان على أساس هذين الركنين المهمين. لم يقل الله سبحانه وتعالى إنه خلق المسلمين واليهود والنصارى والهندوس والبوذيين على صورته. إنها صورة واحدة لجميع البشر، صورة الرجال والنساء في شتى بقاع الأرض وعلى مدار التاريخ الإنساني. وعليه، فإذا وضعنا جميعا تلك الصورة نصب أعيننا، فكيف لنا أن نكره بعضنا البعض، والأدهى والأمر، كيف لنا نقتل بعضنا البعض؟

إن اعتقادنا أننا أفضل من الآخرين، وأن الله قد اختارنا من بين جميع خلقه، هو مصدر جميع الشرور في المجتمع البشري. انظروا إلى سوريا والعراق واليمن وأفغانستان ولبنان والكثير من الدول الأخرى، لماذا يقتل الناس بعضهم البعض؟

تبدو سوريا مثالا حزينا في التاريخ المعاصر. في هذه الأيام، نرى الجماعات المتشددة تقتل بعضها البعض: فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يقتل عناصر جبهة النصرة، وكلاهما يقتل الجيش السوري الحر، وجميعهم يقاتلون ضد الجيش السوري، وهكذا تستمر تلك الدائرة المفرغة من القتل. وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن تلعب الأديان دورا مهما في إفشاء السلام بين الناس جميعا، تتحول تلك الأديان إلى السبب الرئيس وراء الكثير من الأزمات بسبب الخطاب الديني الخاطئ الذي ينتهجه البعض.

وفي نفس الإطار، يُمكن فهم قضية المرأة من وجهة النظر القائمة على أساس ديني. في الحقيقة، لقد شعرت بالخجل والإحباط عندما قرأت في بعض المصادر، أنه لا ينبغي تصنيف النساء ضمن البشر، حيث إنهن لا يتمتعن بهوية بشرية، وإن الله سبحانه وتعالى أخفى هويتهن الحقيقية من خلال إضفاء الصورة البشرية على تلك الهوية، لأنهن لو ظهرن بهويتهن الحقيقية، فسوف يكرههن الرجال! ولا أُريد أن أذكر مصدر هذا الكلام، غير أنني أعتقد أنه إذا لم تتغير تلك النظرة، فسيكون من الصعب أن نرى سلاما ورخاء حقيقيين في مجتمعاتنا.

وعلى الجانب الآخر، إذا ما أصدرنا أحكامنا على المرأة بطريقة خاطئة، فمن المنطقي أن تعتقد النساء (لا سيما الكاتبات والمفكرات والفنانات والصحافيات منهن)، أن الإسلام أو الأديان بشكل عام، هي سبب المشكلات التي نعاني منها.

ولا ينبغي أن ننسى أنه خلال عصر الجاهلية قبل الإسلام، كانوا يدفنون البنات أحياء، يقول سبحانه وتعالى:

«وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُه ُعَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» (النحل، الآيتان 58، 59).

أما في الجاهلية المعاصرة، فنرى بعض الدعاة يريدون وأد أرواح النساء وهن أحياء. الغريب أنه عند الطواف حول الكعبة المشرفة، يمشي النساء والرجال جنبا إلى جنب، وينبغي على النساء أن يكشفن وجوههن أثناء الطواف، في حين نرى أنه خلال المؤتمرات العادية، لا تستطيع النساء الحضور في نفس القاعة التي يجلس فيها الرجال.

انظروا معي إلى فتوى صادرة عن شيخ جليل حين سُئل عن حكم طواف من لامس امرأة أجنبية:

س: رجل كان يطوف طواف الإفاضة في زحام شديد ولامس جسم امرأة أجنبية عنه، هل يبطل طوافه ويبدأه من جديد قياسا على الوضوء أم لا؟

ج: لمس الإنسان جسم المرأة حال طوافه أو حال الزحمة في أي مكان لا يضر طوافه، ولا يضر وضوءه، في أصح قولي العلماء.

تخيلوا معي أن سيدة بمفردها في منزلها لأن زوجها غائب لسبب أو لآخر، وشعر ابنها بالمرض وتريد أن تأخذه إلى المستشفى، لكن غير مسموح لها بقيادة السيارة. وبالتالي، تجد نفسها مجبرة على ركوب سيارة أجرة مع رجل غريب عنها حتى تذهب إلى المستشفى بابنها. إنه التفسير الخاطئ للإسلام ولحقوق الإنسان!

About عطاء الله مهاجراني

كاتب صحفي ومحلل سياسي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.