صراع حضارات…؟!! 1

وفاء سلطان

لقد خلا الجو للمسلمين في الأسابيع القليلة المنصرمة، ولأول مرّة في تاريخهم، ليكونوا وحدهم على خشبة المسرح الدولي يلعبون دورهم ويؤكّدون طبيعتهم!
رسوم لفنان دانماركي كانت أدوات التجربة، وكان المسلمون وحدهم عناصر التجربة التي ترزح تحت عدسة المجهر الدولي.
كما يُسقِطُ أي عالم في مخبره نقطة من المضاد الحيوي على شريحة بكتيريّة ليراقب حركاتها وردود أفعالها ومدى تأثرها، قام رسام دانماركي باجراء التجربة على شريحة من المسلمين!
كانت النظريّة التي أراد أن “يبرهنها أو ينفيها” من جرّاء تلك التجربة تقول: المسلمون طيبون والإسلام دين سلام ولكن شرذمة من الإرهابين اختطفت هذا الدين المسامح وأساءت اليه!
لم تكن تلك الرسومات محض خيال، ولم تسرقها أنامل هذا الفنان من الفراغ، بل اعتمد في تشكيلها على معطيات!
عندما يرسم فنان زهرة أو ينحت آخر تمثالا.. أو يكتب شاعر قصيدة يلعب الخيال دوره في العطاء، ولكن يبقى للواقع الدور الأكبر!
لا يستطيع فنان في الأرض أن يتخيّل نبيّا على شكل ملاك عندما يكبّر أتباعه باسمه وهم يقطعون رأس أحد الرجال على مرأى من العالم. ولا يستطيع هذا الفنان أن يرسم ذلك النبي على شكل حمامة عندما يسمع برسالته التي تدعو إلى قتل كل من لا يؤمن بتلك الرسالة!
الفنان الدانمركي، ووفقا لقيمه وعاداته وتقاليده وعقائده واصول تربيته، لا يستطيع أن يقرأ السيرة النبويّة في كتب المسلمين ويتصور نبيّهم بشكل آخر أفضل من الشكل الذي تخيله فيه.
لا يستطيع ان يقرأ عن غزواته ويقتنع بأنّه نبيّ!
لا يستطيع ان يقرأ عن غنائمه ويقتنع بأنه نبيّ!
لا يستطيع ان يقرأ عن علاقته بالنساء وخصوصا المسبيّات منهن ويقتنع بأنّه نبيّ!
لا يستطيع أن يقتنع بأن نبيا يحمل سيفا ويقطع رأسا.. لايستطيع ان يقتنع بأن نبيا يأمر بإهانة انسان يعيش تحت كنفه لأنه لا يؤمن برسالته!
في الدانمارك قسم كبير من الضرائب التي يدفعها الدانماركيون يذهب الى مساعدة اللاجئين وأغلبهم من المسلمين!
بينما في كنف الاسلام على سكّان البلاد الأصليين غير المسلمين أن يدفعوا ضريبة للفاتحين من المسلمين.
عندما جلس هذا الفنان في مرسمه وراح ينبش ما في ثنايا دماغه من معطيات تراكمت خلال حياته علّه يستطيع أن يتصور من خلالها رسما لنبي الاسلام، تذكّر، أول ما تذكّر، بأن المسيح لم يحمل سيفا ولم يقم بغزوة واحدة. لم يقتل نملة ولم يغنم حبة، واستطاع بكلمة واحدة وهي “المحبة” أن يصل برسالته الى شرق الأرض ومغربها.
يتبعه اليوم أكثر بكثير من أتباع نبي الاسلام الذي برر غزواته وغنائمه بالدفاع عن دينه، علما بأنه لم يتعرض للمظالم والإضطهاد اللذين تعرض لهما المسيح.
تساءل هذا الفنّان في سرّه: لماذا احتاج محمد الى السيف واكتفى المسيح بالكلمة؟!!
اذا كان الله الذي أرسلهما هو نفسه لماذا أوحى إلى أحدهما بالمحبّة كوسيلة لنشر دين الله وأمر الثاني بأن يقاتل حتى يؤمن به كلّ الناس؟!!
لماذا غيّر هذا “الله” استراتيجيته؟!!
جاء نبيّ الاسلام ليتمم مكارم الأخلاق؟!!
عندما يتمم أحدنا عملا يكون الجزء المتمّم ـ بكسر الميم ـ صورة طبق الاصل عن الجزء المتمّم ـ بفتح الميم ـ فكيف يتمّم السيف المحبّة؟!! تلك مهزلة!
**************
لم يستطع الفنان الدانماركي ومن خلال المعطيات التي توفرت في حيّز دماغه أن يخرج برسم لنبيّ الاسلام أفضل من الرسم الذي خرج به.
الايدلوجيّة الغربية المعاصرة، والمستقاة في اصلها من الديانة المسيحيّة، تقوم على إحترام الإنسان بغض النظر عن لونه وعرقه ودينه!
بينما الإيدلوجية الإسلامية تقوم على “لا دين إلاّ الإسلام”، وبالتالي لا مكان لغير المسلم على سطح الأرض!
كلّ نبيّ أتى إلى عالمنا حمل معه رسالة تختلف، ولو قليلا، عن رسالات الأنبياء الذين سبقوه، أو بمعنى آخر حاول أن يغيّر شيئا.
عندما يقارن الانسان الغربي بين الطريقة التي غيّر بها المسيح والطريقة التي غيّر بها محمد، يصل الى قناعة مطلقة بأن هناك تناقضا بين الطريقتين.
المسيح قال لأتباعه: قالوا لكم العين بالعين والسن بالسن وأنا اقول لكم أحبوا أعدائكم..
هو انتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون أن يُسيء إلى هذا اليمين ودون أن يكذب أهله!
لم يقل كفر الذين قالوا لكم العين بالعين والسن بالسن..
هو غيّر الأعراف والقيم والعادات السائدة، والتي تبلورت خلال الاف السنين قبل مجيئه، غيّرها بطريقة جدا عقلانيّة ومنطقيّة وأخلاقيّة دون أن يكذب أحدا أو يُسيء إلى أحد!
قالوا لكم كذا وكذا وأنا اقول لكم كذا وكذا!
محمد جاء ليقول: كفر الذين قالوا كذا وكذا..
طريقة المسيح تنعكس على طريقة الغربي في الحوار حتى ولو لم يكن هذا الغربي قد يممّ وجهه شطر كنيسة في حياته.
عندما تحاور الأمريكي يصغي إليك بكل جوارحه منتظرا دوره في الحديث ليبدأ قوله بـ:
I agree with you but…

أتفق معك ولكن …
مهما كانت درجة خلافه معك كبيرة يبدأ حديثه بالقول: أتفق معك ولكن..، ثم يبدي رأيه بطريقة غير تحريضيّة ولا مثيرة!
طريقة نبيّ الإسلام في إيصال رسالته تنعكس على طريقة حوار المسلم، حتى ولو لم يكن هذا المسلم قد يمّم وجهه شطر مسجد في حياته!
مهما اتفقت معه في رأيه، يأخذ دائما موقع المدافع ويقول مقاطعا إياك: هذا الكلام ليس صحيحا!
في السنوات الأولى التي عشت خلالها في أمريكا كنت، وكلّما اتصلت بشركة أمريكية أو مكتب طيران أو أيّة دائرة للإستفسار عن شيء ما أو حل معضلة ما، أفاجأُ بالشخص على الطرف الأخير يقول لي:
Why are you screaming? I haven’t said a word yet!
لماذا تصرخين في وجهي؟ لم أتفّوه بعد بكلمة واحدة!
وأرد بدون أدنى تفكير:
I am not screaming I am just trying to explain my point of view!
أنا لا اصرخ وانّما أحاول ان اشرح لك وجهة نظري!
واكتشفت رويدا رويدا إنني أعتمد الغزو، وكأيّ بني آدم تربّى في حظيرة الاسلام، كوسيلة للحوار!
استطعت، عندما رفعت مستوى وعي الى حدّ التفكير، أن أغيّر طريقتي في الحوار وأعتمد اسلوب: قالوا لكم كذا وكذا وانا اقول لكم كذا وكذا!
*************
خوسيه شاب مكسيكي يشتغل في مكتب زوجي وهو رجل بسيط، لا أستطيع أن أتصوّر بأنه تجاوز في تعليمه المرحلة الإبتدائيّة، قال لزوجي مرّة: لماذا كلما زارك أصدقاؤك من العرب تتصارعون وتتنازعون وتختلفون فيما بينكم؟
وردّ زوجي مندهشا: نحن لا نختلف بل نتسامر! هل تفهم ياخوسيه مانقول؟
ـ طبعا لا! ولكنني اقرأ تعابيركم وحركات اياديكم واسمع صراخكم!!
*************
هل أحد منكم رأى مظاهرة باكستانيّة في سياق مظاهرات الإحتجاج على رسوم الفنان الدانماركي؟!!
هل أحد منكم رأى المظاهرة التي نظّمها بعض الدانماركيين وحملوا بها لوحات عليها إشارة السلام وتحتها عبارة: آسف؟!!
هل أحد منكم قارن بين الطريقة التي يتحرك بها الباكستانيون والطريقة التي يسير بها الدانماركيون؟!!
من كان منكم قادرا على أن يرفع مستوى وعيه الى حد المقارنة سيعرف، خلال لحظة، أين تكمن المشكلة!
وسيعرف خلال لحظة، هل مايراه صراع حضارات أم صراع الهمجيّة مع الحضارة!!
*************
أشباح بشرية بأطراف هزيلة ووجوه نحاسيّة سربلها الجوع والفقر والمرض والقهر، ترتدي أسمالا بالية قصيرة أكل الزمان من أطرافها، وتتحرك بطريقة هستريائيّة ثمّ تقفز كالسعادين حول الأعلام المحترقة.
تنسى ،وأنت تنظر اليها، السبب المباشر لتلك الهستيريا الجماعيّة وتتساءل عن أسباب تلك المأساة الإنسانيّة!
مخلوقات تُثار بكبسة زر، لكنّها لا تثار بقرون من الظلم والفقر والمرض والقهر!
كقطيع الماشية يهستر، عندما يسمع ذئب يعوي من بعيد، وهو في طريقه إلى المذبح!
هذا ماتشعر به وأنت تراقب القطيع الباكستاني، لتنتقل إلى مشهد آخر يصوّر لك الدانمركيين وهم يسيرون بصمت وهدوء، يحمل كل منه في يده شمعة وفي الأخرى لوحة كتب عليها: Sorryأي آسف.
ترى بركات الخير تسربل وجهوهم المضاءة، وتلاحظ كيف تتحكّم العقلانية بخطواتهم. تقرأ صدقهم وأسفهم، ليس في شموعهم ولوحاتهم وحسب، إنّما في تعابيرهم وإتزان حركاتهم!
**************
قيل: لا يقرقع في الدست الاّ العظم، فمتى يتساءل المسلمون لماذا يقرقعون؟!!
لم يبقى منهم تحت عدسة المجهر الدولي سوى هياكلهم! ولم يبقى لديهم من تعاليم سوى: “حرّض على القتال”!
**************
ليت تلك التعاليم تشجعهم على الحوار بدلا من أن تحرّضهم على القتال!
هل هناك فرق بين التشجيع والتحريض؟!!
هل هناك فرق بين الحوار والقتال؟!!
الإنسان ناتج تربوي، فهل يختلف الإنسان الذي ينتج عن تربية حرضته على القتال عن الانسان الذي ينتج عن تربية شجعته على الحوار؟!!
من فيهما الأكثر عرضة للفقر والمرض والظلم؟!! من فيهما الأكثر قدرة على النجاح وعلى الإنتاج والإبداع والعطاء؟!
للحديث صلة.

وفاء سلطان (مفكر حر)؟

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.