سياسة أميركا لمواجهة تنظيم القاعدة «2.0»

ديفيد إغناتيوس

تعمل إدارة أوباما مع حلفائها من أجل صياغة استراتيجية لمواجهة ما يمكن أن يطلق عليه «القاعدة 2.0»، وهو تهديد إرهابي ناشئ متحول يفتقر لمركز متماسك، لكنه يثير حالة من القلق المتنامي في مناطق تسودها اضطرابات وفوضى عارمة، ونظام الحكم فيها متعثر، مثل ليبيا واليمن وسوريا ومالي.

يشبه المسؤولون الأميركيون هذه المشكلة الجديدة بانتشار الخلايا السرطانية: تظهر نقاط تنظيم القاعدة في مناطق متفرقة، مدفوعة بالقضايا والمظالم المحلية. ولا تربط هذه الخلايا سوى علاقة آيديولوجية واهية بما هو متبق من القيادة المحورية في باكستان، لكنها صعبة المراس وخطيرة.

إن شن هجمات على هذه النقاط المحلية – مثلما يفعل الفرنسيون الآن في مالي – يمكن أن يمزق الخلايا الإرهابية الجديدة. غير أن الإرهابيين يشددون على أنه ستكون هناك تبعات. ربما تنتشر الخلايا الإرهابية في مناطق أخرى على نحو يجذب جهاديين جددا للدخول في القتال، وربما يهدد الأهداف الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة.

تعتبر استراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية الأساسية مماثلة لتلك التي تم تبنيها بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001: تسعى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى تدعيم الخدمات الأمنية للحلفاء الإقليميين، الأمر الذي يمكن أن يساعد في اختراق صفوف الإرهابيين وعرقلتهم بصور كان أشبه بالمستحيل أن تنهض بها الولايات المتحدة بمفردها. لكن نسخة «2.0» من تحالف مكافحة الإرهاب أكثر تعقيدا من الجهود الأولى التي بدأها مدير وكالة الاستخبارات المركزية في تلك الفترة، جورج تينيت، لعدة أسباب:

لم يعد بعض شركاء الاتصال الرئيسيين، مثل ليبيا ومصر واليمن، يلعب دورا مفيدا بسبب التغييرات التي أتى بها الربيع العربي.

لقد اكتسحت هذه الثورة الأنظمة الاستبدادية والأجهزة الاستخباراتية المعروفة باسم المخابرات، التي ساعدت في بقائها. ويعتبر هذا مكسبا بالنسبة للديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكنه عقبة في طريق جهود مكافحة الإرهاب.

كانت ليبيا تحت قيادة العقيد معمر القذافي نظاما ديكتاتوريا قمعيا. ولكن جهاز استخباراته منع إرهابيي تنظيم القاعدة من تنفيذ عمليات في ليبيا أو المرور بها. ترغب الحكومة الليبية الجديدة في أن تلعب دورا مفيدا، لكن في ظل الظروف المضطربة الحالية، خاصة في شرق ليبيا، تعجز عن تقديم دعم حقيقي خاص بمكافحة الإرهاب.

يحتفظ جهاز المخابرات العامة المصري ببعض مهاراته وقدراته التنافسية القديمة، لكن تحت حكم الرئيس محمد مرسي، يعتبر المصريون شريك مكافحة إرهاب أقل عدوانية. وهذا أمر مفهوم بالنظر إلى أن مرسي وحلفاءه من جماعة الإخوان المسلمين كانوا فيما مضى أهدافا لجهاز المخابرات. ولكن هذا يعني أن جهاز المخابرات المصرية، الذي يرأسه الآن اللواء محمد رأفت شحاتة، يرفض اتخاذ أي خطوة من دون غطاء سياسي من مرسي.

لقد خططت الولايات المتحدة لتوظيف استراتيجية التحالف الإقليمي في التعامل مع انتشار تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، مثلما يعرف الفرع الشمال أفريقي، داخل مالي. كانت الفكرة تتمثل في تشكيل أجهزة استخباراتية في مالي ودول الجوار: موريتانيا والنيجر ونيجيريا، ولكن هذه الاستراتيجية تعقدت بفعل التحرك السريع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي باتجاه الجنوب في مالي. حينما تحرك التنظيم باتجاه العاصمة باماكو، خشي الفرنسيون من احتمال أن تجد مأوى لشن هجوم على فرنسا.

ربما يثبت كون الوفد العسكري الفرنسي مكلفا. يرى مسؤولون أميركيون أن هذه الجهود سوف تتطلب فترة تتراوح ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام وسوف تتسبب في توجيه هجمات انتقامية في المنطقة، وأيضا بالطبع ضد فرنسا وحلفائها الغربيين. ربما تصبح مالي أيضا عنصر جذب للجهاديين، مثلما حدث في العراق وأفغانستان.

وربما يتمثل أخطر تهديد جديد لتنظيم القاعدة في جبهة النصرة في سوريا، ورغم أنها ظهرت كفرع لتنظيم القاعدة في العراق، فإنه ينظر إليها الآن من قبل المحللين الأميركيين بوصفها مستقلة، من حيث التمويل والعاملين، وقادرة بشكل متزايد على التفكير في شن هجمات على أهداف في أوروبا. إذا استمرت الحرب السورية في مسارها الحالي، يتوقع المحللون أن يشهد جزء من الدولة مشكلة مكافحة إرهاب جادة ومشكلة خطيرة جدا تتعلق بالأسلحة الكيماوية، غير أنه على نحو مثير للدهشة، ما زالت الولايات المتحدة تفتقر لرد فعل متسق.

ما زالت أهم عناصر تحالف مكافحة الإرهاب ممثلة في حلفاء أوروبيين يعتمد عليهم، مثل بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى شركاء عرب أكثر مثل السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر، يمكنهم أيضا أن يساعدوا الولايات المتحدة في دعم خدمات الأمن القومي بإمكانات حديثة وتدريب وقيادة.

وترغب إدارة أوباما في تجنب خطاب وتعقيدات شن «حرب عالمية ضد الإرهاب» في هذه الفترة. «يتمثل أسلوبنا في مكافحة الإرهاب في أن نحاول جاهدين تنفيذ المهام عبر شركائنا، وليس بالضرورة بأنفسنا»، هذا ما يقوله مسؤول إدارة رفيع المستوى.

ما دامت الخلايا السرطانية لتنظيم القاعدة لا تهدد الأراضي الأميركية، فإن المسؤولين الأميركيين يرغبون في تجنب استخدام غارات بطائرات من دون طيار (الدرون) أو هجمات أخرى. ولكن مع تأقلم الخلايا المحلية وانتشارها، من المؤكد أن «القاعدة 2.0» سوف تتنقل عبر مجرى الدم العالمي باتجاه أهداف في الولايات المتحدة.

* خدمة «واشنطن بوست»

About ديفيد إغناتيوس

كاتب اميركي الواشنطن بوست
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.