سوريا جرح نازف

                                               زهير دعيم

سوريا ، الشّام ، دمشق، حلب، درعا….كلّها تنزف دمًا والمًا ، تئنّ والكلّ يتفرّج ولا يُحرّك ساكنًا، وإن وُجِد من يحرّك فهو يذكي النّار ويضيف الحطب الى موقدة الشّرّ.
 والشعب المسكين بكلّ أطيافه وطوائفه ، يتلوّى، يعيش الألم والخوف والذعر واليتم والدّمار والجوع والشتات وانعدام الأمن والأمان ..يصرخ وما من مستجيب  .
    أين دُعاة الحريّة الأصائل ؟
أين اولئك الذين يتشدّقون بمحبة الانسان والذود عنه في كل مناسبة …ألا يروْن ؟ ألا يسمعون؟ الى متى سنبقى نرى الأشلاء ونسكت؟ الى متى سنرى رجسة الخراب ونصمت؟ الى متى سنبقى نبيع للناس الشهادة والاستشهاد  الكاذب وننخرس ؟
 فالإله الممسك بالكون إله حياة هو لا اله موت وفناء.
 شبعنا من الكلمات الجوفاء : هذا شهيد وذاك من الطَّرّف الثاني شهيد..لقد اضحت هذه الكلمات مطّاطة ، مُلاكة ، مقيتة ، تحمل في طيّاتها الموت الزؤام…وأنا لا أقدّس الا الحياة ..نعم لا اقدّس الا الحياة ، فهي في نظري المتواضع تستحق ان نحبّها ونذوب بها عشقًا.
    وصل السّيل الزُّبى !!
 طفح الكيل كما قال اجدادنا!
 لقد حان الوقت ان نتوقف، ان ننسى الماضي القريب وننظر الى العلاء ، الى الأمام ، الى كوّة النُّور في آخِر النفَق ، فبمثل هذه النظرة المُلوّنة نحقن الدماء ونختصر الألم ونختزل المعاناة.
 لست مع احد…ولكنني ايضا لست مع الفوضى والدمار والفناء باسم الحرّية الكاذبة ..فقد رأيناها في مصر الكنانة، تعود بها  القهقرى ورأيناها في ليبيا تمزّق جسد البلاد الى اجزاء واشلاء .
أنا مع هدأة البال ومع الأمان والطمأنينة ومحبة الانسان..والاهمّ انا مع المصالحة فالواجب يُحتّم علينا  ان نتصالح مع الله ومع انفسنا ومع غيرنا .فبدون المصالحة وبدون تنقية النفوس من الضغائن والشوائب ، وبدون طاولة مستديرة نجلس اليها وحولها نتداول في مصالحنا وهمومنا ومشاكلنا وامورنا لن نصل الى حلّ ولن ترسو سفينة الوطن – كل وطن – في ميناء المحبة والازدهار.
  انّ سوريا اليوم كما قصة “ابريق الزيت” التي تحكيها جدتي ، مسلسل عنف ودم لن ينتهي  الا ان فكّر السوريون وحدهم ..اقول السوريون بعيدا عن الروس والامريكان وشيوخ البترول..فهم وحدهم بمقدورهم ان يُضمدوا الجرح النازف.
 الغريب والمضحك ان الكلّ يقول أنا…الحقّ معي ..معنا وبنا الخلاص ..
 فمن نُصدّق ومن نُكذّب والشرّ في كلّ الظروف يرفع رأسه
 كان ايوب البّارّ يقول :” لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا.” وأنا اقول مع ايوب أليس هناك من طَرَفٍ عقلاني في هذا البلد النازف ليقول بالفم الملآن وبالغضب المُقدّس : كفى…تعالوا نجلس الى طاولة المحادثات ، تعالوا نُداوي الامور بمرهم المحبّة واكسير التسامح والتنازل …تعالوا نتصالح لنعيد لياسمين الشّام عطره ولزنابق حلب شذاها ولشباب وصبايا سوريا الأحلام والآمال والرّجاء!
 أتراها صرخة في واد؟!…انا اعلم ذلك واعلم ايضًا انها ستصل الى آذان السماء فهناك إله لا يقدّس الا الحياة.
 الطمع..الجشع ..التصلُّب في الرأي ..التحدّي الأجوف ..الأنا ..كلمات كرهتها نفسي.
  حماك الله يا شام ..وحمى كل انسان فيك ، فأنتم اخوة لنا في الانسانية.

About زهير دعيم

زهير دعيم زهير عزيز دعيم كاتب وشاعر ، ولد في عبلّين في 1954|224. انهى دراسته الثانويّة في المدرسة البلديّة "أ" في حيفا. يحمل اللقب الاول في التربية واللاهوت ، وحاصل على شهادة الماجستير الفخرية في الأدب العربي من الجامعة التطبيقيّة في ميونيخ الالمانيّة. عمل في سلك التدريس لأكثر من ثلاثة عقود ونصف . حاز على الجائزة الاولى للمسرحيات من المجلس الشعبيّ للآداب والفنون عن مسرحيته " الحطّاب الباسل " سنة 1987 . نشر وينشر القصص والمقالات الاجتماعية والرّوحيّة وقصص الأطفال في الكثير من الصحف المحليّة والعالمية والمواقع الالكترونية.عمل محرّرًا في الكثير من الصحف المحلّية.فازت معظم قصصه للاطفال بالمراكز الاولى في مسيرة الكتاب. صدر له : 1. نغم المحبّة – مجموعة خواطر وقصص – 1978 حيفا 2. كأس وقنديل – مجموعة قصصيّة –1989 حيفا 3. الجسر – مجموعة قصصيّة حيفا 1990 4. هدير الشلال الآتي – شعر 1992 5. الوجه الآخَر للقمر مجموعة قصصيّة 1994 6. موكب الزمن - شعر 2001 7. الحبّ أقوى – قصّة للأطفال 2002 ( مُترجمة للانجليزيّة ) 8. الحطاب الباسل- 2002 9. أمل على الطّريق -شعر الناصرة 2002 10. كيف نجا صوصو – قصة للأطفال (مُترجمة للانجليزيّة ) 11. العطاء أغبط من الأخذ –قصة للأطفال 2005 12. عيد الأمّ –للأطفال 2005 13. الخيار الأفضل – للشبيبة -2006 14. الظلم لن يدوم – للشبيبة 2006 15. الجار ولو جار – للأطفال 16. بابا نويل ومحمود الصّغير – للأطفال 2008 17. الرّاعي الصّالح –للأطفال 2008 18. يوم جديد – للأطفال 2008 19. الفستان الليلكيّ – للأطفال 2009 20. غفران وعاصي – للاطفال 2009 21. غندورة الطيّبة – للأطفال 2010
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.