سوريا اليوم تحتاج إلى قيامة جديدة

احتفل العالم المسيحي يوم الأحد الماضي بعيد الفصح الذي يطلقون عليه عيد القيامة، وأنا شخصيا أفضل هذا الاسم رغم أنني لا أعرف الكثير عن معناه…. أفضله لأنني اؤمن، وبغض النظر عن الخلفية الدينية أو اللا دينية لأي شخص، اؤمن بأن كلا منا يحتاج بين الحين والآخر إلى يوم قيامة… فالحياة تشدنا لتحشرنا أحيانا داخل قبورنا ونحن أحياء، نحس عندها بحاجتنا إلى طاقة ما تشدنا خارج تلك القبور، كي نبدأ الحياة من جديد…..
تحضرني الآن قصة قرأتها عن الرئيس الأمريكي السابق ابراهام لينكون.. تقول القصة، أنه في عهد رئاسته وأثناء الحرب الأهلية في أمريكا حكمت المحكمة العسكرية على جندي أمريكي بالاعدام شنقا، لأنه فرّ من الحرب… قابلت والدة الجندي ابراهام لينكون وتوسلت اليه أن يعفو عن ابنها، وتحت الحاحها أصدر حكما بالعفو عنه، لكنه قال للأم: (ليتني أستطيع أن أشنق ابنك ولا أموته كي أعلمه الدرس…) انتبهوا إلى العبارة “أشنقه ولا أموته”!! بمعنى أنك تشنقه حتى تكاد روحه أن تخرج من جسده فتفك الحبل الملتف حول رقبته… ألا ترون معي بأن الحياة تشنقنا دائما وتفك الحبل قبل أن تخرج أرواحنا من أجسادنا كي تعلمنا درسا؟ لذلك قلت أن كل واحد منا يحتاج بين الحين والآخر إلى يوم قيامة كي ينجو من حبل المشنقة
بينما الحياة تعلمه الدرس…
….
قد تكون مريضا
قد تكون في ضائفة مالية
قد تكون في علاقة سيئة
قد تكون مستفقدا لحبيب فارقك..
قد تكون عاطلا عن العمل
قد تكون منهارا نفسيا أو منهكا جسديا في كل هذه الحالات تشعر وكأن الحياة تشنقك إلى حد يكاد أن يفقدك آخر أنفاسك… لكن ولسبب ما قد تجهله تظل متمسكا بهذا النفس! عند هذا الحد أنت تحتاج إلى قيامة وتحتاج إلى طاقة أكبر منك كي تفك حبل المشنقة الملتف حول رقبتك، وتشدك خارج وضع يكاد يكون بمستوى قبرك…
….


مهما بدا محيطك مستنزفا من تلك الطاقة، ثق أنك لست بعيدا عن مأخذها، كل ماعليك أن تولف الـ
“ Antenna”
الخاص بك كي يتناغم مع ذبذبات هذا المأخذ، ولو فعلت سترتبط بذلك المنبع الطاقوي، وستصبح امتدادا له… عندها وعندها فقط تصبح الوفرة في كل شيء جميل بالنسبة لك طريق حياة!
…..
لا يحدث هذا التوليف، ومن ثم هذا التناغم، مالم تكون روحانيا بالمطلق….. ولكي تكون روحانيا بالمطلق يجب أن تكون دوما في حالة حب، بل يجب أن تصبح أنت الحب! نعم حالة حب…..بل حالة تتجسد فيها فتصبح الحب نفسه، حالة تتجرد عندها من مخالبك ومن أنيابك ومن كل أسلحتك لأنك لا تحتاج إلى أي منها…
“الأنا” وحدها تحتاج إلى سلاح وإلى أحقاد لكي تحمي نفسها، وعندما تفعل ذلك تتضحم على حساب الروح… لاحقا تعيش حالة من الشح الروحاني، يتبعه شح على كل صعيد.
….
أية قوة تصادمية تشعر بها في حياتك هي ثمرة حتمية لكره يجتاحك… وأي سلام داخلي هو ثمرة لحب يسربلك…
…..
لقد ابتلينا بثقافة صحراوية جبلت انسانها بالكره، ومع الزمن صار بياض عينه يكره سوادها، فتصحر كل شيء وأصبح القحط طريقة حياة!
….
الوفرة في الخير قانون كوني، والقحط حالة مرضية سببها انسلاخ صاحبها عن كونه. لكي تملك مدخلا إلى الوفرة يجب أن تحرر روحك من أضغانها وتسمو بها بعيدا عن عداواتها، كي تسترد كونيتها!

سوريا اليوم تحتاج إلى قيامة جديدة… تحتاج إلى قوة كونية أكبر منها كي تفك الحبل عن رقبتها، وترفعها من مستوى هذا الخراب إلى حيث يجب أن تكون… لكنها لن تملك سبيلا إلى تلك القوة مالم تتبنى ثقافة جديدة تعيد خلق الإنسان من جديد..
ثقافة تسلك المحبة طريقا، بدلا من قطع الرقاب…
….
لقد شنقتنا هذه الحرب المجنونة إلى حد نكاد عنده نواجه الفناء، ألم يحن الوقت لنتعلم الدرس؟؟ لنتعلم بأن الحقد يدمر والحب يبني، وبأن الله محبة… ولم يكن منذ أزليته وفي كل أبديته منتقما ولا كارها، ناهيك على أن يكون خير الماكرين….
…..
وكل عيد قيامة وأنتم قيام…..

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.