سبائك زوجة السيد النائب

محمد الرديني

لا احد يعرف لماذا حمل احد الصحفيين لقب “الشمام” رغم انه مصاب بالزكام معظم ايام السنة.
هذا الصحفي ،ويدعى عبود الكاظمي، يتولى منذ سنوات تغطية اخبار البرطمان العراقي ولكنه جلب لنفسه الكراهية من معظم البرطمانيون والبرطمانيات لأنه لايحضر المؤتمرات الصحفية ولاينشر تصريحات “الشباب” خصوصا عن الخلافات بين الكتل السياسية وبينها وبين الحزب الكوردستاني وبينهم جميعا وبين احزاب الفضيلة والعراقية والوطن واحرار العراق والسلفية العلمانية.
هذا الصحفي، ايها السادة، يشم الاخبار الخاصة على طريقة مجلات الشبكة والراصد وغيرها ولهذا فقد اعتبرته الوكالة الاخبارية التي يعمل بها من افضل الصحفيين في كادرها المتقدم.
في احدى المرات وفي حالة من التجلي كشف سر حمله للقب”الشمام” حين أكد على انه امضى دورة تدريبية مع الكلاب البوليسية تعلّم فيها كيف يستعمل انفه في شم الاخبار غير المرئية وخصوصا اخبار الشخصيات الكبيرة ذات الطبيعة الخاصة.. ونادرا ما يرونه زملائه يغادر مبنى البرلمان ولكنه اختفى امس الاول عن مقهى البرطمان التي توزع الشاي والقهوة والمشروبات الباردة مجانا.
وحين ظهر صباح هذا اليوم التف حوله الزملاء ليسألوه عن سر غيبته ولكنه كعادته ظل معتكفا بالصمت وهو يحرك “الآي باد” باصابعه النحيلة، وحين اصر زملائه على معرفة الامر قال لهم:
لاضير من بوح بعض الاسرار التي ستنشر هذا اليوم قبل ان تصلوا الى جرايدكم.. تعرفون النائب صاحب السكوسة الذي يضع خمسة اقلام حبر فاخرة في جيب قميصه الامامي.. هذا الرجل وجدته صدفة في شارع المتنبي وهو يلبس طاقية ويضع نظارات شمسية سميكة ويتعكز على عصا كتلك التي يستعملها كبار السن.. ارتبت بالامر وحسبت اول الامر انه يراقب زبائن هذا السوق او انه يشك باحد باعة الكتب لأنه يبيع باسعار مزاجية او انه استورد كتبا غير اخلاقية بدون ترخيص ولكن الامر لم يكن كذلك حين وجدته يدقق في الكتب المطروحة على الرصيف وكأنه يبحث عن كتاب ما.. وفجأة التقط كتابا من رصيف احد الباعة ووضعه تحت ابطه بعد ان دفع ثمنه وظل دقائق وهو يتلفت يمينا وشمالا قبل ان يسرع الخطى هاربا من المكان.
انتم تعرفون ان هذا السيد النائب صاحب السكسوكة لايحب القراءة بل ولا يطيق ان يرى احدا يحمل كتابا بين يديه ولهذا فقد استعملت حاسة”الشم” لأعرف التفاصيل وكانت مثيرة جدا.
انتظر “الشمام” قليلا ليرى وقع كلامه على وجوه القوم التي باتت جامدة تنتظر منه ان يكمل، فاكمل:
علمت انه اشترى كتابا اسمه “الخيميائي او الكيميائي” وهو رواية لكاتب اسمه باولو من امريكا اللاتينية.. هذه الرواية تتحدث عن راعي غنم يلتقي باحد الكيمائيين الذي يعرف عنه انه يستطيع ان يحول المعادن الرخيصة الى ذهب.
صمت “الشمام” قليلا قبل ان يكمل:
وعرفت بعد ذلك ايها الزملاء الكرام ان صاحبنا اشترى هذا الكتاب بناءا على تعليمات السيدة الاولى ،اقصد زوجته، التي ظلت “تزن” براسه من اجل ان يشتري لها سبائك ذهب من عيارات مختلفة، وحين ارسل في طلب احد الصاغة لترى زوجته البضاعة اياها سمعها تصيح غاضبة: لا عيني لا سبائك السوك عادية وهي موجودة عند جارتي ام كاظم وجارتي اللخ ام محمد وبنت عمي سعدية.. انا لازم اختلف عنهم ، اريد سبائك خاصة ماموجودة لا بالعراق ولا باي مكان بحيث من يشوفوها عندي يرمون حسرات وتأوهات كل يوم ويتمنون لو ان ازواجهم اعضاء برطمان.
وحين استشار ابو سكسوكة احد اقاربه وهو مدرس كيمياء للمرحلة الابتدائية اشار عليه بشراء هذا الكتاب لحل الغاز تحويل المعادن الى ذهب وكيفية تحويرها الى سبائك.
وابدى هذا المدرس استعداده للتعاون معه بعد ان يتم تجهيز المختبر بالمستلزمات الضرورية والتي كما قيل بلغت تكلفتها حتى كتابة هذه السطور اكثر من 2 مليون دولار هي مجموع بعض رواتب رجال الحماية الخاصين به.
سكت “الشمام” عن الكلام ومازال زملاءه ينتظرون منه اكمال الفراغات ولكنه لم يزد الا بالقول:ساوافيكم بآخر الاخبار بعد ان ينجز ابو سكسوكة مختبر سبائك الذهب.
فاصل طائي: عجيب امر هذه الحكومة التي تبرعت امس ب 15 مليون دولار الى السودان واليمن.
وقال علي الدباغ الناطق الرسمي للحكومة في بيان صحفي أن” مجلس الوزراء وافق في جلسته السابعة والاربعين التي عقدها اليوم على تقديم دعم مالي مقداره {10} ملايين دولار الى جمهورية السودان مباشرة لتخفيف الأعباء عن المتضررين في دارفور ويتم تخصيصها من مشروع قانون الموازنة العامة الإتحادية لعام 2013 و5 ملايين لليمن الشقيق لمساعدته في نهضته “.
حسبوها انتم، كم مدرسة تبنى ، كم مواطن يحصل على دعم لبطاقته التموينية، كم بيت يمنح لعوائل شهداء التفخيخ والاغتيال بكاتم الصوت؟.
بشرفكم دار فور احسن لو عفيفة اسكندر اللي بقت في ثلاجة التشريح يومين لأن لايوجد من يتكفل بمصاريف الدفن.

تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.