سأخون وطني 8

محمد الماغوط 

الجاحظ

العربي الأول: صباح الخير.
 العربي الثاني: صباح لبنان، والضفة الغربية، وجنوب لبنان، وروافد نهر الأردن، وحريق المسجد الأقصى، وضرب المفاعل النووي العراقي، واتفاقية سيناء، وكامب ديفيد، وعقد الاذعان، ومؤتمرات القمة، وخلافات المقاومة، وحرب الخليج، ومجازر صبرا وشاتيلا، ومجازر طرابلس، وقوانين الطواريء والأحكام العرفية، يا قليل الذوق والتهذيب.
 الأول: ماذا فعلت حتى تثور كل هذه الثورة وترفع عليّ حذائك؟
 الثاني: عربي ويقال له صباح الخير!
 الأول: ماذا يقال له إذن؟
 الثاني: يقال له: صباح الجلطة، صباح الديسك، صباح الشلل النصفي …
 الأول: آسف.
 الثاني: قلها مرة ثانية وسأشكوك إلى الشرطة، إلى محكمة القيم.
 الأول: لم أكن أقصد استفزازك أبداً.
 الثاني: ثم ما هذه الخدوش التي في وجهك؟
 الأول: مناقشة عائلية بسيطة، وأنت، ما هذه الهضبة التي في رأسك؟
 الثاني: ضربتني زوجتي بالطنجرة.
 الأول: طنجرة عادية؟
 الثاني: ألومنيوم
 الأول: لا. نحن أرقى منكم. أنا ضربتني زوجتي بطنجرة بخار.
 الثاني: ولذلك قد يصفر رأسك في أية لحظة عندما تنضج آلامك.
 الأول: هل هذه نكتة؟
 الثاني: نعم.
 الأول: عجيب.
 الثاني: ولكنها نكتة ملتزمة، لا يضحك لها المواطن فوراً كالنكتة البرجوازية العفنة. ولكن في ما بعد، بعد شهر أو شهرين، لأن القيمة الجدلية للنكتة …
 الأول: وهل عندكم الكثير من هذه النكات الملتزمة.
 الثاني: مجموعة لا بأس بها. وبمجرد أن تقرها اللجنة المركزية، والمكتب السياسي واللجان الشعبية في الأقاليم، ويجربها المسؤولون شخصياً في بيوتهم، سوف تطرح على الجماهير في أحد أعيادها القومية.
 الأول: كان الله في عون هذه الجماهير.
 الثاني: تحيا الجماهير.
 الأول: تحيا.
 الثاني: يعيش الشعب العربي يا…
 الأول: يعيش. يعيش. يعيش.
 الثاني: تسقط الأحلاف الاستعمارية تا…
 الأول: أرجوك دعنا من هذا الحديث، فربما سمعتنا المخابرات.
 الثاني: اطمئن. أنا نفسي من المخابرات. كيف أبدو؟
 الأول: سبحان الخالق. ولكن في هذه الساعة المتأخرة من الليل، والشوارع مقفرة، والناس كلهم نيام، من تراقب؟ بزوغ الشمس من الناحية الأمنية!
 الثاني: بزوغ أي شيء. وإذا لم أجد ما أراقبه، أراقب نفسي.
 الأول: هذه حال لم أسمع بها من قبل.
 الثاني: بل هناك حالات كثيرة متشابهة. أنا مثلاً أعرف صحفياً إذا لم يجد جهة يقبض منها يقبض من نفسه.
 ومطربة تغني أمام المرآة لنفسها وتصرخ بحماس: ما صار. ما صار. وبرلمانياً سابقاً يخرج من دورة المياه ويقول: انتهت الجلسة.
 الأول: يبدو لي أن أعصابك في غاية الأرهاق.
 الثاني: ثلاث ليال لم أعرف طعم النوم.
 الأول: من تراقب.
 الثاني: لا أعرف.
 الأول: لم لم تذهب اذن إلى بيتك وتنام مع زوجتك وأطفالك؟
 الثاني: لا أستطيع لأنني أنا أيضاً مراقب.
 الأول: يا له من عالم عجيب.
 الثاني: نعم يا صديقي، فعندنا لا بد من مخابرات تراقب المخابرات.
 ومن طالب لمراقبة الطلاب.
 ومن كاتب لمراقبة الكتاب.
 ومن سائق لمراقبة الركاب.
 ومن سكير لمراقبة السكارى.
 ومن قاض لمراقبة القضاة.
 ومن محام لمراقبة المحامين.
 ومن مهندس لمراقبة المهندسين.
 ومن حرفي لمراقبة الحرفيين.
 ومن فنان لمراقبة الفنانين.
 ومن صحفي لمراقبة الصحفيين.
 ومن رياضي لمراقبة الرياضيين.
 ومن مسافر لمراقبة المسافرين.
 ومن سجين لمراقبة المساجين.
 ومن يميني لمراقبة اليمينيين.
 ومن يساري لمراقبة اليساريين.
 ومن ناصري لمراقبة الناصريين.
 ومن وحدوي لمراقبة الوحدويين.
 ومن وافد لمراقبة الوافدين.
 ومن فدائي لمراقبة الفدائيين.
 ومن متفائل لمراقبة المتفائلين.
 ومن يائس لمراقبة اليائسين.
 ومن بائس لمراقبة البائسين.
 ومن متحضر لمراقبة المتحضرين.
 بمعنى أن السلطة تراقب الشعب، والشعب يراقب السلطة.
 الأول: واسرائيل تراقب الجميع

‎محمد الماغوط (مفكر حر )؟‎

About محمد الماغوط

محمد أحمد عيسى الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) شاعر وأديب سوري، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.