دور خديجة في صناعة النبوة

ما نقوله هنا ليس من وحي افكارنا او كلاما نخترعه من عقولنا لنتشفى بالاخرين . انما هو كلام قرأنا واقتبسناه من كتب التراث الاسلامي وسيرة النبوة وتاريخ الاسلام التي كتبها الثقاة والمفسرون و المؤرخون لسيرة نبي الاسلام. وكل مسلم ومثقف يعرفها ودرسها في المدارس وسمعها من الشيوخ . ولكن عند الحوار معه ينكرها و يحرفها بما يلائم افكاره وتمجيده لنبيه حسب البرمجة التي اجريت على دماغه ، وعدم تقبله ما يخالف ما اعتقد أنه هو الصحيح.
لو عدنا لكتب السيرة لأبن اسحاق و أبن هشام وغيره لوجدنا ان لخديجة بنت خويلد النصرانية الدين والتاجرة المحنكة والغنية مالا وجاها، والتي تنتسب لصلة قربى مع قس مكة اليهودي المتنصر ورقة بن نوفل دورٌ كبيرٌ في صناعة النبوة و تصنيع محمد نبيا لامة عرب مكة والمدينة وقبائل جزيرة العرب.
لعبت خديجة بالتعاون مع ابن عمها ورقة بن نوفل وندماءه الاحناف عبيد الله بن جحش و زيد بن نفيل وعثمان بن الحويرث دورا كبيرا ومهما في تصنيع محمد نبيا وتعليمه الاديان واخبارها ، وايهامه انه نبي مرسل من الله لقومه ، حتى صدق اللعبة و انسجم معها واستمر يلعب فيها . فقد تم تدريبه ايضا من قبل القس النصراني بحيرا الراهب و عداس و عدد من رهبان و احبار اليهود وتعلم ما جاء ذكره بالتوراة والتلمود اليهودي والانجيل والمزامير وحكوا له قصص الانبياء الواردة بالعهد القديم ، وعلموه كيف يأتي بآيات يستوحيها من الضروف التي يمر بها ليقنع الناس انها وحي من السماء لحل المشاكل الاجتماعية و تحليل وتشريع ما يناسب عامة الناس و تحريم ما حرمه كتاب التوراة مثل أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الجمع بزواج بين الاختين . كان الشاب محمد ذكيا نبيها سريع التعلم و قوي الذاكرة يحفظ كل ما يقال له ، وكان له القابلية اللغوية لأنشاء نصوص بلغة قريش يخلط فيها كلامه ما بين النثر والشعر و يطغي عليه اسلوب سجع الكهان .
كان ورقة هو الوحي الذي يوحي لمحمد بما يحتاجه من ايات بينات . لكن تلك النبوة المزيفة كانت عاجزة عن الاتيان بالمعجزات كما فعل الانبياء السابقون لأقناع الناس انهم مرسلون من قبل الله ومؤيدون بالمعجزات الخارقة . وهذا الفشل في اتيان المعجزات دفع اهله وعشيرته الى انكار نبوته وادعاءه بدين جديد ورفض تصديقه ، وفضلوا البقاء على وثنيتهم ودين ابائهم واجدادهم . وقد وصفوا محمدا انه شاعر ومجنون ويأتي لهم بحكايات من اساطير الأولين .
كما كشف اليهود والنصارى زيف ادعاءه وانه لم يأت بجديد غير معروف لأهل الكتاب في الدين ، وعجزعن الاجابة على اسئلة احبار اليهود والنصارى اصحاب الكتاب السماوي عن استفساراتهم الدينية .


وكان القس النصراني ورقة و جماعته من جماعة الهراطقة الابيونيين الذين تنكروا لألوهية السيد المسيح ، وبنوته لله ، وانكروا صلبه وقيامته ، وهذا كان ايمان تلك الطائفة النصرانية التي سكنت في مكة وما يجاورها ما عدى نصارى نجران .
اما حكاية خديجة بنت خويلد فأنها تبدا مبكرا مع محمد عندما كلفتّه خديجة ان يرافق قوافلها التجارية الى الشام والعودة بها ، ويهتم بأمور البيع والشراء لتجارتها وبضاعتها لصالحها مقابل اجر ، بدلا من رعاية الأبل والاغنام في الصحراء ، حيث كان يتيما فقيرا عائلا يرعاه عمه ابو طالب .
وبعد ان اثبت محمد جدارة ونشاطا وامانة في عمله ، اعجبت به خديجة و طلبت منه الزواج وقد كانت ارملة بلا زوج يهتم بها وكان محمد في عنفوان شبابه وقوته .
وجدت خديجة بالشاب اليافع محمد وكان يدعى قثم ، الامل بمستقبل واعد ، يمكن بعد تصنيعه و تلميعه ان يكون قائدا لأمة العرب في الجزيرة ، و يرفع من شأنهم وسط القبائل وينهي عبادتهم للاوثان و ان يعرفوا الله الذي تعبده خديجة واهلها النصارى ، و يكتب لهم كتابا لهدايتهم شبيها بالتوراة والانجيل .
اهتم ورقة بن نوفل ابن عم خديجة او يقال عمّها ، بتعليم وتدريب محمد وتوسط لخديجة في خطبتها له ليكون ضمن العائلة الواحدة لتسهيل مهمة التصنيع، واقام هو بنفسه بطقوس الزواج على الطريقة النصرانية الكتابية ، فعقد الزواج بينهما بشروط نصرانية وهي عدم تعدد الزوجات وعدم الطلاق والوفاء كل من الطرفين للاخر لا يفرقهما الا الموت . وكان ابو خديجة رافضا محمد قائلا هل ازوج ابنتي ليتيم ابي طالب ؟ الا ان خديجة اسكرته في ليلة العرس بالخمر حتى فقد وعيه ووافق على زواج ابنته دون ان يعي ما كان يقول وما يحدث، ونام حتى الصباح ما يدري ما يدور حوله.
كان المعلم والموجه ورقة بن نوفل بتوصية من خديجة ان يواصل محمد التعليم والتدريب والصقل حتى ينضج وتتم صناعته نبيا ويكون له كتابا، واشباع عقله وفكره بتلك النبوة المخطط لها نصرانيا. كان محمد (قثم) يذهب الى غار حراء ليتفكر بما يقال له عن الله و ملائكته وانباءه ورسله ويعيش في حالة من العزلة والخلوة الروحية في ذلك الغار الموحش في ظلام الليل وحر النهار يسترجع ما حفظه من معلمه ورقة من دروس في الدين والعبادة ، وخديجة تنقل له الزاد والماء وما يحتاجه في خلوته في كهف الجبل البعيد.
حفظ التلميذ الدروس جيدا و اخذ يسترجعها وحيدا في خلوته ويتخيل اوهاما و صورا واشباحا ترتسم له في ظلام الغار الموحش ، حتى تخيل يوما ان شبحا ظهر له فجاءة في ظلام الليل و يخنقه و يسمع صوتا يرن في اذنيه يقول له اقرا دون ان يعرف من يكون هذا الشبح . فارتعب الرجل و خاف وارتجف وقال لست بقارئ .
كان قثم في شدة خوفه وارتعابه يسقط على الارض مغشيا عليه يرتجف متشنجا او يسقط بسبب نوبات الصرع التي كانت تنتابه بين فترة واخرى حيث يسيل لعابه من فمه ويزبد وتتشنج عضلاته ويفقد الوعي ، يسمع اصواتا غريبة مثل دوي النحل و غطيط البكر (البعير) و صلصلة جرس ، وبعد ان يفيق من نوبة الصرع يتخيل انه سمع كلاما معينا كان يقال له وهو مغشيا عليه ، وهذه ظاهرة معروفة طبيا باسم صرع الفص الصدغي .
كان يدخل محمد داخل الغار الجبلي في حالات من الاندماج الروحي والتأمل العميق فتأخذه خيالاته بعيدا الى عالم الاوهام والتخيلات كما يدخل الدروايش بعد سماعهم دقات الدفوف والطبول والرقص الايقاعي المنتظم الى حالة من الاندماج الروحي يفقدون فيه الاحساس بما حولهم ويدورون في حلقة من الاوهام التي تفقد الجسد الحس والالم ، فيفقدون الوعي و يصابون بالتشنج العضلي والتخيلات الغريبة . وهذا ما كان يحدث لمحمد في غار حراء عندما تخيل ان مخلوقا غريبا يغطّه ويخنقه حتى يصل الى حالة من الاعياء والجهد ثم يتركه ، ويسمع صوتا يقول له اقرا ، ولا يدري ماذا يقرأ ولم ير شيئا يقراءه .
خرج محمد من غار حراء متعثرا بصخور جبل احد ، خائفا مرعوبا بعد ان شعر بالفزع الرهيب . فنزل سفح الجبل مسرعا لبيت خديجة يصيح بخوف مرتجفا : “زملوني زملوني “. فعلمت زوجته ان محمد قد رأى شيئا ارعبه ، وكان يقول لها في هلوسة الخائف : ” خشيت على نفسي من الجن ” .
فتهدأ الزوجة الوفية من روعه وتطمأنه وتقول له : ” هل اوجه لك من يرقيك ؟”
هذا ما ذكره ابن كثير في كتابه البداية والنهاية .
كان يؤمن محمد بوجود الجن والشياطين وربما انها قد تتلبسه وتؤذيه ، وهي من تسبب له نوبات الصرع حيث كان في تلك النوبات يحمرّ وجهه ويتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد . وكانت خديجة تزيل الرعب منه وتقول لا تخف يا ابن العم فان من يظهر لك ملاك وليس بشيطان . ولا ندري كيف ان المراءة الناقصة عقل ودين تشخّص الشبح انه ملاك دون ان تراه ، ولا يستطيع النبي ان يعرف من هو المخلوق الذي يراه ويكلمه ويخنقه ، اهو ملاك مبعوث اليه من الله ام شيطان من جهنم يريد به السوء .
وبعد ان حكى لزوجته ما حدث له في الغار وما سمعه من صوت و كلام ، ﻗﺎﻟﺕ ﻟﻪ وكأنها تدرك كل ما جرى له وتعلم بمجريات ﺍﻷﺤﺩﺍﺙ: ﻜـﻼ . ﺃﺒﺸـﺭ . ﻓﻭﺍﷲ، ﻻ ﻴﺨﺯﻴﻙ ﺍﷲ ﺃﺒﺩﹰﺍ . ﺇنك ﻟﺘﺼل ﺍﻟﺭﺤﻡ، ﻭﹸﺘﺼﺩﻕ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ، ﻭﺘﺤﻤل ﺍﻟﻜلّ ﻟﻐﻴﺭﻙ، ﻭﹸﺘﻜﺴـﺏ ﺍﻟﻤﻌﺩﻭﻡ، ﻭﺘﻘﺭﻱ ﺍﻟﻀﻴﻑ، ﻭﺘﻌﻴﻥ ﻋﻠﻰ ﻨﻭﺍﺌﺏ ﺍﻟﺤﻕﹼ. ﻭﺃﺭﺍﺩﺕ ﺨﺩﻴﺠﺔ ﺃﻥ ﺘﺘﺜﺒت صدق قولها . ﻓﺎﻨﻁﻠﻘﺕ ﺒﻪ ﻜﺎﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﺒﻥ ﻋﻤﻬﺎ ﻭﺭﻗﺔ معلمه وابوه الروحي لتشرح له ما حدث وان الزرع الذي زرعه ورقة بن نوفل قد حان اوان حصاده الان . وقالت ﻟﻪ : « ﺃﻱ ﻋﻡ ﺍﺴﻤﻊ ﻤﻥ ﺍﺒﻥ ﺃﺨﻴﻙ» :
فحكى له الحكاية كلها وهو مرتعب ، فهدّا ورقة من روعه وقال له مبشرا : ” هذا الناموس الذي انزل على موسى ، ياليتني فيها جذعا وأكون في زمن الدعوة” .
واضاف : ﺃﺒﺸﺭ ثم ابشر ، فأني اشهد ان الذي بشرّك بك هو ابن مريم ، فانك على مثل ناموس موسى ، وانك نبي مرسل وانك ستؤمر بالجهاد بعد يومك ، ولأن ادركني ذلك لأجاهدن معك .”
والتفت ورقة الى خديجة قائلا : ” لم يأت رجلٌ بما جئت، الا عودي ” .
لقد نجح مخطط خديجة بالطلب من ورقة ان يكون المعلم والملهم والمرشد لمحمد ليكون نبي هذه الامة ويكون له كتاب هداية بالايمان بالله اسوة باليهود والنصارى . ونصب ورقة و خديجة محمدا نبيا مرسلا من اله لقومه، وكان في ايات مكة الاولى يدعى مبشرا ونذيرا وليس نبيا .
وكانت خديجة تقول له مشجعة له : ” اني ارجوا ان تكون نبي هذه الأمة “
خديجة ترجو ان يكون زوجها نبيا !!! انها استكمال لعملية غسيل الدماغ النبوية .
وصبر محمد بعد اكتمال تعليمه ، حتى بدا في نشر دعوته بين اهله واقرباءه ، مقرءا لهم ما تعلمه من آيات استلمها من معلمه و ملهمه ورقة بن نوفل ، فوجد نفورا وجحودا منهم .
كان ورقة بن نوفل و بحيرا الراهب هما الوحي الذي يوحي لمحمد ما يقوله لقومه ، ولم يكن باستطاعته ان يجيب على اسئلة اليهود والنصارى وتسائلاتهم ، ويطلب مهلة ، فيذهب الى معلمه ليسترشد منه الاجابة ، كما في سؤاله عن ماهية الروح .
وبعد ان مات ورقة ، فتر الوحي الملهم له و اختفى جبريل الذي كان يوحي له بالايات البينات من الانجيل المكي الذي اسماه القرآن . وحزن حزنا شديدا بعد انقطاع الوحي عنه ، وكانت تعتريه نوبات حزن عميق لتوقف السند والدعم الروحي لدعوته ، فحاول يائسا الانتحار عدة مرات بالقاء نفسه من شواهق الجبال .
ولكن خديجة كانت السند القوي له والتي تشجعه ان يعتمد على نفسه وما تعلمه من معلمه الروحي ، فاستمر بمسيرته لاحقا يؤلف الايات حسب الاحداث والمستجدات بفضل ودعم واسناد خديجة الزوجة الوفية له واستخدام قابليته اللغوية في تكوين النثر السجعي لتأليف الايات باسم الله .
وبعد وفاة خديجة كان محمد يذكرها بكل خير وفاء لما قامت به له من اعداد و تصنيع وصقل لموهبته واعداده نبيا لأمته .

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

One Response to دور خديجة في صناعة النبوة

  1. قثم عم قثيم says:

    ما قلته هو الحقيقه الواضحه لكل من يفكر او يحلل او يناقش البديهيات.ان قوه وجبروت محمد هو في الجهل اولا وفي اغلاق الحواس والعقل بسبب التهديدات (الالهيه) وفي الاجرام الجماعي نحو المخالف له لذا لن يستمر الاسلام الا بالجهل والعمه.(اي العمى العقلي) تم بالخوف واخيرا بالتهديد والقتل.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.