دور الجيش العراقي في معارك فلسطين 1948 1/3

شبكة البصرة

أ. د. عبدالعزيز أمين عرار

باحث ومشرف تاريخ ومحاضر جامعي 

إهداء

إلى شبكة البصرة الحرة الثائرة

وإلى المؤمنين بنضال أمتهم العربية على مدى التاريخ والأجيال

وإلى العراقيين الطامحين للخلاص من حكومة المأجورين والخونة وإلى كواكب الشهداء من الأمتين العربية والإسلامية الذين سقطوا دفاعا عن ثرى الأمة الطهور.

وإلى شهداء معارك الكفاح والنضال من أجل فلسطين حرة عربية وإلى روح الشهيد صدام حسين الذي ظل لسانه يلهج ب(عاشت فلسطين حرة عربية).

والى المؤمنين بأن فلسطين لا تحرر ولا تسترد بغير الحديد والنار وبالكفاح الشعبي المسلح.

وإلى أبطال معركة تحرير جنين من شهداء الجيش العراقي والمناضلين الفلسطينيين الذين سقطوا دفاعا عن تحرير جنين.

وإلى الشهداء الأكرم منا جميعا نهدي هذا البحث. 

المقدمة

يلقي هذا البحث التاريخي الوصفي إضاءة على دور الجيش العراقي في فلسطين في حرب 1948، ومستوى المعارك والمقاومة الذي بذلها هذا الجيش، والتضحيات التي قدمها جنود وضباط الجيش العراقي، وشعب العراق ونضاله المشترك مع أبناء فلسطين ويبين أهمية هذا الدور خاصة في حماية بعض المدن والقرى الفلسطينية والحفاظ عليها من التشريد والهجرة.

ويأتي سبب اختيار البحث من الفرضية القائلة بأن الجيش العراقي وباقي الجيوش العربية جاءت لتحافظ على قرار التقسيم بين العرب واليهود، وأنها لم تتلق أوامر هجومية وكانت محكومة بمقولة ” ماكوا أوامر ” بمعنى أنه لا توجد أوامر للقتال والهجوم. وأنها قصرت في حماية البلاد من العدو الصهيوني، واقتصرت على الدور الدفاعي.

يأتي أهمية البحث إذا علمنا أن الجيش العراقي من أوائل الجيوش العربية التي تأسست في الوطن العربي، كما أن دوره كان حاضرا في مختلف معارك العرب مع الكيان الصهيوني سواء حرب 1948 و1967 و1973.

ويتناول البحث إجابة عن أحد الأسئلة الهامة وهي :هل كان الضابط والجندي العراقي مستعدا للقتال والتضحيات والتقدم الهجومي لتحرير الأرض وطرد العدو؟

أم تراه ملتزما بتعليمات النظام الملكي الهاشمي والمرتبط بالإنجليز أمثال :رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد والوصي على العرش عبدالاله.

اعتبر البعض أن مهمة الجيش العراقي وباقي الجيوش العربية كانت مهمة دفاعـية وليست هجومية وهي جاءت بغرض الحفاظ على المنطقة العربية التي تم تحديدها في خطة قرار التقسيم الصادر في 29/11/1947.

وبناء عليه جاءت مهمتنا في هذا البحث الذي رجعنا فيه لمجموعة من المصادر والمراجع مما تيسر في المكتبات العامة والخاصة، وبعض المقابلات مع بعض الباحثين وكبار السن، وتختلف هذه المصادر والمراجع في قيمتها التاريخية، فهناك مؤلفات أعدها ضباط وقادة شاركوا في الحرب أمثال: عبدالله التل، وصادق الشرع، وكلوب باش، ومنها مؤلفات أعدها مؤرخون ومناضلون فلسطينيون شاركوا أو راقبوا الحدث أمثال: المؤرخ الفلسطيني المقدسي عارف العارف في كتابه النكبة والفردوس المفقود، والمؤرخ النابلسي إحسان النمر في كتابه القضية الفلسطينية في دورها البلدي، وكتاب المناضل الفلسطيني ابن قرية الطيرة الصعبية عبدالرحيم عراقي في كتابه (لا تخف)، والمناضل بهجت أبو غربية في مذكراته.

وهناك مراجع أقل أهمية لأن المؤلف مجهول، مثل كتاب كيف ضاعت فلسطين بقلم عسكري عراقي، وكتاب معركة فلسطين دور العقل والخلق في عملية التحرير، بينما لم يتيسر لنا الحصول على مصادر عراقية حيث روى لي الأستاذ ركاد سالم أن القائد عمر علي قائد معركة جنين أصدر كتابا بعنوان:”الفرية ” وفيها يبرز دور ومعارك الجيش العراقي وعدم تقصيره،، وكتاب كارثة فلسطين لقائد الجيش الأردني في معركة القدس عبدالله التل، وهو أحد المعارضين للملك عبدالله والذي لجأ لدولة مصر وأيضا كتاب كارثة فلسطين الذي أصدرته جمعية إنقاذ فلسطين، وفيه وردت أسماء ضباط وجنود العراق الذين استشهدوا في معارك جيش الإنقاذ الذين جاؤوا متطوعين، وقبل أن تأتي أفواج الجيش العراقي بعد 15أيار 1948، واستعنت بمراجع ثانوية ومنها : مواقع الانترنت وحصلت على عدة مقالات نشرت في شبكة البصرة ودنيا الوطن وغيره.

جاءت الدراسة في ثلاثة فصول وهي: الفصل الأول وفيه: لمحة جغرافية وتاريخية حول العراق وفلسطين والفصل الثاني: حول قدوم فوج الجيش العراقي ومرابطته في منطقة المثلث الفلسطيني (نابلس جنين طولكرم) ومعاركه ومناوشاته، أما الفصل الثالث والأخير فيبين المخاطر التي سببها انسحاب الجيش العراقي، ومأساة تسليم هذه المنطقة للجيش الأردني، والذي بدوره سلمها لليهود خاصة المنطقة السهلية الممتدة من كفر قاسم حتى عارة وعرعرة.

يستحق هذا البحث إعداد رسالة ماجستير أو دكتوراة والبحث بعمق وتفاصيل أكثر حول دور الجيوش العربية، ويعترض البحث نقص في عدم قدرتنا على السفر خارج البلاد لأخذ المعلومات من مصادرها الأصلية أو الاطلاع على مصادر ومراجع غير التي وقعت بين أيدينا والاطلاع على الروايتين العربية والإسرائيلية من مصادرها في اللغة العبرية، ورغم ذلك يصح القول أن البحث يقدم صورة جلية عن بعض المعارك والأحداث والمواقف والبطولات العراقية والفلسطينية في خندق النضال المشترك آملا

أن أكون قد وفقت في بحثي هذا وإن كنت أخطأت فيكفيني شرف الاجتهاد وإن أصبت فيكفيني الأجر والثواب.

الفصل الأول

لمحة جغرافية وتاريخية حول العراق وفلسطين

لمحة جغرافية حول العراق:

الموقع :

يقع العراق في جنوب غرب آسيا بين دائرتي العرض 37، 29 شمالا وبين خطي الطول 48، 39 شرق، وهو بذلك يحتل الركن الشمالي الشرقي من الوطن العربي، وشكل العراق غير منتظم، ويبلغ أقصى امتداد له من الشرق إلى الغرب حوالي 950 كم يعادل امتداده بين الشمال والجنوب البالغ 925كم، ويطل العراق عبر ساحله الجنوبي على الخليج العربي لمسافة تقرب من 60كم، ويحده الكويت والمملكة العربية السعودية من الناحية الجنوبية والأردن من جهة الغرب، وتجاوره سوريا من الجهة الشمالية، وتركيا شمال، وإيران من الشرق ويبلغ طول حدوده البرية قرابة 3500كم. (1) (جودة، حسنين جودة:العالم العربي دراسة في الجغرافيا الإقليمية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996، ص319ـ320).

تبلغ مساحة العراق 434، 924كم2 والعراق ضمن أقطار الجزء الآسيوي في الوطن العربي، وهو بوابة الوطن العربي الشرقية ويعد موقعه مهما وسياسيا وجيبولوتيكيا منذ أقدم العصور، ولهذا كان بوابة عبور للغزاة المغول والتتار الذين احتلوا بغداد عام 1258م/656ودمروا الحضارة الزاهرة فيه، كما أنه كان مثار نزاع بين الإمبراطورية العثمانية ودولة إيران الصفوية في عهد السلطان سليم الأول وإسماعيل الصفوي وابنه طهماسب، وكان مطمع الاستعمار البريطاني حينما قرر فرض الانتداب عليه وجعله تابعا له بموجب اتفاقية سان ريمو مع فرنسا عام 1920(2)(جودة، حسنين جودة:العالم العربي دراسة في الجغرافيا الإقليمية،، ص320).

مظاهر السطح: يقسم سطح العراق إلى أربعة أقسام متميزة وهي:

1ـ إقليم السهل الرسوبي الفيضي. 2ـ البادية أو الإقليم الصحراوي الهضبي في غرب الفرات 3ـ أرض الجزيرة 4ـاقليم المرتفعات الشمالية الشرقية أو إقليم كردستان.

تمتد المنطقة الأولى بين جنوب بغداد والخليج العربي ويتشكل فيه منطقة حوض نهر دجلة وحوض الفرات وتبلغ مساحة السهل 93ألف كم2، ويتخذ شكل مستطيل طوله 650كم وعرضه 250كم، ويبلغ ارتفاعه بين 100متر و32 متر عن سطح البحر، ويتخلله نهري دجلة والفرات اللذين يجريان جريا بطيئ، وقد أدت عمليات الإرساب إلى تكوين منطقة أهوار في الجنوب، وهي مزيج من البرك والمستنقعات ويعد حوض الحمار أوسعه، وينبع نهر دجلة من سفوح جبال طوروس في شمال غرب ديار بكر وتغذيه مجموعة روافد مهمة أهمها :الزاب الكبير والزاب الصغير ونهر ديالى أما الفرات فينبع من هضبة أرمينيا ويمر من الأراضي السورية ثم يلتقي مع نهر دجلة عند القرنة ويعرف المجرى المائي الذي يحمل مياههما إلى الخليج العربي باسم شط العرب، وقد تأثرت أنهار العراق بالفيضانات العنيفة والمخربة خاصة في فصل الشتاء والربيع. (1)(جودة حسنين جودة، العالم العربي دراسة في الجغرافيا الإقليمية، ص 322ـ ص323).

ويقع ضمن العراق الإقليم الصحراوي في جهة غرب الفرات ويشكل 270ألف كم2 أي 3/5 المساحة الكلية ثم أرض الجزيرة وتقع بين نهري دجلة والفرات وإلى الشمال من خط عرض بلدة الرمادي وتمتد شمالا إلى سلاسل جبال الأناضول، وتتكون في معظمها من سهول وهضاب يتراوح ارتفاعها بين 170 مترا و350 مترا ويتخللها أحواض مغلقة ذات تصريف داخلي، مثل: وادي الثرثار، وهو حوض عميق ويبلغ طوله 300 كم ومتوسط اتساعه 45كم، ويستخدم الآن كخزان عظيم في العراق لمياه نهر دجلة، أما الإقليم الجبلي والذي يقع في شمال العراق إلى غربه على شكل قوس ممثلا في جبال سنجار ويشكل 1/5 من مساحة العراق أو ما يقارب 90، 370كم2 مربعا ويضم جبال ذات ارتفاعات متعددة تصل إلى 3600 متر وفيها يقيم الأكراد. (2) (جودة حسنين، المصدر السابق ص328ـ332).

المناخ:

يعتبر سهل ما بين النهرين من أكثر بلاد العالم حرارة حيث تتزايد كلما اتجهنا جنوبا بفعل انخفاض الأرض ودرجات العرض كما تكون مقادير التهطال هزيلة فهي لا تزيد عن 400 مليمتر في الموصل بينما أمطار بغداد تبلغ 125ملم وتزداد الأمطار حسب الارتفاع حيث تصل متر قرب الحدود الإيرانية والتركية ولا يزيد المطر عن 100 ملم في ثلاثة أرباع مساحة العراق في السنة وتمتاز بغداد بدرجة حارة وقصوى تصل ما بين 48ـ50 درجة مئوية مما كان يدفع سكانها للجوء للسراديب والكهوف وقت الظهيرة في الزمن السابق، أما البصرة فتمتاز بجو خانق بسبب الرطوبة والحرارة العالية ومعدل درجة الحرارة يبلغ 35 درجة. (3) (حميدة، عبدالرحمن، جغرافية الوطن العربي. 328ـ 330).

سكان العراق:

سكن العراق منذ القدم أقوام عديدة ومنها ساميون كالبابليين والكلدانيين وأجناس أخرى كالسومريين والأكراد ثم العرب وأخيرا انطبع العراق بالطابع العربي بفعل الفتح والحضارة العربية الإسلامية، ويشكل العرب 75%من سكان العراق وهم على الأغلب سكان السهول والصحراء، بينما يشكل الأكراد 16% وتتوزع النسبة الباقية وهي 9% على أقليات شعوبية ودينية متعددة، ومنهم: السريان والكلدان سكان العراق القدماء ويحتفظون باللغة الآرامية القديمة، والصابئة ويقيمون في الموصل وبغداد والبصرة، والنساطرة الأرمن وينتشرون في جميع ألوية العراق وعددهم 10,000 ويحتفظون بالعبادة البابلية للأجرام السماوية واليزيديون ويقطنون في قضائي الشيخان وسنجار في شمال العراق، ويحتفون بخصائص العبادة الفارسية المانوية القديمة، والأتراك الذين شغلوا مناطق، مثل: كركوك وخانقين، ولغتهم لغة السلطة الحاكمة حتى زوال حكم الأتراك. ومن الأتراك الشبك ويتكلمون خليط من اللغة التركية والفارسية، والعربية، ويسكنون في أكثر من عشرين قرية قرب الموصل والبهائية والفرس واليهود الذين تناقص عددهم من ربع مليون نسمة عام 1939 إلى عشرة آلاف نسمة عام 1948 إلى ألفي نسمة حسب تعداد 1977. بلغ عدد سكان العراق 14. 5مليون نسمة في عام 1983 ويقطنون في مساحة مقدارها 434، 924 كيلومترا مربعا بكثافة سكانية مقدارها 33,3 نسمة في الكيلومتر المربع، ويتميز العراق بزيادة طبيعية حيث تقل فيه الأوبئة والمجاعات منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ويستثنى من ذلك فترة الحرب العراقية الإيرانية (1). (جودة، حسنين، العالم العربي دراسة في الجغرافيا الإقليمية، ص 339ـ342).

الاقتصاد العراقي:

شكل النفط قطاعا حيويا في الاقتصاد منذ اكتشاف النفط واستخراجه في العراق منذ أعوام العشرينيات من القرن الماضي والذي شكل 90% من عائدات الدخل القومي، ويهتم العراقيون بالزراعة، ويعد الأرز والقمح والنمور من أهم قطاعات الإنتاج الزراعي، وقد عان هذا القطاع من التأخر في العهد الملكي حتى ثورة 14 تموز 1958، وذلك بسبب البني المتأخرة، وطرائق الزراعة التقليدية، والشرائط المناخية غير

الملائمة واستفحال مشكلة الملوحة كما أن المزارعة والملكيات الكبيرة هي النمط السائد(2)، (حميدة عبدالرحمن، جغرافية الوطن العربي.، مرجع سابق332)

لمحة جغرافية حول فلسطين:

تعتبر فلسطين قلب الوطن العربي وواسطة عقده وقبلة انتظاره ومهد الديانات التوحيدية الكبرى وهي بلاد خيرة وجميلة ومن أهم بقاع الأرض قاطبة من النواحي الإستراتيجية والسياحية والدينية

وتقع بين خطي عرض 29، 30 و23، 15 شرقي غرينتش وتتوسط مفرقارق الطرق بين قارات العالم القديم ويحدها من الشرق الأردن وسوريا ومن الغرب البحر المتوسط ومن الشمال لبنان ومن الجنوب شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة. (3) (الكيالي، عبدالوهاب، تاريخ فلسطين الحديث، المؤسسة العربية لدراسات والنشر، ط9، بيروت، (د. ت)، ص11). 

تبلغ مساحة فلسطين 27009 كم2(10429 ميلا مربع) وهي مستطيلة الشكل يبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب نحو 430 كم، وأما عرضها فيتراوح في الشمال بين 51كلم و70 وفي الوسط يتراوح العرض بين 51 كلم لإلى 71كلم. (1) (الكيالي، عبدالوهاب، تاريخ فلسطين الحديث، ص11).

اختلفت حدود فلسطين مع مصر بعد احتلال مصر بين عامي 1882 حيث كانت من العريش حتى العقبة، ولكن تم زحزحة الحدود للشرق في عام 1905؛ بسبب مد سكة الحديد العثمانية وأمام ضغط وتهديد بريطانيا وتلويحها باستخدام القوة حيث رأت فيه ما يضر بمصالحه. (2) (يعقوب كامل يوسف، معالم بلادن، ص9).

الوحدات الطبيعية:

تقسم البلاد إلى ثلاث قطاعات طولية، وهي:1)السهل الساحلي في الغرب 2)الجبال في الوسط 3)الغور في الشرق. والغور هو جزء من الشق الآسيوي ـ الأفريقي ويمتد من مرج الحولة حتى خليج العقبة في الجنوب

(qunnell)

 (1958)والذي تكون نتيجة انكسار أفقي بتأثير تحرك القارات حسب رأي الجيولوجي الانكليزي ويضم وادي عربة والبحر الميت وبقعة الأردن الجنوبية والشمالية ومرج الحولة ومرج طبرية. (3) (يعقوب كامل يوسف، معالم بلادن، المرجع السابق، ص38). 

الجبال والمروج الداخلية:

وهي عبارة سلسلة جبال تتجه من الشمال للجنوب بشكل طولي وتتخللها مروج سهلية داخلية، مثل: مرج بئر السبع، مرج حوارة، ومرج صانور، ومرج ابن عامر، ومن هذه الجبال جبال الخليل ورام الله ونابلس والجليل وفيها مرتفعات مهمة، مثل :جبال ايلات، وجبل عبدات وجبل النبي يونس والزيتونة، وتل العاصور، وعيبال وجرزيم، والجرمق، وجبال أم الفحم، وجبال الجلبوع والكرمل.

تكونت الجبال نتيجة العمليات في الشق الافريقي ـ الآسيوي، حيث حدث الهبوط التكتوني في الغرب

عند البحر المتوسط. فبرزت الجبال على شكل عمود فقري يقع في مركز البلاد، وتشمل منطقة النقب وتبلغ مساحته 12ألف كم2 وتضم النقب الجنوبي ومرج عويده، وسهل فاران وجبل رامون، وهضبة عبدات، ومرج بئر السبع ومرج عراد، وجبال الخليل، والقدس، ونابلس، ومعظم صخورها جيرية وجبال الجليل ومنها الأعلى والأسفل (4) (يعقوب كامل يوسف، معالم بلادن، ص 46 ـ61 بتصرف).

السهل الساحلي:

وهي منطقة ترسيب هائلة وما زالت تستقبل ترسيبات جرفيه قارية من جهة الجبال والمناطق الداخلية ومصدره الترسيب البحري الذي حمله النيل للبحر المتوسط قبل بناء السد العالي ويتكون من تربة رملية وحمراء وكركارية متفتتة ويضم سهل النقب الساحلي وسهل يهودا وسهل سارونة الساحلي ويبدأ عند يافا وحدوده الشمالي وادي التماسيح عند جسر الزرقاء وسهل الكرمل الساحلي الذي يضيق عرضه ليصبح 150ـ 200 ملم فقط ويليه سهل عكا الساحلي (1). (يعقوب كامل يوسف، معالم بلادن، ص61ـ ص63).

السكان في فلسطين:

بلغ عدد سكان فلسطين عام 1915 فقد كان هناك 689، 275شخصا في فلسطين بينهم 83، 000 يهودي و17، 000 من المسيحيين غير العرب (2). (أريه، ل. أفنيري، دعوى نزع الملكية الاستيطان اليهودي والعرب 1878ـ 1948، دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، ص27).

يعد سكان فلسطين من العرب القدماء وفلسطين بلد عربي سكنت فيه القبائل العربية قبل وبعد الإسلام وأول شعب عربي أقام فيها هو الشعب الكنعاني ومنذ أواخر القرن الماضي بدأ الاستيطان الصهيوني المدعوم من قبل موظفي الدولة التركية ثم تلاه الاحتلال البريطاني الذي قدم الدعم والمساندة للصهاينة والذين زاد عددهم في فلسطين على حساب سكانها العرب وانتهى ذلك بشن حرب 1948 و1967 وغيرها في محاولات دءوبة لتثبيت وجودهم في أرض فلسطين العربية.

خريطة رقم 1 : تبين الطرق وسكك الحديد في فلسطين عام 1948

Xxxiii

 الخالدي، وليد، وآخرون كتاب كي لا ننسى 

نظرة موجزة حول علاقة العراق بالقضية الفلسطينية 1930_1948

أنهت هدنة مدروس 30/ت1/1918 الحرب بين بريطانيا والدولة العثمانية وأصبح العراق بعده كله تحت السيطرة العسكرية البريطانية وبدأت مرحلة جديدة من مراحل الإدارة البريطانية في العراق من حيث التخطيط والتنفيذ الإداري، حيث أصبح السر أرنولد ولسون على رأس الجهاز الإداري بصفته الحاكم المدني العام، ومعه مجموعة من المساعدين الانجليز يتقلدون رأس الوزارات المختلفة(1) (العفيف، أحمد خليف، التطور الإداري للدولة العراقية، ص40ـ ص42). 

ولكن سرعان ما ظهر التأزم والتوتر بين العراقيين والفلسطينيين وحصلت ثورة 1920 التي عمت جميع أنحاء البلاد، وكان سببها الرئيس سياسة بريطانيا ضد زعماء القبائل بشكل خاص والعراق بشكل عام (2) (العفيف، أحمد خليف، التطور الإداري للدولة العراقية، ص47).

تلا ذلك قيام مؤسسة البلاط الملكي بين عامي 1921و 1932 وقد بدأت باختيار الأمير فيصل الأول من قبل السر برسي كوكس والذي رأت فيه بريطانيا أفضل الذين ترشحوا لحكم العراق واختارته من بين مجموعة من المرشحين، والذي اختير بالتعيين ووجدت فيه بريطانيا ما يلبي مصالحها ويلق قبولا من مختلف مذاهب العراق الإسلامية في العراق (3). (العفيف، أحمد خليف، التطور الإداري للدولة العراقية، ص63وص64).

لم يكن العراق في هذه الفترة متحررا من القيود البريطانية إلى عام 1925 _1930، حيث تحسنت مقدرة وكفاءة الحكام الإداريين العراقيين على القيام بواجباتهم من غير رقابة المفتشين الإداريين البريطانيين. (4) (العفيف، أحمد خليف، التطور الإداري للدولة العراقية، ص 347).

وبفعل التطور الإداري ونضال الشعب العراقي وقدرته على استيعاب المتغيرات الحديثة اعترف المجتمع الدولي بالعراق دولة مستقلة وقبوله عضوا في هيئة الأمم المتحدة عام 1932. (5) (العفيف، أحمد خليف التطور الإداري للدولة العراقية،، ص419).

لم تمنع ظروف التجزئة، رجالات الحركة القومية العربية من اللقاء لبحث أمورهم في المؤتمرات اللاحقة، ومعاودة نشاطهم بتشكيل حركات ذات طابع قومي عربي.

تداعى عدد من القوميين العرب للاجتماع والتباحث على هامش المؤتمر الإسلامي المنعقد في مدينة القدس عام 1931؛ لبحث القضية الفلسطينية وقضية الوحدة العربية، والذين حضروا المؤتمر الإسلامي، وممن سبق لهم العمل في الحرب العالمية الأولى ولكنهم افترقوا عقدا من الزمن، وكانوا أعضاء في جمعية العهد، أو جمعية “الفتاة “،، وقد وجدوا الفرصة سانحة لإعادة نشاط الحركة العربية بعد انشغالها بالقضايا المحلية، وعقد الاجتماع في أواسط كانون الأول/يناير1931 في بيت عوني عبدالهادي، وشهده قرابة خمسين شخص، وبعد مداولات اتفقوا على وضع ميثاق قومي عربي يحدد أهداف الحركة العربية ويجدد نشاطه، والدعوة لعقد مؤتمر عربي عام، وقد بحث الأمر مع الملك فيصل الذي شجع فكرة عقد المؤتمر في بغداد، ووافق فيصل على دعمه، ولكن حالت جملة معوقات دون انعقاده، ومنها النزاع بين الهاشميين والسعوديين، ومعارضه المندوب السامي، ثم عاجل موت فيصل في نهايته(1) (عرار، عبدالعزيز، حزب البعث العربي الاشتراكي ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية، المركز القومي للدراسات والنشر، 2008،، ص، 19).

كانت آمال القوميين العرب معلقة على الملك فيصل، وقد جرت معه لقاءات من قبل قادة حزب الاستقلال في فلسطين، وأعضاء من عصبة العمل القومي في سوري، والكتلة الوطنية السورية، وطرح فيصل فكرة توحيد الأردن والعراق، وعندما توفي رأى فيه القوميون العرب خسارةً لفلسطين، وللبلاد العربية، والحركة القومية العربية(2). (عرار، عبدالعزيز، حزب البعث، ص، 20)

قام على تأسيس حزب الاستقلال في فلسطين الذي كل من: عوني عبدالهادي، محمد عزة دروزة، صبحي الخضر، أكرم زعيتر، رشيد الحاج ابراهيم عجاج نويهض فهمي العبوشي، الدكتور سليم سلامة، وتضمن بيانه الربط بين استقلال البلاد العربية والوحدة العربية التامة غير القابلة للتجزئة والتوكيد على عروبة فلسطين، واعتبارها جزءاً طبيعياً من سوري، والعمل على تحقيق الأهداف بالاتفاق مع الهيئات المطالبة بالاستقلال في البلاد العربية(3)(عرار، عبدالعزيز، حزب البعث، ص،. 20)

ويتشابه مع رؤية حزب الاستقلال (الحزب القومي العربي)، في العراق وسوريا والذي أكد أهمية الخروج على النضال القطري، وبناء حزب قومي، وكان من بين أعضائه العراقيين يونس السبعاوي، ومن أعضاء الحزب أعضاء نادي المثنى بالعراق والنادي العربي في سوريا (4). (عرار، عبدالعزيز حزب البعث، ص 21)

ويذكر جلال السيد أحد مؤسسي البعث أنه كان عضوا في هذا الحزب الذي وصفه بأنه ” حزب سياسي ضخم، ولكنه سري، ضم عددا كبيرا من رجالات العرب، وبرنامج الحزب كان شبيهاً ببرنامج حزب البعث، ويمكن القول أن له دورا في الحركات الخطيرة كحركة رشيد عالي الكيلاني.. كان يونس السبعاوي وزير الاقتصاد في حكومة رشيد عالي، وهو في الوقت نفسه حاكم بغداد العسكري… وكذلك درويش المقدادي (فلسطيني من طولكرم) وسعيد الحاج ثابت وكان الحزب على صلة بالأستاذ ساطع الحصري” (1). (عرار، عبدالعزيز، حزب البعث، ص، 21)

شهدت ثورة 1936 ـ 1939 في فلسطين تحريكا للقضية الفلسطينية وللشعور الشعبي وللموقف الرسمي العربي، وقامت المظاهرات في العديد من المدن العربية، وتسرب إلى فلسطين المتطوعون العرب وخاصة من العراق وسوريا يقودهم فوزي القاوقجي* على رأس قوة ضمت خمسمائة متطوع (2). (عرار، عبدالعزيز، حزب البعث، ص 22).

وقد أصدرالقاوقجي بيانا قال فيه: “إنه ليغبطني، وقد شرفني إخواني المجاهدون بقيادة الثورة العربية في سورية الجنوبية أن أدعو القادرين من أشبال العرب إلى السلاح أجل إلى السلاح يا أشبال العرب تحقيقا للأماني القومية وإنقاذ فلسطين العزيزة من براثن العبودية والغزوة الصهيونية والمطامع البريطانية … “(3). (عرار، عبدالعزيز، حزب البعث، ص 22)

توفي الملك فيصل الأول في ظروف غامضة وتولي ابنه الأمير غازي ليصبح ملكا في الأول من أيلول 1933، و يذكر المؤرخ العراقي أحمد الحمداني أن الملك فيصل وصل إلى العاصمة السويسرية طلباً للاستشفاء، وكان الإعياء والقلق والانفعال باديين عليه، ورغم ذلك بدأ الملك يستقبل مراسلي الصحف، والعديد من الأصدقاء، ويدلي بتصريحاته محاولاً الرد على الدعايات المضللة الموجهة ضده، وضد العراق وحكومته على أثر الأحداث التي رافقت قمع ثورة الآشوريين على يد بكر صدقي. وتميزت تصريحاته بشدة اللهجة أثناء حديثه مع الصحفيين، حيث تلقى سيلاً من التهديدات من الحكومة البريطانية بسبب قمع الحكومة العراقية، ونائب الملك [الأمير غازي] للثورة الآشورية، وقد طالبته الحكومة البريطانية بالعودة فوراً إلى بغداد، وأخذ زمام الأمر بيده، و إلا فسوف يتعرض لنتائج وخيمة!!. (4) الحمداني، حامد، من ذاكرة التاريخ، حلقة أولى، موقع دنيا الوطن وموقع

www. Hamid-Alhamdany. blogspot. com

لكن صحته تدهورت عند منتصف الليل، وقد حضر إلى غرفته كل من : [نوري السعيد] و[رستم حيدر] و[تحسين قدري]، حيث وجدوه وهو في حالة خطيرة يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقد ثارت الشكوك حول دور بريطانيا ونوري السعيد، حيث ذكر التقرير الطبي إن سبب الوفاة ناجم عن انسداد الشرايين… كان هناك شك كبير في أن السبب الحقيقي للوفاة هو التسمم، وقيل أن الإنكليز، ونوري السعيد، هم الذين كانوا وراء العملية.

تم نقل جثمان الملك إلى بغداد في 14 أيلول 1933، حيث تم تشيعه في موكب رسمي مهيب، ودفن في المقبرة الملكية في الأعظمية. وبوفاة الملك فيصل، اختفت فوراً مذكراته الخطيرة، ولم يعد أحد يعرف عنها شيئ، وكل الشكوك كانت تشير إلى أن وراء عملية الاختفاء تلك كان نوري السعيد. (1) الحمداني، حامد، من ذاكرة التاريخ، حلقة أولى، موقع دنيا الوطن وموقع www. Hamid-Alhamdany. blogspot. com

وعلى أثر وفاة الملك فيصل، حاول نوري السعيد إقناع رئيس الوزراء [رشيد عالي الكيلاني] و[رستم حيدر] وزير الاقتصاد والمواصلات، والمقرب جداً من العائلة المالكة استبعاد الأمير غازي عن تولي الملك بصفته ولياً للعهد، ودعوة [الأمير زيد] لتولي الملك، بدعوى أن الأمير غازي متخلف عقلي، ولا يصلح لتولي الملك.

لكن رشيد علي الكيلاني رفض رفضاً قاطعاً محاولات نوري السعيد، وأجرى على عجل مراسيم تحليف الأمير غازي اليمين القانونية أمام مجلسي النواب والأعيان، و جرى تتويجه رسمياً مساء يوم 18 أيلول 1933 ملكاً على العراق، وبذلك اسقط في يد نوري السعيد. وبمناسبة تسلم الملك غازي سلطاته الدستورية، وحسبما ينص الدستور، قدم السيد رشيد عالي الكيلاني استقالة حكومته إلى الملك الذي قبل بدوره الاستقالة وكلفه من جديد بتأليف الوزارة الجديدة. (2) عن موقع دنيا الوطن وموقع www. Hamid-Alhamdany. blogspot. com

وقد وجد[نوري السعيد] الفرصة السانحة لتوسيع نفوذه في إدارة شؤون البلاد، وسعى بكل جهوده للهيمنة على المسرح السياسي. فقد حاول السعيد بدعم من صهره وحليفه[جعفر العسكري] بعد فشله في منع الملك غازي من تسلم سلطاته الدستورية إلى احتوائه، والتأثير عليه لدرجة وصلت إلى حد التدخل في أموره الشخصية.

حاول رشيد عالي الكيلاني حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة تضمن له الأكثرية في المجلس، وتقدم بطلب إلى الملك غازي بهذه الرغبة، وتدخل نوري السعيد لدى السفارة البريطانية لمنع حل البرلمان، وسارع السفير البريطاني إلى توجيه تحذير إلى الملك غازي من مغبة الأقدام على حل البرلمان خوفاً من أن يأتي الكيلاني ببرلمان يضم أكثرية من أنصاره، كما حذر الملك[عبد الله] ابن أخيه الملك غازي من الأقدام على هذه الخطوة، والتي تسبب المخاطر الحزبية، ويلاحظ في هذه الفترة محاولات نوري السعيد للاستئثار واللعب السياسي ومعه الوصي على العرش الأمير عبدالاله وتناقضه مع رشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي وغيرهم وميل الملك لهذه الجماعة (1)

www. Hamid Alhamdany. blogspot. com –

 (من ذاكرة التاريخ/أسرار بقلم:حامد الحمداني وموقع دنيا الوطن نشر على حلقتين بتاريخ النشر : 2011-08-19)

مقتل الملك غازي :

عندما تولى الملك غازي الحكم وضع نصب عينه مسألة إعادة الكويت إلى العراق، باعتبارها كانت تابعة لولاية البصرة في العهد العثماني، لكن المحتلين البريطانيين اقتطعوها من العراق، ونصبوا الشيخ مبارك حاكما عليها تحت حمايتهم، عام 1895.

تمتاز الكويت بأهميتها الاستراتيجية، حيث تتحكم برأس الخليج، وتبلغ مساحتها 7000 كلم2، وكان يسكنها آنذاك حوالي 100 ألف نسمة، وكان الملك غازي يعتقد أن اقتطاعها من العراق سبب حرمانه من شواطئه البحرية على الخليج، إلا من بقعة صغيرة جداً قرب مصب شط العرب. وهكذا أصبح هاجسه في كيف يعيد الكويت إلى العراق، في ظل تعارض رغبته تلك مع إرادة الإنكليز المهيمنين على مقدرات العراق.

حاول الملك غازي التقرب من ألماني، غريمة بريطاني، وسعى إلى توطيد العلاقات معه، لعل ذلك يساعده على استعادة الكويت، وقد قامت الحكومة الألمانية بإهداء الملك غازي محطة إذاعة تم نصبها في قصر الزهور الملكي، واستعان الملك بعدد من العناصر القومية العربية الشابة، وراح يوجه إذاعته نحو الكويت، وكان بثها كله موجها حول أحقية ضم الكويت إلى العراق، ومهاجمة الإنكليز الذين اقتطعوها من العراق، مما أثار غضبهم وحنقهم على الملك غازي، وجعلهم يفكرون بالتخلص منه. (2((الحمداني، حامد، من ذاكرة التاريخ/أسرار، موقع دنيا الوطن نشر على حلقتين بتاريخ النشر : 2011-08-19) وموقع الكاتب

www. Hamid-Alhamdany. blogspot. com) 

لقد حاول الملك غازي إعادة الكويت بالقوة، أثناء غياب رئيس الوزراء ـ نوري السعيد ـ الذي كان قد سافر إلى لندن لحضور مؤتمر حول القضية الفلسطينية في 7 شباط 1939، فقد استدعى الملك رئيس أركان الجيش الفريق [حسين فوزي] عند منتصف الليل، وكلفه باحتلال الكويت فور. كما اتصل بمتصرف البصرة داعيا إياه إلى تقديم كل التسهيلات اللازمة للجيش العراقي للعبور إلى الكويت واحتلاله.

كما استدعى الملك صباح اليوم التالي نائب رئيس الوزراء [ناجي شوكت] بحضور وزير الدفاع، ووكيل رئيس أركان الجيش، ورئيس الديوان الملكي، وأبلغهم قراره باحتلال الكويت.

لكن ناجي شوكت نصحه بالتريث، ولاسيما وأن رئيس الوزراء ما زال في لندن، وأبلغه أن العملية سوف تثير للعراق مشاكل جمة مع بريطاني، والمملكة العربية السعودية وإيران، واستطاع ناجي شوكت أن يؤثر على قرار الملك غازي، وتم إرجاء تنفيذ عملية احتلال الكويت.

فلما عاد نوري السعيد إلى بغداد وعلم بالأمر، سارع بالاتصال بالسفير البريطاني، وتداول معه عن خطط الملك غازي، وقرر الاثنان التخلص من الملك بأسرع وقت ممكن، وهذا ما حصل بعد مدة وجيزة، حيث جرى تدبير خطة لقتل الملك والتخلص منه، والمجيء بعبد الإله وصياً على العرش نظراً لصغر سن ولده الوحيد [فيصل الثاني] الذي كان عمره لا يتجاوز الخمس سنوات آنذاك.

وفي صباح يوم الخامس من نيسان 1939 فوجئ الشعب العراقي ببيان رسمي صادر عن الحكومة نقلته إذاعة بغداد جاء فيه:

{بمزيد من الحزن والألم، ينعي مجلس الوزراء إلى الأمة العراقية، انتقال المغفور له سيد شباب البلاد، جلالة الملك غازي الأول إلى جوار ربه، على اثر اصطدام السيارة التي كان يقودها بنفسه بالعمود الكهربائي الواقع في منحدر قنطرة [نهر الخر]، بالقرب من [قصر الحارثية]، في الساعة الحادية عشرة والنصف من ليلة أمس، ] لم يكد خبر مقتل الملك غازي يصل إلى أسماع الشعب، حتى هبت الجماهير الغاضبة في مظاهرات صاخبة اتجهت نحو السفارة البريطانية، وهتفت منددة بالإمبريالية البريطانية، وعميلها نوري السعيد وامتدت المظاهرات الشعبية الهادرة إلى سائر المدن العراقية… وظهرت المنشورات التي وزعتها الجماهير، والتي تقول أن الملك لم يصطدم بالسيارة كما تدعي حكومة نوري السعيد، وإنما قتل بعملية اغتيال دبرتها الإمبريالية البريطانية وعملائه، وعلى رأسهم نوري السعيد بالذات، وكانت الجماهير بحالة من الغضب الشديد ضد نوري السعيد ولو قبضت عليه في تلك اللحظات لفتكت فيه ومزقته إرب، ولذلك فقد هرب نوري السعيد بعد إتمام مراسيم دفن الملك غازي في المقبرة الملكية في الأعظمية، حيث استقل زورقاً بخارياً من المقبرة إلى داره في جانب الكرخ. حاول الإنكليز إبعاد التهمة عنهم، وادعوا أن الدعاية الألمانية هي التي تروج لمثل هذه الدعاية ضد بريطاني، كما ادعوا أن موظفي السفارة الألمانية، والأساتذة الجامعيين هم الذين يحرضون جماهير الشعب ضد بريطاني، وضد حكومة نوري السعيد.

كان رد فعل الجماهير الشعبية في الموصل شديداً جد، حيث خرجت مظاهرة ضخمة، وتوجهت نحو القنصلية البريطانية وهاجمته، وقتلت القنصل البريطاني في الموصل، المستر [مونك ميسن]، وراحت الجماهير تهتف بسقوط الاستعمار البريطاني، وحكومة نوري السعيد العميلة، وكانت بحالة من الغضب الشديد بحيث أنها لو ظفرت بنوري لمزقته إرب.

وتم مهاجمة الحي اليهودي في بغداد، ووقعت عمليات النهب وحرق مساكن. وقد استغل نوري السعيد الأحكام العرفية التي كانت قد أعلنت في البلاد قبل شهر من مقتل الملك، وقام بنشر أعداد كثيفة من قوات الشرطة لقمع المظاهرات، وجرى اعتقال الكثير من المتظاهرين.

ولتغطية جريمة الاغتيال سارعت حكومة نوري السعيد إلى إصدار بيان رسمي يتضمن تقرير طبي صادر عن هيئة من الأطباء عن سبب وفاة الملك غازي، ووقعت عليه مجموعة من الأطباء ومما جاء فيه يلي:

{ننعي بمزيد من الأسف وفاة صاحب الجلالة الملك غازي الأول في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الأربعين من ليلة 3/4 نيسان 1939، متأثراً من كسر شديد للغاية في عظام الجمجمة، وتمزق واسع في المخ، وقد حصلت هذه الجروح نتيجة اصطدام سيارة صاحب الجلالة، عندما كان يسوقها بنفسه، بعمود كهرباء بالقرب من قصر الزهور، في الساعة الحادية عشرة والنصف ليل، وفقد الملك شعوره مباشرة بعد الاصطدام، ولم يسترجع وعيه حتى وفاته

(1) www. Hamid-Alhamdany. blogspot. com)

من ذاكرة التاريخ/أسرار بقلم: حامد الحمداني وموقع دنيا الوطن بتاريخ النشر : 2011-08-19).

حمل التفاعل بين المثقفين الفلسطينيين والعراقيين بعد حصوله على الاستقلال بالغ الأثر في الهبة الشعبية العراقية التي ضغطت على الحكومة الملكية لإرسال المتطوعين العراقيين إلى فلسطين عام 1936 وتجلت وحدة النضال بين القطرين الشقيقين، وكان العراق الأمل المرتجى كما بين، وظهر ذلك يوم أن أبدى شعب العراق ونظامه الملكي في عهد الملك غازي تعاطفه مع الشعب الفلسطيني حيث التحق خيرة الشباب العراقي بالمتطوعين العرب الذين كان يقودهم البطل القومي فوزي القاوقجي و الذي كان ضابطا في الجيش العراقي واستقال لغرض التطوع وقيادة المناضلين العرب في فلسطين، وقد وصل ومن معه إلى قرية بلعا ـ طولكرم.

شكل الشعب العراقي لجان عراقية داعمة للقضية الفلسطينية على المستوين الإعلامي- التعبوي والمادي، كما وكانت بغداد في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الماضي محط رحال للزعماء الفلسطينيين والمثقفين الفلسطينيين؛ حينما التجأ عشرات القادة من الثوار الفلسطينيين ومعهم خيرة المثقفين الثوريين والشعراء الوطنيين إلى العراق أمثال: الحاج أمين الحسيني وأكرم زعيتر ودرويش المقدادي وإبراهيم طوقان، والضباط عبد القادر الحسيني وحسن سلامة وذو الكفل عبد اللطيف والشاعر عبد الرحيم محمود وعبدالفتاح المزرعاوي، والشاعر برهان العبوشي وغيرهم)(1) (، زعيتر، أكرم، الحركة الوطنية الفلسطينية،، ط2، منشورات اليسار، 1988، ص352 وص606 وص607 وص608)

الصورة رقم (1)

القائد عارف عبدالرازق من بلدة الطيبة والذي رحل للعراق وحارب في الرطبة في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين عام 1940 (محفوظات. عبدالعزيز أمين)

الصورة رقم (2)

مجموعة شباب فلسطينيين تطوعوا لتنظيف مقبرة شهداء الجيش العراقي في قرية قباطية عام 1993 تصوير الأستاذ. عبدالعزيز أمين).

ويذكر المؤرخ أكرم زعيتر من نابلس الدور المميز لـ(نادي المثنى) العراقي بتوجهاته القومية وأثره في مساعدة الثورة الفلسطينية والتعاطف معها ومع الفلسطينيين الذين فروا للعراق هاربين من العسف البريطاني لهم، وقد وصف العراق بأنه بيضة العروبة وحاضنته. ومرجل العروبة الذي يغلي، وكان من بين الذين توافدوا محمد أمين الحسيني والدكتور داود الحسيني، والمجاهد عبدالقادر الحسيني والشيخ حسن سلامة، وعزالدين الشو، وعارف عبدالرازق، والشاعر برهان العبوشي وغيرهم(1) (انظر:زعيتر أكرم الحركة الوطنية الفلسطينية 1930ـ 1939، ص 606ـ612 بتصرف).

ويتناول عسكري عراقي مجهول في مقالات نشرها في جريدة الحوادث اللبنانية وأخرجها في كتابه والذي جاء بعنوان : (كيف ضاعت فلسطين) إلى أن دور العراق كان حاضرا في ثورة فلسطين 1936ـ 1939 حيث أخذت إذاعة بغداد تذيع التعليمات الفنية العسكرية في كيفية معالجة المجاهدين الفلسطينيين للسور المكهرب، وأسلاكه الشائكة الذي وضعته حكومة بريطانيا كحاجز بين فلسطين وسوريا ولبنان ونجح الفلسطينيون وتغلبوا على هذا العائق، وفي عام 1948 كان معلمو العراق يقتطعون جزءا من رواتبهم لصالح القضية وأن ثورة وحركات مايس 1940 بقيادة رشيد عالي الكيلاني لم يكن سببها غير نصرة قضية فلسطين… وقد خسر العراق 150 مليون دينار بعد قطع خطوط التابلاين النفطية المتجهة إلى حيف.

ويجدر بالذكر أنلثوار الفلسطينيون الذين كانوا لاجئين في العراق حملوا السلاح وقاتلوا بقيادة عبدالقادر الحسيني إلى جانب الجيش العراقي وأبدوا بسالة فائقة في القتال فأوقفوا تقدم الجيش البريطاني بضعة أيام. وعندما انهارت المقاومة العراقية انسحبوا إلى إيران، لكن السلطات الايرانية أعادتهم إلى الحدود العراقية، فرجعو إلى بغداد وتجمعوا في بيت عبدالقادر الحسيني، وحاولت السلطات العراقية اعتقالهم لكنها تراجعت بعد تصميمهم على مقاومة الاعتقالز(بهجت أبوغربية، في خضم النضال، ص136).

الصورة رقم (3)

القائد الثائر والشهيد حسن سلامة

استشهد قرب رأس العين عام (محفوظات. عبدالعزيز أمين)

ورغم هذا الدور الشعبي الذي اضطلع به الشعب العراقي ومساندته للقضية الفلسطينية إلا أن رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد والوصي على الملك فيصل الأمير عبدالاله قاما بدور مناف تماما ولعبا دورا وصف بالخياني والتآمري، والذي كان يُسوق للمشاريع البريطانية ومشاريعها في المنطقة، ومنها مشروع تقسيم فلسطين 1937وهو ما عرف بالكتاب الأزرق، ومعاهدة بورتسموث1946، وحلف بغداد 1955، وبسبب ذلك كله قتل نوري السعيد من قبل الثوار في ثورة 14 تموز 1958 أثناء محاولته الفرار، وهو يلبس ثوب إمرأة.

الصورة رقم (4)

القائد فوزي القاوقجي الثالث من اليمين ومعه قادة الفرق الفلسطينية والعراقية والسورية واللبنانية أيلول عام 1936 (محفوظات. عبدالعزيز أمين)

تواصل اللقاء العربي المشترك بين العراقيين والفلسطينيين في عام 1948 سواء عبر المتطوعين الذين أرسلهم الجيش العراقي لينظموا لجيش الإنقاذ أو من خلال فوج الجيش العراقي الذي حضر قادته وجنوده للدفاع عن فلسطين أمام الغزو الصهيوني في منتصف أيار، والذين يعود لهم الفضل في حماية المثلث العربي من الرحيل والهجرة كما حصل في باقي فلسطين، وقد امتدت جبهة القتال من مدينة جنين شمالا حتى قرية مجدل الصادق جنوب كفرقاسم وهم الذين خاضوا معارك الشرف مع العدو الصهيوني في هذه المناطق.

يذكر عبدالهادي عرار من جلجولية في مقابلة جرت معه في 25/11/2011 أنه شاهد عام 1986بعض ناقلات الجند والشحن والدبابات العراقية التي بقيت في أرض المعركة، وكتب عليها الجيش العراقي، كما شاهد الأنصاب التي تشير لمجموعة من الجنود الصهاينة الذين سقطوا في أرض المعركة.

ولا زالت الألسن في بلدة كفرثلث ومحافظة قلقيلية تلهج بالذكر الطيب لما قام به الجيش العراقي ودوره في المعارك التي خاضها دفاعا عن طيرة المثلث وقلقيلية حيث أوعز للمناضلين الفلسطينيين بالهجوم على مستعمرة رمات هاكوفيش وقدم الاسناد من خلال المدفعية المرابطة في صوفين، ولا زالت بعض الدبابات المدمرة عند أبواب المستعمرة الصهيونية كشاهد وذكرى، وقد دعاها بعض الكتاب الصهاينة ب”الأيام العصيبة” (1) (مقابلة جرت مع الأستاذ خالد شنطي بتاريخ 20/11/2011).

وكانت أعظم المعارك معركة البطولة والشرف في مدينة جنين وفيها التحم المناضلون الفلسطينيون بقيادة فوزي جرار مع جهود القيادة العراقية المتمثلة بالمقدم عمر علي وخير شاهد على هذه البطولة المفعمة بروح قومية عربية تحررية مقبرة الشهداء في جنين ومقبرة شهداء الجيش العراقي قرب نابلس والتي يتم زيارتها وتنظيفها سنويا وهي مثار اهتمام وعناية جهات متعددة في فلسطين ويجري وضع أكاليل الورد على قبر الجندي المجهول. وجنود العراق البواسل الذي فهموا معنى العروبة ووحدة نضالنا القومي.

هذا وغيره سنتعرض له في الفصل اللاحق.

* فوزي القاوقجي (1890 ـ 1879) قائد ومناضل قومي عربي ولد في مدينة طرابلس ـ لبنا ن، تخرج في تعليمه حتى وصل المدرسة الحربية في الآستانة، آثر العمل مع الأتراك ضد الحلفاء، وبعد الحرب العالمية الأولى التحق بحكومة فيصل بناءً على طلبه. أثرت فيه معركة ميسلون فقاد الثورة السورية وكاد أن يستولي على مدينة حماة لولا طائرات الفرنسيين، وفي ثورة فلسطين اتخذ من مثلث الرعب الفلسطيني ساحة لحركاته الثورية. (انظر: الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، مج 3، 1984، ص480 ـ 481.

يتبع……….

‎هيثم هاشم – مفكر حر؟‎

About هيثم هاشم

ولد في العراق عام 1954 خريج علوم سياسية عمل كمدير لعدة شركات و مشاريع في العالم العربي مهتم بالفكر الانساني والشأن العربي و ازالة الوهم و الفهم الخاطئ و المقصود ضد الثقافة العربية و الاسلامية. يعتمد اسلوب المزج بين المعطيات التراثية و التطرق المرح للتأمل في السياق و اضهار المعاني الكامنة . يرى ان التراث و الفكر الانساني هو نهر متواصل و ان شعوب منطقتنا لها اثار و ا ضحة ولكنها مغيبة و مشوهة و يسعى لمعالجة هذا التمييز بتناول الصور من نواحي متعددة لرسم الصورة النهائية التي هي حالة مستمرة. يهدف الى تنوير الفكر و العقول من خلال دعوتهم الى ساحة النقاش ولاكن في نفس الوقت يحقنهم بجرعات من الارث الجميل الذي نسوه . تحياتي لك وشكرا تحياتي الى كل من يحب العراق العظيم والسلام عليكم
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.