Bassam Yousef
في الشهر الثالث عام 2012 كنت مقيم بصحنايا، بهداك اليوم كان عندي موعد مهم مع صديق عزيز جداً، في مكان قريب من ساحة المحافظة في دمشق، كان الوقت المتبقي للموعد ضيق فقررت ركوب تكسي بدلا من ركوب السيرفيس.
في تلك الفترة كنت أتفحص سائق التكسي قبل الصعود الى السيارة، وأحاول قدر الامكان أن أخمن شيئا عن شخصيته لأعرف كيف سأتصرف وأتحدث معه.
بدا سائق التكسي يومها رجلا في العقد الخامس من عمره، نحيل جدا، وذقنه غير حليقة منذ أسبوع على الأقل، فظهر شيبها واضحا، ولأن الوقت ضيق فقد صعدت فورا الى السيارة وأخبرته عن المكان الذي أقصده متجاوزا الحديث السريع الذي كنت أجريه قبل صعودي الى أي تكسي لتخمين هوية سائقها.
من على جسر صحنايا ظهر طابور طويل من السيارات على الاوتسترد المتجه الى دمشق، قلت بلهجة قلقة :
– يبدو مارح حصل موعدي .
نظر إلي ثم عقب محاولا طمأنتي :
– هون في حاجز هلا بس نخلص منو بيكون الطريق مفتوح.
– قلت له: بس لاتنسى انو عنا ثلاث حواجز أخرى.
قال لي : انشاالله بتوصل اتكل ع الله .
اتكلت على الله، كانت السيارة قد أصبحت داخل الطابور الطويل المنتظر، مد الرجل يده الى جيبه واخرج علبة دخانه، مد يده باتجاهي.
– تفضل دخن سيجارة .
شكرته، فسألني إن كان الدخان يزعجني كي لايشعل سيجارته، فقلت له أنني مدخن أيضا، وأعقبت أنني سأشعل سيجارة كي يدخن وهو متأكد أنه لايزعجني.
بدأنا حديثنا، كنا نتقدم ببطء باتجاه الحاجز، وكان من الطبيعي أن يكون مايجري في البلد هو الحديث المتداول، وكعادة كل السوريين الذين لايعرفون بعضهم فإن الجمل الأولى في الحديث تكون غالبا بهدف تحديد كل متحدث لهوية الآخر، بعبارة أخرى لتحديد ان كان الآخر قادر على التشبيح بحكم عمله أو طائفته، أو ..أو.. .
ربما لأنني ولدت في دمشق وعشت معظم حياتي خارج القرية، وفترة السجن الطويلة التي أكسبتنا نحن السجناء لهجة خليطة، كل ذلك جعل من اللهجة التي استعملها ملتبسة، ولا تشي بهوية منطقة ما أو طائفة ما، وهذا غالبا ما يربك محدثي، ولحل هذه المشكلة كنت عندما أثق بمن أحدثه أتحدث بصراحة شديدة وبلا أي حذر، الأمر الذي يلتقطه الآخر سريعا فيتخلص من حذره الشديد اتجاهي.
كان واضحا لي أن السائق ليس من الجماعة إياهم، فتحدثت بكل راحتي عن مايجري ورأيي فيه، ووقوفي ضد النظام، وعن سجني وعن ضرورة أن نتكاتف كسوريين للتخلص من نظام لايرى فينا إلا عبيداً، كان الرجل يستمع إلي ويهز رأسه، بينما كانت السيارة تواصل تقدمها البطيء باتجاه الحاجز.
تشجع الرجل بعد أن سألني عدة اسئلة عن السجن أين سجنت وكيف تحملت الفترة الطويلة وما إلى ذلك، ثم ابتسم قليلا وقال:
– بتعرف قديش الي طالع من السجن ..؟.
– نظرت اليه، فقال مواصلا: 22 يوم فقط ، والله العظيم كنت واقف ع الفرن لآخد الخبزات ماشفتهن الا شحطوني، ياسيدي خمس شهور وست تيام خلوني عندهن .. والله اللي شفتو مابيتصدق.
كنا نقترب من الحاجز، قال لي: هلا بعد الحاجز بكملك .
وقفت السيارة بجانب العسكري، كنا قد اخرجنا هوياتنا كالعادة، تناول العسكري هوية السائق وتمعن بها ثم أعادها له، وتناول هويتي، تمعن بها ثم ابتسم قائلا:
– أهلااا بابن البلد .. كيفها الديلي ؟؟. ( الدالية اسم قريتي وهي مسجلة على هويتي وتلفظ بالعامية “الديلي” ).
قلت له : بخير .. ماشي حالها.
ضرب بيده على سقف السيارة وقال:
– الله معكن ..حرّك.
أقلعت السيارة، لكن السائق كان قد تغير تماماً، تحاشى النظر إليّ، وصمت، وعندما طلبت منه إكمال قصته قال:
– الحمد لله طلعوا الجماعة أوادم، بس عرفوا إنو ما الي علاقة طالعوني.
أدركت أن كل الثقة التي كانت قد نشأت بيننا قد انهارت، لكن احساسي بأنني صنفت عكس ما أنا عليه دفعني لأن أحاول إعادة الثقة مرة أخرى، قلت له:
– بعرف انك خفت لما عرفت من وين أنا، بس صدقني انت غلطان، اذا بدنا نضل نتعامل مع بعضنا هيك بحياتنا مارح نقدر نتخلص من هاد النظام اللي مابيشوفنا كلنا إلا عبيد…
كان يستمع صامتاً، وعندما وصلت في حديثي الى سوريا وواجبنا كسوريين أن نحميها وعن ندافع عنها بأسناننا، كانت دمعة تتجمع في عينيه…..
تنهد طويلا قال لي :
– آآآخخخ شو بدي احكيلك … والله العظيم في الثلاثة أشهر الأولى من سجني كانو يشبحوني كل يوم ست ساعات ، كان بدهن اطلع ع التلفزيون واعترف انو نقلت سلاح، ماكنت اقبل لأنو بعرف انهن رح يعدموني بعد مايطالعوني ع التلفزيون، وحياة اولادي بحياتي ما حكيت كلمة .. بالسياسة، انا استاذ تاريخ، أهلي نزحوا من الجولان بحرب ال 67 وانا ولدت هون بالشام، تخيل انو كان وزني 85 كيلو ..لما طلعت من السجن كان وزني 46 كيلو، ولادي ومرتي ماعرفوني…
مابتصدق التعذيب اللي عم يصير، مابتصدق هالشباب اللي عم يموتوا يا الله قديش عم يموتوا عالم… شو بدي احكيلك لأحكيلك..؟؟.
بتعرف كيف طلعت من السجن … ؟؟ الله وكيلك باعت مرتي البيت اللي هو جنى عمري ودفعتو الهن لطالعوني من السجن… بتتخيل انت انو تكون ناطر خبزاتك ع الفرن وفجأة تنقلب حياتك فوقاني تحتاني.
وهو يتحدث عن فاجعته دمعت عيناي، قال لي عندما رآها:
– دمعتك بتسوى الدنيا ، رح نضل سوريين اجباري عنهن…. بس يا أخي الذل بيقهر، والعجز بيقهر…
لم أكن قادرا على الكلام … كنت أبكي بصمت.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية