حين بكى لوريا ذات يوم

محمد الرديني

الدول المتحضرة والسباقة في نقدومراجعة سياساتها وتاريخها في بعض هناته الغت امتحانات البكالوريا منذ سنوات عديدة، وحين سمعت جدتي بذلك قالت وهي التي لاتعرف القراءة والكتابة:
معاهم حق.. والله خطوة حكيمة.. فالبكالوريا مثل طبخة امك حين كانت في سن الصبا فهي تضع الباميا والباذنجان ولحمة الخروف مع السبانغ والبصل والثوم والبقدونس في قدر واحد وتطبخه لتقول ذلك “راح تاكلون اصابعكم من وراها” وحين نذوقها نتحسر على اننا لم نأكل اصابعنا بل على معدتنا التي استقبلت ماءا ساخنا لاطعم له ولا رائحة.
ويعقب جدك ضاحكا: حشو بطن ياحجية.. أي مو احسن من ماكو.
ولكن امك تصيح “في بطنكم ولا بالزبالة”.
ماعلينا..
صاحبنا بهاء الاعرجي يصول هذه الايام ويجول ولاندري من الذي اخبره بانه حسن الوجه طيب الملامح حليق الشارب مزين اللحى.
الاعرجي هذا اقترح على وزارة التربية اجراء دور ثالث للطلبة الراسبين، وسارعت هذه الوزارة برئاسة السيد محمد تميم الى الموافقة على هذا الاقتراح شرط موافقة رئاسة الوزراء.
هل يعتقد امثال هؤلاء انهم يحققون مكسبا تربويا وتعليميا لهؤلاء الطلبة الراسبين ام انهم يتسببون في ضياعهم مرة اخرى؟.
من يدري فربما يطلع علينا الاعرجي في السنة المقبلة ،اذا ظل عضو برطمان باذن الله، باقتراح باجراء دور خامس وعاشر الى الطلبة الراسبين وسيقول لقد قررت وزارة التربية اجراء الامتحان للراسبين الى ان ينجحوا وان شاء الله يجري 20 امتحان.
كيف يمكن للطالب الذي لم ينجح في الدور الاول ولا بالدور الثاني ان ينجح في الدور الثالث؟
هذه واحدة…
هل سأل الاخ محمد تميم خبراء التربية في البلاد عن سبب التسرب والرسوب بهذه الكثافة؟ ولماذا بات الطلاب يكرهون الدراسة ويلعنون من اسسّها ونفذّها؟.
هل بذل السيد محمد تميم او بهاء الاعرجي جهدا بسيطا وحملا مالذ وطاب وذهبا لزيارة فاطمة التي سجلت في موسوعة جينيز كأصغر فنية تصليح ماطورات المحولات وسألوها لماذا تركت الدراسة؟.
هل شاهدوا دمعاتها وهي تقول اني احب الدراسة واريد ان اكمل تعليمي؟.
هناك الآلآف من امثال فطومة يعيشون في اثرى مدن العراق “النجف ،كربلاء، البصرة، كركوك وغيرها” ولا يجدون وقتا الا لطلب الرزق بدل العلم.
هل يعرف وزير التربية ماذا يعني التسرب الدراسي وكيفية علاجه ام يريد ان يسأل من يهمه الامر؟.
المشكلة ليست في نجاح الطالب من عدمه.. المشكلة تكمن في اخطبوط هيكل التعليم الذي ادار الكل ظهره له وجعلوه يصول ويجول دون رقيب.
لاندري كم عدد الراسبين من ال(300 ألف) طالب الذين شاركوا في الامتحانات النهائية.
لاندري كم عدد الراسبين من ال(800 ألف)طالب الذين شاركوا في الامتحانات غير النهائية؟.
هل من حريص في مكتب مفتش التربية العام يجيب على سؤال عن جدوى اجراء امتحانات البكالوريا؟.
واذا اجاب واقتنع السائل بجوابه وهذا من سابع المستحيلات فهل يقول لنا ما هو موقف دول الكفار التي لا تهضم قبول هؤلاء الطلاب في جامعاتها وفي كل الاختصاصات؟.
هل لنا من معين على عقولكم ايها السادة..
هيأنا لكم كل اساليب السرقة والنهب والسلب فاتركوا على الاقل اولادنا يشقون طريقهم التعليمي كما يريدون.
ولكن من تخاطب؟.
هل تخاطب محمد تميم الذي يشترط موافقة ولي الامر على اختيار الابن لاختصاصه الدراسي في الجامعة؟.
هل يدري ابن تميم هذا ان هناك 6 ملايين امي عراقي لايعرفون الفرق بين البيئة والمجاري او بين الهندسة وميكانيك السيارات.
ولكن من تخاطب؟.
هل تخاطب بهاء الاعرجي الذي يريد من مسيحيي العراق ان يصدروا بيانا يدينون فيه “الفيلم المسيء” وهم لاناقة لهم ولا بعير في ذلك؟.
انك عبقري ايها الاعرجي فحين يناقشك المسيحيون فيما قلته ستجد حجتك كما وجدتها ايران في القول”روحوا الى اقاربكم في استراليا والسويد”.
اما انت فستذهب حتما الى ايرلندا مسقط جواز سفرك ولكن الى حين.

تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.