حكومة خيال المآته

محمد الرديني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اصدق المرسلين
اما بعد..
فقد جاءني امس إيميل على صفحتي في الفيسبوك التي عانيت الكثير في أعدادها ولم انجح حتى تدخل ابن الجيران ذو الحادية عشرة ليفك لي الطلاسم.
وحين رأيتها صورتي في هذه الصفحة وهي ترقص أمامي طرت فرحا بل وركضت الى باحة الدار وانا ارى صورتي حين كنت شابا أتجول بمشحوفي بين مياه الناصرية.
بصراحة شباب سهرت تلك الليلة. وانا لا شغل لي ولاعمل بس انظر الى صورتي…. يا سلام ..ترى أنا مهضوم وما ادري بحالي.. عود ليش مرتي ما فرحت لمن شافت الصورة .. ? وليش صاحت بي : انت كبالي صار لك ٥٠ سنة.. يابه دتطير.
وبالفعل شباب طرت ورحت الى مكان بعيد.. بعيد جداً وبالصدفة وانا طاير لكيت كدامي شاب متلحف بقماش ابيض ورافع ايديه للسما.
حركت مجدافي وطرت صوبه.. سالته وانا بموازاته في الطيران.. شلونك ابن اخوي؟
الحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه.
ونعم بالله .. لكن كلي انت هم عندك صفحة بألفيسبوك مثلي.
لا يا عمي أنا كنت ضابط مرور في بلد المسلمين وانفجرت يمي سيارة وصرت أنا والأفراد مخلمة .
وين صرت بعدين؟
هاي تشوفين هنا طاير بالهوى.
وبعدين؟
عمي انت شنو تريد مني أنا ابخت جدك؟
لا عمي لا تزعل مني كنت اريد أسالك بس مادام انت عصبي هسه خليها بعدين.
أنا مو عصبي حجي بس تعبت من الطيران.. يوميا أسير بنفس الخط رايح جاي .
مو أحسن لك تبقى بعيد عن القيل والقال ووجع الرأس وكال الرئيس وحجى الريس.
لا والله حجي مو أحسن .. يعني معقولة أظل طاير لا بالسما ولا بالكاع.. المهم ،شنو سؤالك حجي؟
عندي ابني يدرس بره.. يكول مودة التعداد السكاني صارت مثل سيارات الإطفاء اول ما طلعت.. على ذكر السيارات سألني اخر مرة سؤال بصراحة ما عرفت اجاوب عليه.. يكول السيارة مثل الانسان عندها ملف بكل التفاصيل .. بيها رقم شاصي..بيها رقم محرك..بيها تاريخ التصنيع ..بيها لوحة أرقام .. بيها..
عمي شنو تريد تكول دخيلك.
على كيفك عمي..أخذني على كد عقلي..مو كل سيارة مسجلة بإدارة المرور؟
اي وبعدين؟
ابني دير بالك ترى اكو طيارين جايين صوبنا.
ما تخاف ذولة عرف.
خوي لعد… من تنفجر السيارة وتكتل اولاد الخايبه مو لازم شرطة المرور والتحريات تعرف منو صاحب هاي السيارة ووين مسجلة من خلال الأرقام اللي باقية منها كم رقم؟مو صحيح؟.
صحيح.
زين ليش ساكتين لحد الان؟.
عمي انت من وين؟.
من الجبايش.
تشوف ذاك القصر.. اشكد حلو من بره بس ترى هو سجن ومقسوم قسمين.. قسم لأمثالك اللي يسألون اسئلة مالها معنى.
والقسم الثاني؟؟.
هذا القسم للناس اللي يجاوبون صح على اسئلتك.
عمي ترى كل شي ما افتهمت.
عمي في بيتكم اكو حديقة؟.
نعم .. صغيرة وبيها زارع كراث ولوبيا وفجل ونعناع.
زين ومن تريد تخوف العصافير حتى لايجون ياكلون الزرع شتسوي؟.
عندي عصا طويلة ولابسة دشداشة.
وشنو اسمها؟.
خيال المآته.
زين.. وشنو رأيك بالقاعدة.
لالا عمي اهين يخليك انا ما اتدخل بالسياسة.
ولك عمي.. ذوله خيال المآته.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.