حب بشروط النظام

لا أعرف ملَّته بعد.

لم أسأله لأنى لا أريد أن أزج به فى عالم التفرقة والهويات. طاهر هذا اللقاء.

كنا نستمتع بالموسيقى فى أول لقاء بيننا، لم يكن صحيحاً أن أخلط الموسيقى بسخافات حول المذاهب. لم يكن جائزاً أن أضيع نشوة لن تتكرر.

لم أسأله عن أصله، تماديت فى التحرر من كل العُقد التى حاول المجتمع أن يملأنى بها.

مسيحى. مسلم. شيعى أو سُنّى. من منا يقوى على إعلان حب محرَّم؟ من يمكنه أن يثور فى وجه نظام اجتماعى عقيم؟

من يقوى على إعلان حب بلا غايات أو أهداف؟ وكيف تمكنت الأنظمة من ربط الحب بالمؤسسة والدولة بوقاحة؟

اختلف توأم الروح. فرضت عليه القوانين مواصفات ومقاييس تبعتُها زمنَ جاهليتى. أن تحمل جوازاتنا نفس اللون. أن يكون عرقنا واحداً. طبقتنا المخملية القشرية واحدة. نفس الدين، نفس الملة، نفس المذهب، ولو أننا من نفس القبيلة فذلك الحلم المجتمعى المنشود. بيئة تخاف الاختلاط، وتحكم على مشاعر أبنائها بالانحسار فى إناء الجمود والكراهية.

مطلوب حب داخل الحدود. فكيف أتخلص من شجن وجاذب نشآ خارج المكان؟ كيف، والدولة تشترط موافقتها على أى علاقة حب بين أرضين.

ورجال العقيدة والدين فرضوا إزعاجاً بدأ تصديره لبقية المجتمعات. كتبوا فى مناهج التربية أن الحب محرم بأدلة ثبوتية. تآمر الطرفان على قلوب الملايين الغفيرة. لكنى أرى علاقات لا حصر لها تتجاوز بدع وتخاريف أهل الدين المنحرفين. الفتاوى تنتشر بكثرة والمجتمع لا يأخذ بها جميعها. هناك أمور يستطيعها وأمور تخالف بشريته فيخالفها بهدوء.

العاشقان يتبادلان أسئلة تعارف خبيثة: نسبك؟ ملتك؟ من أين أنت؟.. كله أملاً فى تحقيق التطابق مع الشروط والقوانين والقوميات والأديان.

لم أسأله وقتها عن شىء. اكتفيت بجاذب يكفينى عمراً بأكمله. ولتسقط الحكومات وفتاوى منافقيها.

المفارقة أنى أعيش الآن أقصى التناقضات. فى الوقت الذى أتجاهل فيه عدم قبول البيئة بتحالفنا أميل لفكرة أنك بعيد عنى. فأنا أكره الالتصاق، والملل سريع الوصول إلىَّ، الملل توأمى فى حضور رجل لا يغيب. لكن الابتعاد الذى أقصده هو مسافة محببة من صنع أيدينا لا حواجز قمعية بفعل فاعل.

أو تكون هذه الفكرة مجرد شىء أصبِّر به نفسى؟

أيشبه الحب الحرية؟ أيستحق التضحيات الكبيرة؟ تقول الدراسات العلمية الجافة إنه مجرد تفاعلات كيميائية مؤقتة. وعليه فلكل إنسان فرصة الدخول فى علاقة حب أكثر من مرة خلال حياته.

إلا الحب على طريقة الشاعر العربى القديم، فهى تبعد عنه صفة المؤقت، وتطيله أكثر مما تتخيله الدراسات. أركان الشعر القديم كانوا ثلاثة: الشاعر، وحبيبته، وعنصر المسافة. كان الشاعر يعشقها غائبة دائماً. وأكثر ما قرأناه من أشعار كان لأجل حبيبة مجهولة أو صعبة المنال أو تسكن بعيداً. ويبلغ إبداع الشاعر قمته بمتعة العذاب والهوان لامرأة لا تربطه بها مواعيد ولقاءات منظمة.

واليوم تمر علينا أطول فترة ربطتنى بإنسان. أذكر تفاصيل لقائنا كأنى أمر بها الآن. وتصدح الموسيقى برأسى كأنى أعيشها الآن.

وأهيم بك من جديد. أياً كان أصلك ومذهبك. يا قريب. يا بعيد.

 

About نادين البدير

كاتبة صحفية سعودية , قناة الحرة
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.