حبيبي من اين لك هذه الطائرة؟

محمد الرديني

لو اشترى بيل غيتس قارة من القارات الخمس لما اثار حفيظة احد..ولو اشترى اسطولا من الطائرات وسلسلة لاتحصى من فنادق السبع نجوم لما اعترض احد.
فهذا الرجل الذي حاز على اعجاب شعوب الارض بدءا من سكان السيبة في جنوب العراق وانتهاءا بالشباب المراهقين في هضبة التبت والذي بدأ حياته مع الكمبيوتر وهو لم يزل في الرابعة عشرة من عمره، له كل الحق ان يفعل مايريد،كيف لا وهو العصامي الذي قدّم للبشرية البيان رقم 1 في ثورة المعلومات.. كيف لا وهو الان يتقاضى 20 مليون دولار يوميا بعرق جبينه.. لم يسرق، لم يسطو على نفط بلاده،لم يرافقه جيش جرار من الحماية اين ما رحل، لم يوقع عقودا وهمية للكهرباء او السونار ولم..ولم.
كانت آخر مآثره انه صرف راتبا تقاعديا لعائلة الشابة الباكستانية التي كانت “فلتة” في الكمبيوتر قبل ان تموت.
انه انسان بمعنى الكلمة ،لم تغره مظاهر الحياة بل مازال يسعى ليقدم للبشرية اروع ما عنده.
ومع هذا فهو لم يملك طائرة خاصة رغم حاجته الماسة اليها، ولايملك قصرا على الريفيرا رغم انه وبجرة قلم يستطيع شراء الريفيرا ومن فيها.
ظل محافظا على تاريخه الشخصي.. تأريخ الكفاح والعمل من اجل البشرية.
اللهم لاحسد.
اللهم زد وبارك.
لست بصدد ان اسأل الزعيم الشاب مقتدى الصدر عن كيفية امتلاكه لطائرة خاصة وكيف؟. ولكني اعرف مثل كل البسطاء في هذه المعمورة ان الطائرة الخاصة تكلف الملايين سنويا حتى ولو كانت جاثمة على الارض.
فهي بحاجة الى طاقم يقودها وبالتأكيد تصرف لكل واحد منهم راتب حسب الاهلية عدا ان راتب ملاح الطائرة ومساعده يفوق راتب عميد في كلية من كليات التعليم العالي والبحث العلمي التي ستبنى فيها جوامع ذو منارتين.
وهي ايضا بحاجة الى طاقم فني يجري عليها الصيانة بشكل دوري ولكل واحد منهم راتب يفوق وارد الحاج زبالة من عصيره لمدة سنة كاملة.
وهي بحاجة ايضا لطاقم غذاء يجهز الطائرة بالمأكولات والمشروبات في كل اقلاع وهذا الطاقم يستلم راتبه من شركته الخاصة ولكن الذي يدفع هو صاحب الطائرة.
الطائرة ايضا بحاجة الى قطع غيار للاستدامة، وهذه القطع غير متوفرة محليا ولابد من استيرادها من بلاد الكفار، والاستيراد يشمل سعر القطعة مع العمولة مع تكاليف الشحن الى بلد المسلمين ثم الى مكان الطائرة الجاثمة.
لاندري كم سعة خزان الوقود الذي صمم في هذه الطائرة ولكن المعروف ان خزان الطائرات العادية وليست العملاقة يستوعب اكثر من 5 اطنان من الوقود ويمكن لأي مطلّع على اسعار وقود الطائرات ان”ينورنا” بها وبسعر هذه الايام.
لاننسى طاقم الحماية الذي سيكون مرابطا ليل نهار جنب الطائرة خوفا من ارهابي يضع كمية من السكر في خزان الوقود.
لسنا معنيين بتكلفة الطائرة ولا حجمها ولا لونها ولا الحناء التي على جدرانها، ولكن ولأننا من اتباع هذا الدين الحنيف اعتقد انه يحق لنا ان نتساءل عن ضرورة امتلاك رجل دين مثل مقتدى الصدر لطائرة خاصة؟.
ويقسم كل الذين رأواه وهو يقرأ احدى الصحف في طائرته الخاصة انهم لايكنون اي حسد او غيرة منه ولكنهم يتساءلون عن السبب.
فاذا كان كثير الزيارات الى ايران فيمكن لحكومة قم ان تبعث له طائرة خاصة في كل مرة رغم اننا لانعتقد ذلك لأنه اصبح من المغضوب عليهم في الايام الاخيرة.
واذا كانت له زيارات مكوكية الى كردستان العراق فطائرات الهليكوبتر متوفرة والحمد لله ورأسمالها مكالمة هاتفية موجزة الى سعادة رئيس الوزراء.
واذا كانت له زيارات مكوكية اخرى لدول الخليج فحكامها “غصبا” عليهم يبعثون له طائرة بل اسطول طائرات خاصة كما فعلت الكويت.
اذن لماذا؟.
هل يمكن القول ان الطائرة الخاصة اكثر امانا ضد الارهاب من سيارات مونيكا؟.
افتونا يرحمكم الله.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.