ج 9 / الساعات الجيولوجيّة والنظائر المُشعّة ! قراءة في كتاب أعظم عَرض على وَجه الأرض ,د. ريتشارد داوكنز!

رعد الحافظ

رعد الحافظ

مقدمة :
في هذا الجزء يتحدّث مؤلف هذا الكتاب العِلمي المحترم عن كيفية معرفتنا أعمار الصخور والمتحجرّات المطمورة فيها والإستعانة بها لتدعيم نظرية التطوّر والإنتقاء الطبيعي (التي أصبحت حقيقة علمية راسخة)!
يقول داوكنز :
إنْ كان منكرو التأريخ يشكّوون بحقيقة التطوّر ,جاهلينَ بعلمِ الأحياء .
فإنّ الذين يعتقدون أنّ العالّم قد بدأ منذ أقلّ من 10 آلاف عام هم أسوء من جاهلين! هم مُضلّلون الى درجةِ العناد!
إنّهم يُنكرون ليس فقط حقائق عِلم الاحياء ,إنّما أيضاً تلك الحقائق الخاصة بالفيزياء والكيمياء والجيولوجي وعلم الكون وعلم الآثار والتأريخ!
هذا الفصل يقدّم الدليل على أنّ مقياس الزمن الذي دارَت الحياة خلاله على هذا الكوكب تُقاس ليس بآلاف السنين ,إنّما بآلاف ملايين السنين!
***
ص 55 / مسرَحُ الجريمة!
ذكرنا سابقاً أنّ علماء التطوّر هم بمثابة المُحققين الذين وصلوا مسرحَ الجريمة مُتأخرينَ ,ليحدّدوا متى حدثت الأشياء!
هنا نحنُ نعتمد على آثار تركتها عمليّات تعتمد على الوقت!
ساعات بالمعنى الواسع للكلمة!
أوّل شيء يفعله المحقق في جريمة قتل سؤالهِ للطبيب الشرعي أن يقدّر وقتَ الوفاة .لأنّ الكثير ينبع من هذه المعلومة!
إنّ وقت الوفاة حقيقة مِعياريّة ,محور معصوم من الخطأ تدور حوله تخمينات لاتصدق تقريباً من قبل المُحقق!
لكن قد يصيب (تقدير الوقت) بعض الخطأ .خطأ يمكن قياسه ,أو ربّما يكون كبيراً تماماً.لذا يستعمل الطبيب الشرعي أو (أخصائي الأمراض) بضعة خطوات علمية لتقدير وقت الوفاة!
درجة تبرّد الجسم بمعدّل معين ,تيبّس الجثة ينشأ في وقتٍ معين..الخ!
هذه هي الساعات البسيطة يقيناً المُتاحة للمُحقق في جريمة قتل!
بينما الساعات المُتاحة لعالِم التطوّر هي أكثر دقة بكثير في قدرتها بالنسبة لمقياس الوقت المتضمَن!
في الواقع قياس عمر صخرة من العصر الجوراسي بيد عالم جيولوجي هو أكثر دقّة من قياس زمن وفاة جثة باردة بين يدي طبيب شرعي!
***
ص 56 / الفرق بين الساعات المصنوعة بشريّاً والساعات الطبيعية!
إنّ الساعات المصنوعة بشريّاً تعمل على مقاييس وقت قصيرة جداً ,
ساعات دقائق ثواني .عملياتها سريعة كتأرجح بندول ,دوران زنبرك شعري ,تذبذب بلورة ,إحتراق شمعة ,جفاف إناء مياه ,أو ساعة رملية ,أو دوران الأرض حول نفسها مُسجلاً بمزولة شمسيّة!
كلّ هذه الساعات تعتمد على عملية معيّنة تحدث بمعدّل ثابت ومعروف!
لكن لغرض التحرّي عن التطوّر فنحنُ لانحتاج ساعة تخبرنا بالوقت الحاضر فحسب (كما تفعل ساعةُ اليد) ,إنّما نحتاج شيء أقرب الى ساعةِ الإيقاف بحيث يمكن إعادتها الى الصفر أو نقطة البدء!
تحتاج ساعتنا (التطوّرية) الى أن تُصفَّر عند نقطة معيّنة .بحيث يمكننا أن نحسب الوقت المُنقضي منذ نقطة البداية ,ليعطينا مثلاً العمر المضبوط تماماً لشيءٍ ما كالصخرة!
كمثال على ذلك فإنّ الساعات النشطة إشعاعيّاً لتأريخ الصخور الناريّة (البركانيّة) تُصفَّر على نحوٍ ملائم .بمعنى تعود الى اللحظة التي تشكلّت فيها الصخرة بتصلّب الحِمَمْ المُنصَهِرة!
لحسن الحظ فإنّ تنويعة من الساعات الطبيعية القابلة للتصفير متاحة!
هذا شيء جيد حيث يمكننا إستخدام بعض الساعات للتحقق من صحة الساعات الأخرى!
كذلك تغطي تلك الساعات (الطبيعيّة) مدىً واسع من مقاييس الوقت!
وقت ربّما يمتد لمئات الملايين أو مليارات السنين!
***
ص 57 / حلقات الأشجار!
يمكن إستعمال حلقات الأشجار الداخليّة لقياس عُمر قطعة من الخشب!
على سبيل المثال ,عارضة خشبيّة في بيت السلالة الملكيّة البريطانيّة لأسرة تودور ,يمكنها أن تعطينا عمرها بدّقة مدهشة حتى أقرب سنة!
كيف تعمل هذهِ الآليّة؟
نعلم جميعاً أنّ تحديد عُمر شجرة مقطوعة حديثاً سهل جداً عن طريق عدّ الحلقات في جذعها .مُفترضين أنّ الحلقة الأبعد تُمثّل الحاضر!
تُمثِّل الحلقات نمواً مُتبايناً في المواسم المختلفة من السنة ,الشتاء والصيف ,موسم جاف أو رطب .وهي واضحة بشكلٍ خاص عند الخطوط العُليا حيث يكون هناك إختلاف واضح بين الفصول!
بالطبع نحن لا نحتاج لقتل الشجرة أو إقتطاعها من جذورها لنُحدّد عمرها!
يكفي عمل ثقب في منتصف الشجرة وإستخراج عيّنة من اللب!
من جهة أخرى فإنّ مجرّد عدّ الحلقات لا يخبرك في أيّ قرن عاشت عارضة منزلك أو صاري مركبك العتيق!
تحديد عمر الخشبة بدّقة يحتاج النظر الى أنماط الحلقات السميكة والرقيقة!
والسنوات الجيّدة للشجرة (حسب عوامل المناخ) ,تنتج حلقات أعرض من السنوات الرديئة .ونمط تلك الحلقات تشبه بصمة الإصبع لغرض التمييز!
***
ص 58 / ماذا عن الأشجار القديمة جداً؟
يقيس عُلماء تأريخ الأشجار الحلقات من الأشجار المُعاصرة .ويعرفون التأريخ الدقيق لكل حلقة بالعدّ عودةً الى السنة التي يُعرَف أن الشجرة قد قُطعَت فيها!
من هذه القياسات يُنشؤون مجموعة مَرجعيّة من أنماط الحلقات!
يُمكنك إستعمالها للمقارنة مع أنماط حلقات عيّنة أثريّة لا تعرف تأريخها!
لذا ستحصل على التقرير التالي :
[هذه العارِضة المَلكيّة لأسرة تودور تحتوي تسلسلاً كالتوقيع لحلقاتها يتطابق مع تسلسل من المجموعة المرجعيّة التي عاشت بين الأعوام 1541 ــ 1547 .وإذاً فإنّ المَنزل قد بُنيّ بعد عام 1547].
كلّ هذا جيّد ,لكن ليس كثير من أشجار عصرنا كانت حيّة زمن أسرة تودور الملكيّة .ناهيك عن العصر الحجري وما بعده!
هناك بعض الأشجار (كالصنوبر المخروطي) تعيش آلاف الأعوام .إنّما معظم الأشجار المُستخدمة كدعامات تُقطع عندما تكون بعمر قرن أو أقلّ. فكيف إذاً نكوّن (مجموعة مرجعيّة) لحلقات الأزمنة القديمة جداً ؟
نستعين بما يسمى التزامنات أو التداخل الزمني في علم تأريخ الأشجار!
(هنا يشرح داوكنز هذه الفكرة بإسهاب لكنّي سأختصرها كثيراً)!
نحدّد بصمة (حلقة) من الحلقات القديمة في الأشجار المُعاصرة .ثم نبحث عن تلك البصمة في الأشجار القديمة ,حيث ستكون حديثة بالنسبة لها!
وهكذا يستمر العلماء بالرجوع الى الخلف ملايين السنين وصولاً الى الغابات المتحجرة!
المُدهِش في هذه الطريقة المُستخدمة في عِلم تأريخ الأشجار أنّها توصلنا الى أقرب سنة لعُمر الشجرة حتى في غابة متحجرة تعود لمئة مليون عام.
***
(شكل توضيحي لكيفية عمل عِلم تأريخ الأشجار)

نفس المبدأ يمكن إستعماله وبنفس الدقّة لكن مع مواد أخرى مثل :
1 / الطين الرقائقي الحَولي Varves :هذه طبقات رسوبية تشكلت في بحيرات العصر الجليدي وهي تتنوّع موسميّاً من سنة لأخرى!
2 / الشُعَب المرجانية :لها حلقات نمو سنويّة تماماً كالأشجار!
وعلى نحوٍ رائع قد إستخدمت الشُعب المرجانية (كما الأشجار) في تحديد تواريخ الزلازل القديمة!
***
ص 59 / النظائر النشطة إشعاعيّاً!
هناك أنواع عديدة من الساعات النشطة إشعاعيّاً ,تغطي زمن يمتد من بضعة قرون الى ملايين القرون .لها هامش خطأ يصل الى 1% !
لفهم عمل تلك الساعات علينا أولاً فهم معنى النظير النشط إشعاعيّاً!
كلّ مادة تتكوّن من عناصر ,عادةً تتحد مع عناصر أخرى!
هناك مايقرب من 100 عنصر في الطبيعة ,مثل الكربون الحديد النتروجين الالمنيوم المغنيسيوم الفلورين الآركون الكلور الصوديوم اليورانيوم الرصاص الاوكسجين البوتاسيوم القصدير ..الخ!
إنّ النظرية الذريّة التي أعتقد أن كلّ واحد يقبلها حتى الخلقيّون أنفسهم والتي بدأت كفكرة فلسفية منذ عهد الأغريق ,ثم تبلورت تدريجياً حتى دخلت الوسط العلمي أوائل القرن التاسع عشر!
هذه النظرية تقول أنّ كلّ عنصر له ذرّة خاصة به مميزة الصفات!
والذرّة هي أصغر جُسيم يمكنك تقسيم العنصر إليه ,دون أن يفقد صفاته!
النموذج الذرّي لعالم الفيزياء الدانماركي العظيم نيلز بوهر (الذي أصبح الآن خارج الصلاحية) هو أشبه بمُصغّر للنظام الشمسي!
ثلاث جسيمات تدخل في تكوين الذرّة هي النيوترونات البروتونات الإلكترونات.الأخيرتين لهم شحنة كهربائية متناقضة موجب وسالب!
النيوترونات مقيّدة داخل نواة الذرة (كما البروتونات) ,لكنّها لا تحمل شحنة كهربائية ولا تلعب أيّ دور في التفاعلات الكيميائية!
***
ص 60 / مبدأ عمل الساعات النشطة إشعاعيّاً!
إنّ الپروتونات والنيوترونات والإلكترونات في أيّ عنصر هي نفسها بالضبط كما في كلّ عنصر آخر (مع فارق العدد بالطبع)!
لا يوجد شيء على غرار بروتون بنكهة الذهب أو إلكترون بنكهة النحاس أو نيوترون بنكهة البوتاسيوم !
البروتون هو البروتون هو البروتون في الثلاث عناصر!
ما يجعل ذرّة النحاس نُحاساً أنّها تحوي 29 پروتون و29 إلكترون بالضبط!
إنّ ما نعتقد به في العادة كطبيعة للنحاس هو مسألة كيمياء!
الكيمياء هي رقص الإلكترونات!
كلّ المسألة تتعلق بتفاعلات الذرّات من خلال الإلكترونات!
الروابط الكيميائية سهلة الكسر والإعادة ,لأنّ الألكترونات هي فقط التي تُفصَل أو تُبدَّل في التفاعلات الكيميائيّة!
أمّا قوى الجَذب داخل أنوية الذرّة فأصعبُ كسراً بكثير!
لهذا السبب يُحاط (الإنشطار النووي) بكلّ تلك الهالة من الخطورة!
مع ذلك هو ممكن الحدوث في الطبيعة ,في التفاعلات النووية التي هي نقيض التفاعلات الكيميائية!
الساعات النشطة إشعاعيّاً تعتمد على هذا النوع من التفاعلات!
***
ص 60 / تذكير بمفاهيم الذرّة وصولاً لفهم مبدأ النظائر المُشعّة!
العدد الذرّي :هو عدد البروتونات الموجودة في نواة الذرّة!
العدد الكتلي : يساوي مجموع عددي الپروتونات والنيوترونات!
(هذا بسبب إهمال كتلة الإلكترونات كونها تافهة لا قيمة لها)!
العدد الذرّي هو الذي يُحدّد نوع العنصر الكيميائي في الجدول الدوري!
يعني عدد الپروتونات (وليس النيوترونات) ,يعطي سمة مميزة للعنصر!
في الذرة (مُتعادلة الشحنة) يكون عدد الإلكترونات مساوٍ لعدد البروتونات أيّ مساوٍ للعدد الذرّي!
غالباً ,العدد الكُتَلي أكثر بقليل من ضعف العدد الذرّي!
لأنّه عادةً هناك نيوترونات أكثر من الپروتونات بقليل!
الآن ماهي النظائر؟
هي نفس العناصر بمعنى نفس عدد الپروتونات ,لكن لها عدد مختلف من النيوترونات .مثلاً عنصر الفلورين له نظير واحد موجود طبيعيّاً!
العدد الذرّي للفلورين هو 9 (بمعنى له تسع پروتونات)!
بينما العدد الكتلي له هو 19 (بمعنى له 10 نيوترونات) ,أليس كذلك؟
بالطبع هناك عناصر أخرى لديها الكثير من النظائر!
الرصاص مثلاً له خمس نظائر شائعة الوجود ,كلّها لها نفس عدد البروتونات (والإلكترونات) ,بمعنى نفس العدد الذرّي ,وبالتحديد 82 .
لكن العدد الكُتلي لنظائر الرصاص تتراوح ما بين 202 و 208 !
كذلك عنصر الكربون له ثلاث نظائر موجودة طبيعيّاً !
الكربون 12 هو الشائع (له عدد پروتونات ونيوترونات متساوٍ 6)
بينما الكربون 13 هو أقصر عمراً من أن يجعلنا نلتفت له!
أمّا الكربون 14 (له 6 پروتون و 8 نيوترون) فهو نادر ,لكنّه مفيد جداً في حساب تأريخ العيّنات العضوية كما سنرى لاحقاً !
***
ص 61 / فروق مهمة بين النظائر!
بعض النظائر مُستقرة والبعض الآخر غير مستقر أو (نَشِط إشعاعيّاً)!
نظائر الرصاص 204 , 206 , 207 , 208 كلّها مستقرة !
بينما الرصاص 202 هو نظير غير مستقر!
غير مستقر تعني أنّ الذرّات تتحلّل تلقائياً الى شيء آخر ,وفق مُعدّل يمكن التنبّؤ به ,لكن ليس ضمن لحظات يمكن التنبّؤ بها!
قابليّة التوّقع لمُعدّل التحلّل هي مفتاح كلّ الساعات التي تقيس الإشعاع!
هناك كلمة أخرى تعبّر عن (غير مستقر) هي (نَشِط إشعاعيّاً) !
هناك أيضاً انواع عديدة من التحلّل الإشعاعي ,ممّا يعطينا بدائل لساعات مفيدة حسب الغرض المطلوب لقياس عمر شيء ما!
كلّ أنواع عدم (الثبات أو الإستقرار) في النظائر يعود الى النيوترونات!
في نوع أوّل من التحلّل الإشعاعي ,يتحوّل النيوترون الى پروتون .بالطبعً العدد الكتلي يظّل نفسه (الپروتونات والنيوترونات لها نفس الكتلة)!
لكن العدد الذرّي يصعد درجة واحدة (كون حدثت زيادة پروتون)!
من ثمّ تصبح الذرة عنصر آخر ,بدرجة واحدة أعلى في الجدول الدوري!
مثلاً يتحوّل الصوديوم 24 الى مغنيسيوم 24 .
بينما في نوع ثانٍ من التحلّل الإشعاعي يحدث العكس بالضبط ,إذ يتحوّل الپروتون الى نيوترون .وأيضاً يبقى (العدد الكتلي) هو نفسه!
لكن هذه المرّة العدد الذرّي ينقص واحد (حدث نقص پروتون) فتتحوّل الذرّة الى عنصر أدنى مُجاور في الجدول الدوري!
في نوع ثالث من التحلّل الإشعاعي (الذي ينتهي الى نفس النتيجة) يُصادف
أن يصطدم نيوترون شارد بنواة ويطرد پروتون منها ليأخذ مكانه ,هنا أيضاً لا يوجد تغيير في العدد الكتلي ,لكن العدد الذري ينحدر رقم واحد!
الآن إنتباه :
هناك نوع أكثر تعقيداً من التحلّل الإشعاعي تطرد فيه ذرّة منها ما يُسمى بجُسيم ألفا (الذي يتألّف من 2 پروتون و2 نيوترون ملتصقين ببعضهم)!
معناها العدد الكتلي ينحدر بأربعة .بينما العدد الذرّي ينحدر بإثنين!
فتتحوّل الذرة الى مقام العنصر الادنى برقمين في الجدول الدَوري!
كمثال على (تحلّل ألفا) هو التغيّر في النظير النَشِط جداً إشعاعيّاً
يورانيوم 238 (ذو 92 پروتون و 146 نيوترون) ,حيث يتحوّل الى ثوريوم (له 90 پروتون و144 نيوترون)!
***
ص 61 / مَربَط الفرس لهذا الموضوع!
الآن (يقول داوكنز) قد إقتربنا من مَربط فرس الموضوع برمّته!
فكلّ نَظير غير مستقر (بمعنى نشط إشعاعيّاً) يتحلّل وفقاً لمعدّلهِ المُميّز والمعروف بدّقة. بعض هذه المعدلات أبطأ من الأخرى كثيراً.
لكن في جميع الأحوال فإنّ التحلّل الإشعاعي اُسّي !
هذا يعني أنّك لو بدأتَ مثلاً بـ 100 غم من النظير المُشّع ,فلن يحدث أنّ كميّة ثابته منها (مثلاً 10 غرامات) تُترك متحوّلة الى عنصر آخر في وقت محدد!
إنّ المقياس المُفضّل لمُعدّل التحلّل الإشعاعي هو (نصف العمر)!
إنّ نصف العُمر لنظير مُشّع هو الوقت المُستغرق لتحلل نصف ذرّاته!
ونصف العمر ثابت دوماً لايفرق كَمْ من الذرّات قد تحلّل من قبل!
هذا هو معنى التحلّل الاُسيّ!
بعد مضيّ وقت كافٍ على تحلل العنصر (مثلاً عشرة أنصاف أعمار) سيكون عدد الذرّات المتبقيّة قليل للغاية! بحيث لأغراضنا العلمية نعتبرها إنتهت كلّها!
مثال :نصف عمر (الكربون 14) هو بين خمسة وستة آلاف عام!
لأجل عيّنات أقدم من هذا الرقم فإنّ تأريخ الكربون سيكون عديم الفائدة ونحتاج حينذاك للبحث عن ساعة أبطأ!
الآن لاحظوا ما يلي:
نصف عمر (الرابيديوم 87) ,هو 49 مليار عام!
بينما نصف عُمر (الفريميوم 244) ,هو 3,3 ملّي ثانية فقط !!!
(طبعاً معروف للجميع ملّي ثانية يعني واحد على ألف من الثانية)!
هل تلاحظون مدى إتساع الطيف المُدهِش من الساعات المُتاحة ؟
حيث كلّ نظير مُشّع سيكون له غرض خاص للإستعمال!
مثلاً (الكربون 15) نصف عمره 2,4 ثانية لا ينفعنا في القضايا التطوّريّة
بينما (الكربون 14) نصف عمره 5730 عام مناسب لقضايا الآثار!
أمّا (البوتاسيوم 40) فنصف عمره 1,26 مليار عام .فهو مناسب جداً و
يستعمل كثيراً لمقياس الزمن التطوّري .وهكذا مع باقي النظائر المُشعّة! (إنتهى الجزء التاسع)
***
الخلاصة :
بعد كلّ هذا الشرح الدقيق التفصيلي المخلِص للموضوع (الذي حاولت جاهداً إختصاره قدر الإمكان) ,يقول مؤلف الكتاب د. ريتشارد داوكنز:
ليس مُهماً للعامة فهم تفاصيل عمل الساعات التي تعتمد على النشاط الإشعاعي لبعض النظائر المُشعة .إنّما شرحتها فقط لأُظهِر المُستوى العظيم من تفاصيل عمل عُلماء الفيزياء في فهم مثل تلك الأشياء!
تفاصيل تُلقي ضوءاً فاضحاً تهكميّاً على المُحاولات اليائسة لأتباع مذهب الخَلق الذكي للتقليل من أهميّة شأن الدليل من التأريخ المعتمد على النشاط الإشعاعي ,من خلال التبريرات المغلوطة غير العلميّة .ليحفظوا كوكب الأرض (حسب تصورهم) حديث الوجود!
الآن أتمنّى من القرّاء الكرام أن يفكروا بمقارنة بسيطة لطريقة عمل وكتابة العُلماء الحقيقيين أمثال د.ريتشارد داوكنز ,مع طريقة (عُلماء الأمّة الأعلام ,البدو طبعاً)!
بعدها يحّق لي (الحُلُم والأمل) بالطريق الذي سيختارونه للمُضي في هذه الحياة :طريق العِلم / أم طريق الأوهام والخرافات؟

رعد الحافظ
1 أغسطس 2016

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.