ج 8 / الطبيعة بإعتبارها العامِل الإنتخابي ! قراءة في كتاب أعظم عَرض على وجه الأرض ,د.ريتشارد داوكنز!

رعد الحافظ

رعد الحافظ

مقدمة :
هذا الجزء سيتضمن ملخص كلام مؤلف هذا الكتاب العلمي الرائع للفصلين الثاني والثالث ,بجمل قصيرة سلسة واضحة!
يقارن فيها بين عملية (تدجين الكلاب) ,التي تمثّل الإنتخاب الإصطناعي الذي إستغرق بضعة قرون من الزمن فقط .مع الإنتخاب الطبيعي الذي يحصل لباقي الأحياء خلال ملايين القرون .ليمكننا تخيّل الفارق الذي قد يحصل في شكل وصفات وجينات الكائن الحيّ!
***
يقول داوكنز :
أنّ الإنتخاب في شكلهِ الإصطناعي الذي يقوم به البشر (مُربّو السُلالات)
يمكنه تحويل كلب برّي آسيوي (ضخم) ,الى كلب پكيني (صغير)!
أو يحوّلون الملفوف البرّي الى قرنبيط ,خلال قرون قلائل!
إنّ الإختلاف بين أيّ سُلالتين من الكلاب يعطينا فكرة مقتضبة عن حجم التغيّر التطوّري الذي يُمكن تحقيقه خلال أقلّ من ألفية (ألف عام)!
إنّ السؤال التالي الذي يجب أن نسأله هو :
كم عدد الألفيّات التي نحتاج عدّها لتمثّل كلّ تأريخ ظهور الحياة؟
لو تصوّرنا الكَمّ المُجرّد للإختلاف بين الكلب البرّي الآسيوي عن الكلب الپكيني ,الذي إحتاج قرون قلائل فقط من التطوّر.
فما هو أطول زمن مُتخيّل يفصلنا عن بداية التطوّر؟
أو لنقل عن بداية نشأة الثدييات,أو عن الزمن الذي إنتقلَت فيه الإسماك الى اليابسة؟
الإجابة ستكون: إنّ الحياة لم تبدأ منذ قرون مَضت فحسب ,إنّما منذُ عشرات ملايين القرون!
إنّ العُمر المُقاس لكوكبنا هو 4,6 مليار عام ,يعني 46 مليون قرن!
إنّ الزمن المُنصرم منذُ السَلف المُشترَك لكل الثدييات المُعاصرة الساعية على الأرض هو حوالي مليونين من القرون!
إنّ القرن الواحد يبدو لنا طويلاً تماماً,فهل يُمكنك تخيّل مليوني قرن يعقب أحدها الآخر؟
إنّ الزمن المُنصرم منذ زحف إسلافنا السمكيّون خارج الماء الى اليابسة هو حوالي 3,5 مليون قرن!
بمعنى آخر حوالي 20 ألف مرّة ضعف ما إستغرقه الزمن لعمل كلّ سُلالات الكلاب المختلفة جداً عن السَلَف المشترك بينهم!
ضع في ذهنك صورة تقريبيّة لكمّ الإختلاف بين الكلب الپكيني والكلب البرّي الآسيوي !
(صورتين لكلب پكيني وكلب آسيوي برّي)!

بالطبع نحنُ هنا لا نتحدّث عن (قياسات دقيقة) ,لذلك يُمكنك التفكير في الإختلافات بين أيّ سلالة كلاب تخطر على بالك مع مثيلاتها الأخرى من باقي السُلالات ,فهذا في المتوسط يضاعف كمّ التغيير الذي عُمِلَ عن طريق الإنتخاب الإصطناعي من السَلَف المُشتَرَك للكلاب!
ضع في ذهنك هذا النوع من التغيّر التطوّري ثمّ تخيّل (أو إستنبط) شريط للعودة الى الخلف 20 ألف مرّة ضعف ذلك في الماضي!
سيصبح سهلاً حقّاً قبول فكرة :
(أنّ التطوّر قد يُنجِزْ كمّ التغيير اللازم للتحويل من سمكة الى إنسان)!
إلّا أنّ كلّ هذهِ (يضيف داوكنز) هي إفتراضات مُسبّقة بكوننا نعرف عُمر الأرض .وعُمر نقاط التحوّل المُميزة العديدة في السجل الإحفوري!
وبما أنّ هذا الكتاب هو عن الأدّلة بالأصل ,لذا لايكفيني تأكيد التواريخ فحسب ,إنّما يتحتم عليّ أن اُثبتها أيضاً!
كيف نعلم بالضبط عُمر أيّ صخرة معيّنة؟
كيف نعلم عُمر متحجرة ما ؟
كيف نعلم عُمر كوكب الأرض؟
كيف بالتالي نعلم عُمر الكون ذاته؟
بالتأكيد نحنُ نحتاج ((ساعات)) لقياس كلّ ذلك!
والساعات الجيولوجيّة هي موضوع الفصل القادم !
***
الخلاصة :
أتذكر أيام شبابي قبل ما يقرب أربعة عقود درسنا (الجيولوجي) على يد إستاذٍ ماهر إسمه (إنطوان).كان كلامه عن الطبقات الجيولوجية وأنواعها وأسرارها ,غالباً ما يمتعنا رغم إسلوبه الصعب والسريع نسبياً!
أتذّكر كنّا يومها نتقبّل معظم كلامه العِلمي دون إستغرابٍ يُذكر!
لا أفهم ما الذي حدَثَ في العقود الأخيرة رغم ثورة التكنلوجيا والإتصالات والمعلومات المتاحة للجميع .بحيث كلام علمي بسيط واضح (عن التطوّر والإنتقاء الطبيعي مثلاً) ,يقود حتى (المتعلمين) الى رفضه قلباً وقالباً!
أغلب الظنّ أنّ الهجمة الدينية الظلامية ,لمشايخ البدو الوهابية ,وقبلهم ثورة خميني الإسلامية ,هي التي قادت منطقتنا البائسة لهذا النفق المُظلِم!
أنا أتفهّم بالطبع مشاعر بعض الدوغمائيين المتطرفين في شتم نظرية التطوّر وكلّ مَن يروّج لها ,قائلين ببساطة وسذاجة (نحنُ لسنا قرود)!
ليتهم قرؤوا بعض المنعرفة من كتب داوكنز وزملائه العُلماء العاملين في هذا المجال ليقولوا بعدها ربّما : يا ريتنا رضينا بالقرد ,طلع أصلنا سمكة!
ويا ريت سمكة ,قبلها كثيراً كانت مجرد بكتريا تجمعّت في مستعمرات!
يقول (روبرت لي پارك) عالم الفيزياء الامريكي الموسوعي ما يلي :
ما يكتشفهُ ويتعلّمهُ العِلمْ عن القوانين التي تحكم الكون ,يُعطينا القدرة على تحويل هذا الكوكب الى أقرب مايكون فردوساً سنراهُ جميعاً!
هذه المعرفة لم تأتنا من كتبٍ مقدّسة أو وحيّ نبوّي أو إعتقادات وهميّة!
العِلم هو السبيل الوحيد للمعرفة ,وكلّ ما سواه هو محض خرافة!

رعد الحافظ
25 يوليو 2016

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.