ج 2 / الفرق بين النظرية والحقيقة ! قراءة في كتاب أعظم عَرض على وجه الأرض / د.ريتشارد داوكنز !

رعد الحافظ

رعد الحافظ

ج 2 / الفرق بين النظرية والحقيقة ! قراءة في كتاب أعظم عَرض على وجه الأرض / د.ريتشارد داوكنز !

مقدمة :
مؤلّف هذا الكتاب العلمي المُمتع الرصين (د.ريتشارد داوكنز),يشرح لنا بالتفصيل المُمّل الفرق بين المعنى المُستخدم لكلمة (النظرية) ,بين رجال العِلم الحقيقيين ,ورجال الدين والقساوسة والمشايخ وأتباعهم المُغيّبين!
بالمناسبة :فقط في بلادنا البائسة يُطلقون تسمية عُلماء الدين على رجال الدين .وهذا محض هراء بالطبع! ليس لكون غالبيتهم جهلة اُميين لايجيدون حتى القراءة والكتابة .إنّما لكون العِلم والدين شيئان متناقضان كليّاً .دروبهم مختلفة تماماً ,لا يلتقيان البتّه !
العلِم طريقه العَمل الدؤوب والبحث المَضني في التفاصيل والمعادلات والمختبرات والطبيعة والعقل المفتوح على جميع الإحتمالات!
بينما طريق الدين هو التسليم والإنقياد الأعمى لكلام خاضع كليّاً لعاطفة ومزاج الإنسان الذي نطقه ساعتها!
***
ص 9 / معنيان رئيسان لكلمة النظرية !
حسب قاموس اوكسفورد هناك بضعة معاني لكلمة “نظرية” ,إنّما إثنين منهم يهموّنا ,لتوضيح الفارق في طريقة تفكير العلماء والخَلقيين !
المعنى الأوّل للنظرية :
مُخطط أو منظومة أفكار تُعتبر تفسيراً لمجموعة من الحقائق أو الظواهر!
فرضيّة اُكِّدَتْ واُثبتت بالملاحظة والخبرة ,تُقبَل كتعليل لحقائق معلومة!
جملة لما يُعتبر قوانين عامة ومباديء وأسباب لشيء معروف واضح!
المعنى الثاني للنظرية :
هي فرضيّة تُقتَرَح كتفسير لشيءٍ ما .لذا هي محض فَرضْ ,تخمين ,حدس ,شعور ,إحساس ,فكرة حول شيءٍ ما ,رأي أو إنطباع فردي !
من الواضح أنّ المَعنيين أعلاه يختلفان جذرياً !
والإجابة المُختصرة عن سؤالي الذي يخّص نظرية التطوّر هو أنّ العُلماء يستخدمون المعنى الأوّل ,بينما الخلقيّون يستخدمون المعنى الثاني!
مثال جيد على المعنى الأوّل :هو نظرية مركزية الشمس في المجموعة الشمسيّة (الأرض والكواكب تدور حول الشمس)!
التطوّر أيضاً يلائم المعنى الأوّل بشكلٍ مثالي!
نظرية داروين هي بالفعل (مُخطط أو منظومة من الأفكار والجُمَل)!
هي حقّاً سبب لمجموعة ضخمة من الحقائق والظواهر!
هي فرضيّة قد أُكدّت وأُثبتت بالملاحظة والخبرة!
وبالموافقة القائمة على المعلومات عموماً فهي (جملة لما يُعتبر قوانين عامة ,مباديء ,أو أسباب لشيء معروف أو مُلاحَظ)!
إنّها بلا ريب أبعد ما تكون عن (محض نظرية ,تخمين ,حَدَس)!
إنّ العُلماء والخَلقيين يفهمون كلمة النظرية بمعنيين مُختلفين جداً !
إنّ التطوّر نظرية بنفس القوّة والمعنى لنظرية مركزية الشمس!
لذا (لا) يجب إستخدام عبارة (مجرد نظرية) في حديثنا عن التطوّر!
أمّا بالنسبة الى الإدعّاء بأنّ التطوّر لم يُثبَتْ قط , فإنّه جَدل قائم على أساس أنّ العُلماء يرتعبون من الإرتياب!
حيث يُخبرنا فلاسفة نافذوا التأثير بأنّهُ لا يُمكننا إثبات إيّ شيء في العلوم وأنّ عُلماء الرياضيات وحدهم الذين يمكنهم إثبات أشياء!
حتى النظرية (غير المُجادَل بشأنها) التي تقول :القمر أصغر من الشمس!
لا يُمكن وفقاً لقناعة بعض الفلاسفة (المتحذلقين) ,أنْ تُثبَت بنفس الطريقة التي تُثبَت بها نظرية فيثاغورس مثلاً!
لكن الإزدياد الهائل للأدّلة يدعمها بقوّة شديدة ,بحيث إنكارها يجعل من مكانة (الحقيقة) تبدو سخيفة للجميع عدا المتحذلقين!
هذا الكلام ينطبق جداً على التطوّر .فهو حقيقة تشبه قولنا أنّ (باريس) تقع في نصف الكرة الشمالي للأرض!
بعض النظريات تقع فوق الشكّ المحسوس ,لذلك ندعوها ..حقائق!
في الواقع كلّما حاولتَ بنشاط وإجتهاد وتجريب (دحض) نظرية ما وتبقى صامدة أمام أعتى هجوم ,فإنّ (النظرية) تقترب أكثر لمعنى الحقيقة!
نظرية التطوّر (هي بدّقة) قد تخلّصت من التجريبيّة التي تنتظر الإثبات او الدحض .رغم كونها كانت خاضعة لذلك زمن داروين وما بعده!
***
ص 11 / حَدَس جولدباخ !
يتحدّث مؤلف الكتاب عن إستخدام الرياضيين فكرة البرهان لعمل فارق بين الحَدَس (إفتراض صحيح لم يثبُتْ بَعد) والنظرية
Theorem
التي تحمل شبه ظاهري بكلمة
Theory !
ثمّ يتحدّث عن المثال الشهير لحدس جولدباخ (كلّ عدد زوجي يُمكن التعبير عنه بمجموع عددين أوليين)!
ويخبرنا بأنّ الرياضيّون أخفقوا في دحض ذلك الحدَس بصدد كلّ الأعداد الزوجيّة وصولاً الى 300 مليون مليون مليون!
وأنّ الحسّ والمزاج العام يدعوها (بتلقائية) ..حقيقة جولدباخ !
ثمّ يقول ,مع ذلك فهي لم تُثبَت قط بشكلٍ تام ,رغم الجوائز المُغريّة المعروضة لهذه المهمّة .(لاحظوا دقّة وتشدّد العُلماء مع أنفسهم)!
لكن رغم رفض الرياضيين بوضعها كفرضية لم تُثبَت بعد ,قام العالِم كارل ساجان (بإستخدام حدس جولدباخ) برّد تهكمّي سريع على الأفراد الذين يدّعون إختطافهم من قبل كائنات فضائيّة.
قدّم لهم أسئلة علمية مُتنوّعة ,لم يتمكنّوا من الجواب على أيّ منها!
***
الخلاصة :
لاتوجد نظرية خضعت لإعتراضاتٍ وهجومات قاسية ,فحص تدقيق تمحيص مثل نظرية التطوّر والإنتقاء الطبيعي لداروين (التي تتحدّث عن
التغير في السمات الوراثية الخاصة بأفراد التجمع الأحيائي عبر الأجيال المتلاحقة) ,منذُ نشرها عام 1859 الى يومنا!
أبرز معارضيها (بل أعدائها) هم دعاة نظرية الخَلق الذكي (الخلقيين)!
لكن هؤلاء (رغم توّفر الأطباء الأزهريين مثلاً) ,لم يأتونا بدليل عِلمي واحد يناقض تلك النظرية .جُلّ مايقومون به هو سرد كلام غيبي مزعوم عن قوى خفيّة فوق طبيعية ,غير خاضع البتّه للجدَل والنقاش!
تسألهم عن نقاط ضَعف الجسم البشري,من آلام الظهر لدى الغالبيّة الى التشوّهات الخلقيّة الفظيعة ,يجيبوك (وخلقنا الإنسان في أحسنِ تقويم)!
تحكي لهم عن دور الجينات والهرمونات والفيرمونات والـ
D.N.A.
وتفاصيل الخلايا والأنسجة و(الحفريّات) وعلامات التطوّر البادية في كلّ ذرّة منها ,يجيبوك:
(ثمّ خلقنا النطفة علقة ,فخلقنا العلقة مُضغة ,فخلقنا المُضغة عظاماً ,فكسونا العِظام لحماً ,ثمّ أنشأناهُ خلقاً آخرَ ,فتباركَ اللهُ أحسن الخالقين)! حسناً :هل يفهمون المعنى العِلمي لهذا الكلام ويقيمون لهُ وزناً ومستعدين للجدل العلمي حول (إستحالته) ؟ بالطبع كلا !
رغم ذلك وفي جميع الاحوال يبقى العِلم يتقدّم ,وتتراجع الخرافات!
ولا تظنّوا أنّ طريقة التفكير العِلمي هي محض رفاهيّة فكرية فائضة!
بل لها تأثير شديد ,في تفاصيل معيشة وسعادة ورفاهية الإنسان!
في رائعته الخالدة (هكذا تكلّم زرادشت) يخاطب الفيلسوف (فريدريك نيتشه) أصحاب العقول الجامدة الراغبين عن العِلم الخاضعين للخرافة,فيقول :
أمّا أنتَ يا رفيقي الأوّل (يُخاطب جثّة البهلوان) فلتصحبكَ السلامة .
ها قد دفنتُكَ جيداً في جذع شجرتكَ الأجوف وخبأتكَ كما ينبغي عن الذئاب .لكنّي الآن أتخلّى عنكَ فقد إنقضى الوقت!
فما بين فجرٍ وفجر ظهرت لي حقيقة جديدة!
(يقصد عدم الركون لآيدولوجيا بعينها كون الحياة تستمر وتتطوّر)!
لا راعٍ ولا حفّار قبور ينبغي عليّ أن أكون!
هذهِ آخر مرّة أتحدّث فيها الى ميّت!
أريد أن أنضّم الى المُبدعين الحاصدين المُحتفلين بالعيد!
أريد أن اُريهم قوسَ قُزَح وكلّ درجات سلّم الإنسان الأعلى!
الى هدفي أسعى وفي طريقي أمضي ,سوف أقفزُ فوق كلّ المترددين والمتلكئين ! ليكن مُضييّ إنحدارهم واُفولهم إذاً !

تحياتي لكم

رعد الحافظ
06 ـ 06 ـ 2016
اليوم الوطني لمملكة السويد الجميلة !

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

2 Responses to ج 2 / الفرق بين النظرية والحقيقة ! قراءة في كتاب أعظم عَرض على وجه الأرض / د.ريتشارد داوكنز !

  1. Gabiel yandam says:

    ان الشك وفي مراحله المتقدمة سيؤدي الى فكر العدمية والايمان به. أي نكران وجود الكون والوصول الى فكر التهيأ وانعدام الحقيقة المادية. فالتهيء الحسي للعقل للمادة هو اساس الملموس المادي والاثبات المعتمد للحقيقة العلمية. وهذا التهيأ الحسي للمادة هو اساس التباين في الكميات وتواليها. والتباين الكمي المنتظم والتوالي هو اساس الرياضيات. أي ان الرياضيات هي بدعة لخداع عقل آخر واقناعه بأن المتهيأ هو حقيقة مادية.
    فالعدمية ستوصلنا الى ان ما نظنه واقعاً هو تهيأ عقلي وان الكون غير حقيقي انما متهيأ ومن نسج خيال العقل وبزوال العقل يزول الكون. كما تزول قصة فيلم عن الشاشة عند نهايته وتصبح شاشة بيضاء. أي ان العقل البشري هو اساس الكون والوجود المادي والرياضيات هي بدعة عقلية لتفسير المتهيأ واقناع عقل آخر به. بخدعة التوالي والتباين الكمي في المادة المتهيأة.
    وهذا سيصل بنا الى ان تهيأ العقل البشري للكون هو اساس فهمنا نحن البشر ، للكون الذي تهيأناه. وان عقلاً آخر غير بشري سيتهيأ كوناً آخر وقد يبتدع رياضيات أخرى قد تكون مبنية على التناقض والانسجام بدل التباين المنتظم ، او على التناثر بدل التتالي. او حتى شيئاً مختلفاً كلياً.
    ان منتجات او ادوات العقل البشري كلها مشتقات ومنتجات من نوع تهيأه. ولا يمكنها تفسير إلّا ما قد تهيأه. فالحواسيب الاصطناعية والمنطق والاستنتاج و الالغوريثمية اساس برمجة الحواسيب ، هي ادواة العقل البشري للتعامل مع الكون المتهيأ له.
    باختصار ان كل ما يتهيأ للعقل والذي يبدأ ، اي التهيأ ، بمحاولات لتفسير الحس بمبادئ بدعة الرياضيات سيؤدي الى قناعات سرابية قاصرة ، لن تؤدي بالبشر والعقل البشري إلّا الى طفرات في تفسير المتهيأ. وان المدخل او المخرج الوحيد لعقل البشر للخروج من سجن تهيأه ، هو التوقف عن التهيأ والرجوع عن التفكير فقط بما نعرف اننا لا نعرفه، والثورة على هذا الفكر . وتوجيه بوصلة التفكير كلياً باتجاه الحقائق التي لا نعرف اننا لا نعرفها. لان بطريقة تفكيرنا الحالية سنستمر في ابتداع وجود ثم موته مع موت عقلنا الى ما لا نهاية. ولا اخفيكم ان موت عقلنا هو عملية انتحار والتهيأ وتفسيره الرياضي لهذا التهيأ هو السم الذي يصنعه العقل كي يقتل نفسه به.
    اعترف انها طلاسم لكنها ……. طلاسم

  2. Gabiel yandam says:

    الرد على هوكينز

    ان الشك وفي مراحله المتقدمة سيؤدي الى فكر العدمية والايمان به. أي نكران وجود الكون والوصول الى فكر التهيأ وانعدام الحقيقة المادية. فالتهيء الحسي للعقل للمادة هو اساس الملموس المادي والاثبات المعتمد للحقيقة العلمية. وهذا التهيأ الحسي للمادة هو اساس التباين في الكميات وتواليها. والتباين الكمي المنتظم والتوالي هو اساس الرياضيات. أي ان الرياضيات هي بدعة لخداع عقل آخر واقناعه بأن المتهيأ هو حقيقة مادية.
    فالعدمية ستوصلنا الى ان ما نظنه واقعاً هو تهيأ عقلي وان الكون غير حقيقي انما متهيأ ومن نسج خيال العقل وبزوال العقل يزول الكون. كما تزول قصة فيلم عن الشاشة عند نهايته وتصبح شاشة بيضاء. أي ان العقل البشري هو اساس الكون والوجود المادي والرياضيات هي بدعة عقلية لتفسير المتهيأ واقناع عقل آخر به. بخدعة التوالي والتباين الكمي في المادة المتهيأة.
    وهذا سيصل بنا الى ان تهيأ العقل البشري للكون هو اساس فهمنا نحن البشر ، للكون الذي تهيأناه. وان عقلاً آخر غير بشري سيتهيأ كوناً آخر وقد يبتدع رياضيات أخرى قد تكون مبنية على التناقض والانسجام بدل التباين المنتظم ، او على التناثر بدل التتالي. او حتى شيئاً مختلفاً كلياً.
    ان منتجات او ادوات العقل البشري كلها مشتقات ومنتجات من نوع تهيأه. ولا يمكنها تفسير إلّا ما قد تهيأه. فالحواسيب الاصطناعية والمنطق والاستنتاج و الالغوريثمية اساس برمجة الحواسيب ، هي ادواة العقل البشري للتعامل مع الكون المتهيأ له.
    باختصار ان كل ما يتهيأ للعقل والذي يبدأ ، اي التهيأ ، بمحاولات لتفسير الحس بمبادئ بدعة الرياضيات سيؤدي الى قناعات سرابية قاصرة ، لن تؤدي بالبشر والعقل البشري إلّا الى طفرات في تفسير المتهيأ. وان المدخل او المخرج الوحيد لعقل البشر للخروج من سجن تهيأه ، هو التوقف عن التهيأ والرجوع عن التفكير فقط بما نعرف اننا لا نعرفه، والثورة على هذا الفكر . وتوجيه بوصلة التفكير كلياً باتجاه الحقائق التي لا نعرف اننا لا نعرفها. لان بطريقة تفكيرنا الحالية سنستمر في ابتداع وجود ثم موته مع موت عقلنا الى ما لا نهاية. ولا اخفيكم ان موت عقلنا هو عملية انتحار والتهيأ وتفسيره الرياضي لهذا التهيأ هو السم الذي يصنعه العقل كي يقتل نفسه به.
    اعترف انها طلاسم لكنها ……. طلاسم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.