ج 2 / الدماغ البشري ! قراءة في كتاب الوعي (سوزان بلاكمور) !

رعد الحافظ

رعد الحافظ

مقدمة :
الآراء حول الوعي ,التي تنقلها لنا مؤلفة هذا الكتاب (سوزان بلاكمور) فيها بعض الغرائب أو ما لا يمّت للعِلم بصلة (كالحديث عن الزومبي).
أنا شخصيّاً غير مقتنع بها .لكن لأجل الأمانة العِلميّة أقوم بعرضها أو التنويه عنها لأجل الإستئناس بمختلف الآراء!
***
ص 15 /الوعي !
هل الوعي عنصر خارجي نكتسبه (نحن البشر) من دون باقي الكائنات؟
أم أنّه جزء جوهري لايتجزّأ موجود أصلاً داخل كلّ كائن حيّ؟
وإذا كان الوعي عنصر خارجي مُكتَسَبْ ,فكيف إكتسبناهُ ؟ولماذا؟
وإذا كنّا قد تطوّرنا بدون مساعدة الوعي ,ما الذي جعل الوعي يتطوّر فينا؟ ما هي المزايا التي حبانا بها ؟ولماذا لم يتطوّر الوعي في كائنات أخرى سوى البشر؟
وفقاً لهذا الرأي تكون “المشكلة الصعبة” (التي تحدّثنا عنها في ج 1)
عسيرة حقّاً / كيف تنشأ تجارب ذاتيّة من دماغ مادّي موضوعي؟
لكن من ناحية أخرى إذا كان الوعي جزء لا يتجزّأ من العمليات الدماغيّة المُعقدة ,فمن العبَث أنْ نسأل معظم تلك الأسئلة ,ولاجدوى حتى من السؤال عن سبب تطوّر الوعي .لأنّ أيّ كائن تطوّرَ بحيث أصبح لديه ذكاء وإدراك حسّي وذاكرة ومشاعر ,سيكون واعيّاً أيضاً بالضرورة !
***
ص 16 / تجربة فكريّة ـ الزومبي!
الآن تخيّل شخص يشبهك تماماً ,يتصرّف ويفكر ويتحدّث مثلك,لكنّه غير واعي مطلقاً .بمعنى كلّ أفعاله تحدث دون وعي !
ذلك الكائن غير الواعي (وليس الجثّة نصف الميّته ,المتداولة في الفلكلور الهاييتي) ,هو ما يُطلق عليه الفلاسفة تسمية الزومبي!
من السهل اليوم تخيّل الزومبي (نظراً لكثرة الافلام السينمائيّة حولهم),
إنّما يبقى السؤال المُهم / هل هم موجودون حقّاً ؟
ذلك السؤال الذي يبدو بسيطاً يقودنا الى عالَم كامل من التعقيدات الفلسفيّة!
مَنْ يجيبون بنعم (عن وجود الزومبي) ,هم الذين يؤمنون بإمكانية وجود نظامين متكافئين وظيفيّاً ,أحدهما واعٍ والآخر غير واع!
في هذا الجانب نجد الفيلسوف الأسترالي ديفيد تشالمرز ,صاحب فكرة (المشكلة الصعبة للوعي) يقول أنّ الزومبي ليسوا كائنات مُتخيّلة فقط إنّما وجودها وارد في عوالم أخرى إنْ لم يكن في عالمنا ,لكنّهم بلا وعي !
[بالطبع هذا الكلام لايمّت للعلم بصلة لكنّي أنقله للأمانة /كاتب السطور]
***
ص 17 / ما فائدة الوعي ؟
هل الوعي يفيدنا في شيء أم لا ؟
عبارة “قوّة الوعي” من العبارات الشائعة في الخطاب المُتداوَل!
تتلخص الفكرة في كون الوعي شكل من أشكال القوى التي قد تؤثر تأثيراً مباشراً في العالَم .إمّا بالتأثير في أجسامنا كما يحدث عندما أقرّر (أنا) بوعي تحريك ذراعي ,فيتحرّك!
وإمّا بالتأثير في أمور باراسايكولوجيّة (لم يثبت صحتها العِلم),كالعلاج الروحاني ,التخاطر,مفهوم (العقل فوق المادة) وهو الاكثر إثارة للجدل!
ومثلما فعلنا (بتخيّلنا) مع الزومبي (هل أنا الزومبي أم أنتَ ؟) ,يسهُل تخيّل تلك القوة أيضاً .فيمكننا أن نتخيّل عقلنا الواعي وهو يتحرّك بصورة أو أخرى ويؤثّر في الأشياء .
لكن هل يوجد أيّ منطق في هذه الفكرة ؟
***
ص 19 / مسرح العقل !
ربما تكون أبسط الطرق للتفكير في الوعي هي التالية:
تخيَّلِ العقلَ مَسرحاً خاصّاً .ها أنا ذا داخل المسرح في مكانٍ ما داخل رأسي ,أنظرُ من خلال عينيَّ .لكن هذا المسرح متعدِّدُ الأحاسيس .
عليه فإني أشعر باللمسات والروائح والأصوات والمشاعر أيضًا !
ويمكنني إستخدام خيالي كذلك فأستحضرُ مشاهدَ وأصواتاً أراها وكأنّها على شاشة عقلية بواسطة عيني الداخليّة أو أسمعها بواسطة أذني الداخليّة
كلّ تلك الأشياء هي “محتويات الوعي” !
بينما “أنا” جمهور الشخص الذي يختبر تلك التجارب!
تلك الصورة المَجازيّة للوعي تتطابق مع صورة أخرى مألوفة للوعي ,
هي أنّه يسري كنهرٍ أو تيّار !
في القرن التاسع عشر صاغَ مؤّسس عِلم النفس الحديث (وليم جيمس) عبارة “تيار الوعي” .التي تبدو انّها ملائمة الى حدٍّ كبير .
فحياتنا الواعيّة تبدو وكأنّها تيار دائم التدفق من الصور والأصوات واللمسات والأفكار والعواطف ومشاعر القلق والفرح ,كلّها تحدث لي الواحدة تلو الأخرى !
***
ص 22 / الفصل الثاني ـ الدماغ البشري !
يُقال أنّ الدماغ البشري هو أكثر الأشياء تعقيداً في هذا العالَم !
الدماغ البشري (مقارنةً بوزن الجسم) أكبر بكثير من جميع الحيوانات .
حتى أنّه أكبر ب 3 مرّات من أقرب القردة العُليا للإنسان !
يزن الدماغ العادي نحو كيلوغرام ونصف ,يتكوّن من أكثر من مليار خليّة عصبيّة .ومليارات الوصلات العصبيّة .
من تلك الوصلات تظهر قدراتنا الإستثنائيّة مثل / الإدراك الحسّي ,التعلّم ,الذاكرة ,التفكير ,اللغة ,والوعي بصورةٍ ما !
نعرف أنّ الدماغ وثيق الصلة بالوعي ,لأنّ حدوث تغيّرات في الدماغ يقود الى حدوث تغيّرات في الوعي !
فالعقاقير مثلاً التي تؤّثر في أداء الدماغ ,تؤّثر أيضاً في التجارب الذاتيّة .
وتحفيز مناطق معيّنة من الدماغ قد يؤدي الى حدوث تجارب معيّنة مثل الهلاوس أو الأحاسيس الجسديّة أو الإستجابات الإنفعاليّة !
وبالطبع حدوث تلف ما في الدماغ قد يؤّثر تأثيراً هائلاً في وعي الفرد !
كلّ هذا نعرفه جيّداً .لكن ما لانعرفه بعد سبب كوننا واعين أصلاً ؟
***
تصل المعلومات الى الدماغ عن طريق الحواس ,وتُستخدم للتحكّم في الكلام والأفعال وغيرها من المُخرَجات !
الدماغ يشبه شبكة هائلة أو تجمّع هائل من الشبكات المتداخلة .لكن لايوجد تنظيم مركزي داخلي في الدماغ تحدث فيه العمليّات على غرار الكومبيوتر !
هناك مناطق في الدماغ مسؤولة عن السمع والبصر والنطق وصورة الجسم وضبط الحركة والتخطيط المُستقبلي ,ومئات المهام العديدة.
كل هذه المناطق ترتبط ببعضها عن طريق الوصلات العصبيّة .
إنّما لايوجد (مُعالج مركزي) ,تُرسل له المعلومات ليتخذ القرار !
***
ملاحظة ذات صلة بالموضوع (من كاتب السطور) !
أثبتت الدراسات والبحوث العلمية الحديثة وجود إختلافات كبيرة في طريقة العمل بين دماغ الرجل ودماغ المرأة !
قد يكون ذلك أحد الأسباب في بعض المشاكل التي تحصل بين الازواج.
ليس بالضرورة الرجل أذكى من المرأة أو العكس ,فالذكور عادةً يتميزون في الرياضة والرياضيّات .بينما الإناث يتفوّقون في اللغات !
والكاتب الأمريكي (مارك جونجر) يختصر الموضوع بطريقة ساخرة فيقول : صندوق دماغ الرجل / وشبكة دماغ المرأة !
يشرح ذلك بكون الرجل عموماً يصعب عليه التفكير بموضوعين في آنٍ معاً .يُفضّل أن ينتهي من الأوّل ويخرج (من صندوقه) ليدخل الثاني ويفتح صندوق جديد !
بينما المرأة عموماً لها القدرة على التفكير والعمل ببضعة مواضيع مختلفة لا علاقة بينهم أحياناً !
***
ص 39 / الوقت والمكان !
هل يُمكن أن يتأخّر الوعي عن أحداث العالم الواقعي ؟
عالج هذا السؤال في ستينات القرن العشرين عالم الأعصاب الأمريكي (بنجامين ليبيت) .الذي ولد إبّان الحرب العالمية الاولى ,بينما تأثّر هو والعالّم أجمع بالحرب العالميّة الثانية وأهوالها التي غيّرت الكثير من الآراء .فمن جهة زادت الثقة بالعقل والعلم والتكنلوجيا .لكن من جهة ثانية تسائلَ الناس/ كيف للبشر أن ينقاذ الى كلّ تلك الفضائع ؟
ليبيت تسائل أيضاً :هل يملك الإنسان حريّة الإرادة ,أم أنّها مجرّد وهم؟
نتائج تجاربه أسموها (تأخّر ليبيت) أو (تأخّر نصف ثانية) .وملخصها :
إنتاج الوعي في دماغ البشر يحتاج إلى نصف ثانية من نشاط الخلايا العصبية .أطلق (ليبيت)على ذلك [كفاية نشاط الخلايا العصبية المطلوبة للوعي] .في الواقع هذا أمر غريب للغاية !
فهو يعني أنّ الوعي يجب أنْ يتأخَّر في حدوثه عن أحداث العالم الواقعي.
ومن ثمَّ فهو لا قيمةَ له في الاستجابة لعالمٍ سريعِ الإيقاع !
من المهم هنا أن ندرك معنى نصف ثانية في عالم الدماغ !
فالإشارة الخاصة بلمسة حقيقية على الذراع تصلُ إلى الدماغ في واحد على مئاتٍ من الثانية .والأصوات تصلُ إلى هناك على نحوٍ أسرع !
إنّ وقت الاستجابة القياسي لومضة ضوئية يساوي نحو خُمْس ثانية !
ويتضمَّن هذا تنشيطَ العديد من الخلايا العصبية لإكتشاف الضوء وتنسيق الإستجابة .لذا يبدو ضرباً من الجنون أن يأتي الوعي متأخِّراً هكذا في سير هذه العملية .لكن هذا ما بَدَا من نتائج تجارب ليبيت !
(إنتهى الجزء الثاني من تلخيص كتاب الوعي) !
***
الخلاصة :
من بين أهمّ فوائد القراءة العِلمية ,فتح الآفاق أمام الإنسان وزيادة الوعي نفسه ,وهو موضوع هذا الكتاب !
كلّ فكرة جديدة عندما تكون علميّة ومنطقيّة ستنفعنا .وحتى لو كانت خرافية ستوصلنا الى نتائج يرفضها العقل السوي ,وبالتالي تنفعنا في تجنّب أمثالها !
الإنسان الناجح هو الذي يزيد من ثقافته وإطلاعه على جميع الأمور في هذه الحياة ,ليعرف بالتالي كيف يتعامل مستقبلاً مع التفاصيل !
لا أقول إجعلوا حياتكم مختبر تحليلي دائم وداراً للندوة والعِلم والمنطق.
إنّما القراءة العلمية والتفكير بالطريقة العِلميّة يغيّر حياتنا نحو الأفضل فعلاً !

رعد الحافظ
26 يناير 2016

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.