جيمس بوند والشرق الأوسط

ليست أفلام كارتون سامبسون التي تعبر عن لسان حال الماسونيه وتكشف أسرار أحداث قبل وقوعها بعدة سنوات هي الوحيدة أو الأولى في العالم , كثير من الدول أو المنظمات إستخدمت أو تستخدم هذه الوسيله لبث آرائها وتوقعاتها وفرضياتها بشكل غير مباشر الى الجمهور , خصوصاً في الفتره التي سبقت عهد وجود مواقع التواصل الإجتماعي

سلسلة أفلام جيمس بوند هي وسيلة جهاز المخابرات البريطانيه لبث رسائلها الى العالم . يتكون جهاز المخابرات البريطاني من ( المخابرات العسكريه البريطانيه _ قاطع 5 ) ويرمز له ب ( إم آي 5 ) ومهمته التجسس وجمع المعلومات عن مختلف دول العالم بدعوى مكافحة الإرهاب والتجسس على المملكه المتحده

الجهاز الثاني في المخابرات البريطانيه هو ( المخابرات السريه العسكريه البريطانيه _ قاطع 6 ) ويرمز له ب ( إم آي 6 ) ومهمته التجسس على حكومات دول العالم ومعرفة خططها في التحالف بينها , وشراء الأسلحه , ومعاهداتها الإقتصاديه , وسبلها في تصدير مواردها واستيراد إحتياجاتها

الأسلوب البريطاني في الصراع الدولي مع القوى الكبرى في العالم يتخذ أسلوب صراع ودي . ففي صراع بريطانيا مع الولايات المتحده , بريطانيا تتعامل بأسلوب ( العدو الحليف ) لأنها تؤمن أن الفوز بأي شيء من هذا التحالف هو أفضل من خسارة كل شيء عن طريق العداوة السافره . القرن العشرين كان قرناً كارثياً على بريطانيا لأن الولايات المتحده انتزعت منها أغلب مستعمراتها حول العالم في آسيا وافريقيا والشرق الأوسط

أوقعت الولايات المتحده الحرب العالميه الأولى لشق الحلف البريطاني الروسي الذي وقع عام 1907 وكان بنده السري الأهم هو تطويق قارة أوربا من الشرق والغرب ومنع تغلغل النفوذ الأمريكي فيها القادم من دول بحر الشمال . بوصولنا الى عام 1914 وقعت الحرب وكان من نتيجتها تأسيس الإتحاد السوفييتي ونشر الستار الحديدي بين شرق القارة وغربها

قامت بريطانيا بنهاية الحرب بتأسيس عصبة الأمم التي رفضت الولايات المتحده الدخول فيها أو التوقيع على مقرارتها لأن الولايات المتحده كانت تريد لنفسها دوراً أكبر في الهيمنة على مقدرات العالم , وكان تدمير عصبة الأمم هو الهدف الرئيسي لإشعال الحرب العالميه الثانيه التي أسست الولايات المتحده بنهايتها ( هيئة الأمم المتحده ) شراكة مع ( حليفتها ) بريطانيا , أما بقية دول العالم الذين تطلق عليهم صفة أنهم يمثلون ( الشرعيه الدوليه ) فهؤلاء لم يدخلوا الهيئه إلا لمليء كراسي قاعاتها وليست لهم أي أهميه في اتخاذ أي من قرارات الهيئه

خلال الحربين العالميتين الأولى والثانيه إستدانت بريطانيا من الولايات المتحده الأمريكيه مبالغ طائله لتمويل قطعاتها العسكريه حول العالم , وإستوردت كميات كبيره من القمح والمواد الغذائيه , وكميات كبيره من الحديد الصلب لصنع الأسلحه والغواصات . عند نهاية الحرب كان على بريطانيا أن تسدد تلك الديون في فترة ضائقة ماليه عسيره مر بها العالم بعد الحرب , لهذا قررت إطفاء ديونها بطريقة التنازل عن بعض مستعمراتها حول العالم . إنسحبت من الهند فتحولت الهند الى 4 مستعمرات أمريكيه تحت مسمى الإستقلال هن : الهند وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا , ثم وافقت بريطانيا على مشروع تقسيم فلسطين مما يعني خسارتها لميناء حيفا وهو أهم موانيء البحر الأبيض المتوسط قاطبة , وضمت ما تبقى لها من فلسطين الى مستعمرتها شرق الأردن

عام 1941 كانت الحرب العالمية الثانية في أوج إشتعالها . قامت ألمانيا النازية في هذا العام بخرق معاهدتها مع الإتحاد السوفييتي المعروفة بإسم معاهدة ( مولوتوف – ريبنتروب ) وهاجمت الإتحاد السوفييتي بما عرف بإسم ( عملية برباروسا ) التي كان لها تأثير كبير على ايران التي كانت تريد أن تبقى بلدا محايدا في هذه الحرب

حين أعلن ( الشاه رضا ) موقفه الى جانب ألمانيا النازية , قامت كل من بريطانيا والإتحاد السوفييتي بغزو ايران والإطاحة بالشاه رضا وإجباره على التخلي عن العرش لإبنه ولي العهد محمد رضا بهلوي وكان صغيراً بالسن ( 20 عام فقط ) خضع الى السيطرتين البريطانيه والأمريكيه حيث كانت ايران هي معبر السلاح الأمريكي الى الإتحاد السوفييتي بحجة مساندته ضد النازيه . بوصولنا الى عام 1953 أرادت الولايات المتحده طرد بريطانيا من ايران فقام السفير الأمريكي في طهران ( هنري غرادي ) بدعم محمد مصدق للقيام بإنقلاب في طهران وتأميم شركة النفط الايرانيه البريطانيه , وطرد بريطانيا من ايران , بعد نجاح الإنقلاب وتأميم النفط , جرت مباحثات بريطانيه أمريكيه للتوصل الى حل يرضي الطرفين في ايران , فقام ضابط المخابرات الأمريكي ( كيرمت روزفلت ) بدعم شاه ايران في ( العمليه أجاكس ) للإطاحه بمصدق , فإستعان الشاه بأحد ضباطه المدعو ( فضل الله زاهدي ) وتمت الإطاحه بمصدق وإستمر الحال على ماهو عليه حتى قدوم الخميني من باريس فكان أول قرار اتخذه هو تأميم شركة النفط الايرانيه البريطانيه لتخرج بريطانيا خارج ايران وتتحول ايران الى مستعمره أمريكيه تحت مسمى الإستقلال

الصراع الأمريكي البريطاني على العراق قائم منذ بداية القرن العشرين ومنذ إنقلاب بكر صدقي وانقلاب رشيد عالي الكيلاني , تجسد هذا الصراع على أشده بإخراج العراق من معاهدة سعد آباد البريطانيه قبل الحرب العالميه الثانيه , وتجسد أكثر في إدخال العراق عام 1956 الى المعاهده الأمريكيه البريطانيه ( حلف بغداد ) . في العام 1958 نجح الأمريكان وبقيادة كل من جمال عبد الناصر وكميل شمعون ورشيد كرامي والسفاره المصريه في بغداد و 10 آلاف مارينز أمريكي رابطوا في بيروت في عمليه تدعى ( الوطواط الأزرق ) في قلب نظام الحكم الملكي في العراق وتحويله الى جمهوريه أمريكيه تحت مسمى الإستقلال

لكن هذا الإستقلال لم يكن كاملاً بوجود شركة النفط العراقيه البريطانيه . حين أحل الأمريكان حكومة البعث في العراق 1968 بعد انسحاب بريطانيا عن حامية عدن قامت هذه الحكومه بتحويل العراق الى جمهوريه امريكيه بالكامل . عام 1975 أممت حكومة البعث النفط وطردت بريطانيا وبقية الدول عن نفط العراق . بعد 5 سنوات من هذا التاريخ أشعلت الولايات المتحده الأمريكيه ( حرب إحتواء مزدوج ) بين العراق وايران من أجل دفعهما الى بيع النفط وشراء الدعم والسلاح الأمريكي ليقتلا بعضهما

ليبيا كانت مجزأه تحت السيطرتين البريطانيه والفرنسيه منذ عام 1943 بعد أن هزمت قواتهما الألمان والإيطاليين , عام 1944 عاد الملك محمد إدريس السنوسي من القاهره الى ليبيا لكن الحكومتين العسكريتين رفضتا منحه الإقامة الدائمة على أرض بلده … وحين اشتد صراع البريطانيين والفرنسيين مع الأمريكان على المغرب وتونس .. أحبت الدولتان تهدئة اللعب مع الأمريكان خصوصا وكليهما تجثمان في مصر بمعاهدة بريطانية عسكريه مع ملك مصر والسودان , ووجود بريطاني _ فرنسي في قناة السويس .. فماذا فعلتا في العام 1951 ؟

قامتا بكتابة دستور ليبي .. وسمحتا للملك محمد إدريس السنوسي بالعودة الى بلده .. تلك العودة المرفوضة منذ سبع سنوات , حيث تم تنصيبه ملكاً على ليبيا من جديد , ومنحتا ليبيا إستقلالاً شكلياً مربوطاً بمختلف أشكال المعاهدات السرية والمعلنه . في العام 1969 ليبيا تحت الحكم الملكي المتحالف مع البريطانيين والفرنسيين , وكانت للملك السنوسي علاقه ممتازه مع القاعدة الجوية الأمريكيه في طرابلس وهي ( قاعدة ويلوس ) وتعد القاعده أكبر منشأة عسكرية أمريكيه خارج الولايات المتحدة وتبلغ مساحتها 20 ميلاً مربعاً وتقع على ساحل طرابلس
يتواجد في القاعده مايزيد على 15 ألف عسكري أمريكي مع عوائلهم والقاعدة الجوية ويلوس تم بناؤها في الأصل من قبل سلاح الجو الإيطالي في عام 1923 وكانت تعرف بإسم ( قاعدة المَلاّحه الجويه ) نسبة الى بحيرة المَلاّحه القريبة منها
أثناء الحرب العالميه الثانيه استولى الأمريكان على قاعدة المَلاّحه من الإيطاليين في 17 مايس 1945 وقاموا بتغيير إسمها الى ( قاعدة ويلوس ) تكريماً الى الليفتنانت ريتشارد ويلوس الذي لقي حتفه في نفس الفتره في حادث تحطم طائره في ايران
كان مقرراً للقاعده أن تستخدم للأغراض العسكريه والإستخباريه للسيطره على شمال افريقيا وجنوب غرب أوربا في إسبانيا والبرتغال وكان السفير الأمريكي في ليبيا وقتها مسروراً بهذه القاعده ويسميها ( الولايات المتحده الأمريكيه المصغره التي تتألق على سواحل البحر الأبيض المتوسط ) . بوصولنا الى عام 1969 كانت قاعدة ويلوس قد نجحت في قلب نظام الحكم في ليبيا وطرد البريطانيين والفرنسيين منها

إثناء فترة الصراع الأمريكي البريطاني الفرنسي على ليبيا إلتقى ضابط المخابرات الأمريكي ( كيرمت روزفلت ) بجمال عبد الناصر وشلته من الضباط المشاركين في مباحثات الهدنه بعد الحرب العربيه الإسرائيليه الأولى وكوّن معهم علاقة صداقه ممتازه . ما أن قامت بريطانيا وفرنسا بإعادة إدريس السنوسي الى ليبيا عام 1951 حتى قامت شلة العسكر المدعومين أمريكيا بقلب نظام الحكم في مملكة مصر والسودان وطرد بريطانيا منها . المصريون الذي صدعوا رؤوس العرب بشعارات الوحده , فصلوا عنهم السودان منذ عام 1956 ولم يتذكر أي منهم الوحدة معها حتى يومنا هذا

لم تكتفِ حكومة العسكر في مصر بهذا بل أدخلت الجيش المصري في حرب اليمن عام 1962 لطرد بريطانيا عن حامية عدن وباب المندب . بريطانيا ومن أجل تجنب المزيد من الخسائر أعلنت عام 1964 أنها ستنسحب عن حامية عدن بنهاية عام 1967 . قبل هذا الإنسحاب ب3 أشهر كان دور العرب في ( تقشيط ) مستعمرات بريطانيا وتحويلها الى مستعمرات امريكيه تحت مسمى الإستقلال , كان الدور قد إنتهى ولهذا تم إدخال العرب الى حرب حزيران وما هي غير 6 أيام وتعلن النكسه التي رافقتها إرتدادات على كل المستويات مازالت فاعله حتى اليوم

وسط هذا الصراع المحتدم إحتاجت بريطانيا الى منصة للتعبير عن آرائها وافكارها في كل ما يقع , ولهذا فعلى غرار المسلسل الكارتوني سامبسون تم إبتداع شخصية جيمس بوند . أيان فيلمنغ مؤلف الشخصيه هو ضابط مخابرات بريطاني ينتمي الى جهاز ( إم آي 6 ) تلقى تعليمه في كلية ساند هيرت عاش بين عامي 1908 _ 1964 قام بإبتكار شخصية جيمس بوند عام 1952

تتلخص قصة حياة جيمس بوند في أن والده إسكتلندي وأمه سويسريه . أمضى حياته في السفر في أوربا بسبب عمل والده في الصناعات الحربيه , ولهذا فهو يتكلم الإنكليزيه والفرنسيه والألمانيه بطلاقه . قتل والداه في حادث تسلق حين كان في 11 من عمره فعاد الى بيت عمته مس جيرمان بوند

بعد تخرجه من الكليه إلتحق بالبحريه الملكيه البريطانيه وعاش أيام الحرب العالميه الثانيه وحصل فيها على رتبة قائد . له مغامرات جاسوسيه في أغلب دول الشرق الأوسط منها العراق وايران وليبيا والبوسنه . يجيد العديد من اللغات الشرقيه , وهو الأول على مجموعته في التحمل البدني , والمنطق , والعمليات النفسيه . خدم في البحريه من عمر 17 _31 وتم نقله الى الإستخبارات السريه العسكريه إم آي 6 وهو بعمر 30 عام

بعد وفاة المؤلف أيان فيلمينغ تابع كتابة روايات جيمس بوند مؤلفون مختلفون أغلبهم ينتمي الى المخابرات البريطانيه , وتحولت 26 رواية منها الى أفلام سينمائيه , اما 5 روايات أخرى فقد تحولت الى ألعاب للفيديو

الممثلون الذين تعاقبوا على أداء دور جيمس بوند هم كل من : باري نيلسون , شون كونري , جورج لازينبي , روجر مور , تيموثي دالتون , بيرس بروسنان , دانييل كريغ

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.