جمال شحيد: رغم القلق والخوف متفائل بالربيع العربي.. والطغيان إلى زوال

السوري جمال شحيد كاتب بدأ حياته راهبا في دير وانتهى مترجما وناقدا يعتبر الترجمة جانب مهم جدا في الثقافة الإنسانية chuaid_jam3 chhide2وهي مفتاح التطوّر.
العرب:: عمار المامون [نُشر في 03/02/2014، العدد: 9458، ص(15)]

شحيد: تخيفني شعارات الدعوة إلى القتل والتدمير

دمشق- الباحث والمترجم السوري جمال شحيّد، من أهم المشتغلين العرب في حقل الأدب والترجمة والفكر منذ أكثر من عشرين سنة. نشر أبحاثه في الصحف والمجلات السورية واللبنانية. حاصل على الدكتوراه في الأدب المقارن. وهو عضو جمعية النقد في اتحاد الكتاب العرب وأيضا الجمعية الدولية للأدب المقارن. صدر له 26 مؤلفا وهو الآن بصدد إنجاز كتابه السابع والعشرين. “العرب” التقت بجمال شحيّد في دمشق وكان الحوار الآتي.
الحديث إلى الباحث جمال شحيّد، تاريخ يمشي أمامك، لا يمكن أن تفوته فائتة في صفحة لكتاب ما، ناقد ومترجم وباحث، أثناء حديثنا عن إحدى محاضرات “جاك لاكان” التي حضرها في فرنسا، يقاطعنا النادل وهو يقدّم الشاي.. ثمّ يتابع شحيّد حديثه وكأن لاكان أيّ أستاذ في الجامعة.. محصنا بعدة لغات يقتحم نصوص الأدب لينهب معانيها ويعيد تكوينها.

كنت راهبا

مسيرة الناقد والباحث السوري جمال شحيد، غير عادية بالمرة، فقد بدأها راهبا وانتهى مترجما وناقدا، عن سرّ هذه النقلة يقول شحيد: «عندما كنت في التاسعة من عمري أرسلني أبي إلى لبنان للدراسة في مدرسة دينية في “حريصا” اسمها “الآباء البولسيون” ودرست فيها حتى البكالوريا اللبنانية، ثم انتقلت إلى القدس العربية قبل 1967 حيث درست الفلسفة واللاهوت في مدرسة اسمها “الصلاحية”، بعد ذلك رأيت أن هذا الطريق لا يناسبني، فعدت إلى دمشق».

ويضيف قائلا: «في دمشق حزت على إجازة في اللغة الفرنسية، وعام 1970 سافرت إلى باريس لمدة أربع سنوات حيث عملت على أطروحة دكتوراه بعنوان “الوعي التاريخي في أعمال نجيب محفوظ وأعمال إميل زولا” ثم عدت عام 1974 وقد حملت كل كتبي من باريس، في البداية شعرت بالإحباط، لكني تجاوزت الأمر ودرّست في جامعة دمشق، حينها كانت لديّ أحلام كثيرة وكنت أريد تغيير العالم، لكن خيبة الأمل أصابتني لأن المؤسسة الجامعية كانت بيروقراطية وقمعية.chhide1

تنقل جمال شحيد بين دمشق وبيروت والقدس وباريس، هذه المحطات ساهمت في تكوينه الفكري بدرجة كبيرة، يقول شحيد عن هذه المراحل: «النقلة الأساسية في حياتي كانت في باريس، كنت شابا خجولا حينها، لكني رأيت أن هذه المدينة كنز ثقافي كبير، قابلت مجموعة من الكتاب والفنانين والسينمائيين والموسيقيين، لكن ما غيرني هو النزعة الطليعية “Avant-garde” التي كانت منتشرة في أوروبا. لم أنتمِ إلى أي حزب سياسي لأحافظ على استقلاليتي لكن توجهي تقدميّ وحداثيّ وانفتاحيّ وهذا ما لم أجده بما يكفي في جامعة دمشق.

شجيد: المثقف العضوي يزعج السلطات العربية

قابلت هؤلاء

التقى شحيد بكبار المفكرين الفرنسيين مثل سارتر ودولوز وشاتليه وغيرهم.. يقول الناقد السوري عن هؤلاء: «السبعينات في باريس كانت متأثرة بثورة الطلاب عام 1968، فسارتر كان ماويا في تلك الفترة وذا شعبية هائلة بين الطلاب في الحي اللاتيني، بالإضافة إلى وجوده شبه الدائم في مقهى “Les Deux Magots” أحيانا كان يعتلي برميلا في “سان ميشيل” ويخطب في الطلاب ويوزع جريدة La cause du peuple، فاضحا البرجوازية الحاكمة في فرنسا، وهذا ما أذهلني! كما كان يساعد الطلاب في قضاياهم ويضغط على الحكومات. وسعدتُ أيضا بلقاء “جيل دولوز″ ونجيب محفوظ. في العالم العربي شهدت الثمانينات والسبعينات حركة ثقافية معقولة في كل من بيروت والقاهرة ودمشق. المغرب العربي تأخر في ذلك أي تأخر في الدراسات العربية، لكن برز أعلام كمحمد عابد الجابري ومحمد أركون وعبد الله العروي؛ وفي تلك الفترة صدرت كتب وأسست دور نشر مهمة، لكن هذا التيار الفكري انحسر، فالأنظمة العربية أرادت وأد هذا التيار والقضاء عليه».

يلوم الكثيرون، اليوم، المثقف نظرا لعدم مواكبته التغيرات، أو إبداء مواقف واضحة من قضايا عدّة؛ عن موقف شحيّد من المثقف، يقول: «وجود المثقف العضوي حاليا في العالم العربي يزعج السلطات العربية، هم يريدون مثقفا مُدجنا، يهادن السلطة، وكل الذين يرفضون هذه المهادنة يهاجرون كأدونيس وسليم بركات وصادق جلال العظم، أولئك المهاجرون منطقيون مع أنفسهم، فلم يساوموا الأنظمة، لكن لكل منهم ظروفه، فصادق جلال العظم درّس في جامعة دمشق بعد أن طرد من الجامعة الأميركية في بيروت بسبب أحد مؤلفاته، وعند عودته أقام العديد من الأنشطة في جامعة دمشق كـ”الأسبوع الثقافي” الذي كان يستضيف فيه الشخصيات الأدبية والفكرية المهمة والمشهورة.

رواية الذاكرة

هناك علاقة مميزة بينك وبين الذاكرة نلاحظها في أبحاث شحيّد وكتاباته، فما السرّ في هذه العلاقة؟، يجيب شحيّد عن هذا السؤال بقوله: «كتبت مؤلفا بعنوان “الذاكرة في الرواية العربية المعاصرة” وأعدّه من الكتب المفضلة لديّ لأنه يفتح آفاقا فكرية وثقافية بالنسبة للذاكرة، الإنسان الذي يهتمّ بذاكرته أو المجموعة التي تهتمّ بالذاكرة تفهم التاريخ، فالذاكرة تحدّد العلاقة مع الزمن والإنسان ومع الآخر، هل أنا أتذكر الآخر بشكل جيّد، وما هي تبعات نسياني له، وهل نسياني بيولوجي أو إرادي أو أيديولوجي. درست حوالي 15 رواية عربية تتحدّث عن الذاكرة لمؤلفين كعبدالرحمن منيف ونجيب محفوظ وجبرا إبراهيم جبرا».

معايير الترجمة

يقول “أومبرتو إيكو”: الترجمة، هي قول الشيء نفسه بلغة أخرى، لكننا لا نعرف ما هو هذا الشيء”، عن سبب اختياره لحقل الترجمة الشائك، يقول شحيّد: «عندما درست الأدب المقارن، كان أستاذي “إتيام بل” يركز على أن الترجمة هي جزء من الأدب المقارن، لكن إثر تدريسي الطويل للترجمة وجدت أن هذا الجانب في الثقافة الإنسانية مهمّ جدا، وهو مفتاح التطوّر، فالعالم الآن يترجم مئات الآلاف من الكتب سنويا، لكن العالم العربي يترجم فقط ما بين 2500 و3000 كتاب سنويا لمجموعة من السكان تناهز الأربعمئة مليون عربي، في حين أن بريطانيا وأميركا تترجمان حوالي الـ50 ألفا وفرنسا من 19 إلى 20 ألفا، وحتى هنغاريا وإسرائيل تترجم كتبا أكثر منا!»

وعن موضوع معايير اختياره للكتب التي يترجمها شحيّد، يقول الناقد السوري: «بشكل عام أنا أترجم إما روايات أو دراسات، في الرواية اخترت ترجمة “السفينة” لجبرا إبراهيم جبرا مع صديق فرنسي هو ميشيل بوريزي، لكن دار “آكت سود” الفرنسية طلبت مني ترجمة “بريد بيروت” لحنان الشيخ، كذلك”تاريخ الجمال” لـ”فيغارلو” وطُلب مني أن أترجم آخر جزأين من سباعية “البحث عن الزمن المفقود” لـ”بروست”. الترجمة حاليا أصبحت منضبطة، مع أن هذا المجال لا يخلو من ترجمات سيئة مثل ترجمة “الإنيادة” لعنبرة سلام الخالدي، الذي اختصر حوالي 45 صفحة لاتينية من النشيد السادس إلى أربع صفحات من القطع الصغير، وأنا أرى أنه مختصر غير مفيد».

وعن رأيه في تجارب الترجمة التي قام بها شعراء لترجمة شعراء آخرين، كحالة أدونيس الذي ترجم سان جون بيرس، يقول شحيّد: «أدونيس ترجم “سان جان بيرس″ ترجمة متميزة، وأحيانا نقع على ترجمات تتفوق على النص الأصلي، والسبب أن أدونيس مجدّ لا لأنه شاعر، وهناك كتاب كثيرون اهتموا بالترجمة أيضا، فجبرا مثلاً ترجم شكسبير، الكتاب الكبار يرون أن الترجمة عمل خلّاق مثل التأليف». ويضيف قائلا: «بشكل عام العرب في ميدان الترجمة مقلدون حتى الآن ولا نستطيع القول إن هناك مدرسة عربية نقدية تماثل سيميائية “أمبرتو إيكو” أو تفكيكية “جاك دريدا”. نحن نأخذ من هنا ومن هناك لكن لا بدّ أن تفضي هذه الاستفادة إلى سمة شخصية عربية نقدية كجابر عصفور أو أدونيس في دراسته “الثابت والمتحول”.

من الكتب المفضلة لدى جمال شحيد

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الكتّاب العرب الذين يكتبون بالفرنسية، فمنهم من يقول إن هذا “استشراق” مضادّ أو “استغراب” على حدّ تعبير حسن حنفي، يقول شحيّد في هذا الصدد: «ليس “استغرابا”، هؤلاء الكتاب ليسوا تابعين للثقافة الفرانكوفونية لكن هناك ظروفا معينة خلقت التيار “الفرانكوفوني” أو “الأنجلو ساكسوني”، فظروف اللغة العربية كانت هزيلة في أيام دراستهم كحال كتاب المغرب العربي وأحيانا لبنان، وظاهرة “الفرانكوفونية” يجب أن ينظر إليها كما هي، وأن لا تتهم بأنها تمارس العمالة، فإدوارد سعيد حرّ وبقي عربيا مع أنه كتب بالأنكليزية كذلك أمين معلوف الذي كتب بالفرنسية، هؤلاء خلفياتهم ما زالت عربية، ويجب أن يحاكموا بحسب قيمة نصوصهم».

نحن مسحورون بشعراء من فرنسا، أمثال “رامبو” و”مالارميه”، فهل هم مصابون بنفس هذا السحر تجاه بعض من شعرائنا؟ عن هذا السؤال يجيب شحيّد: «هناك شاعر عربي أثر في الشعر الفرنسي هو “أدونيس″.. فقط.. وهو حاليا من أهم شعراء القرن العشرين، فشعره إنساني، وهو الشاعر العربي الوحيد العالمي».

خيبات أمل

يقول البعض إن النهضة العربية فشلت، وإن الربيع العربي يمتلك صوتا جديدا ليقدمه على الصعيد الأدبي الثقافي، في هذا الشأن، يقول شحيّد: «أنا لا أوافق على هذا الرأي بصورة كاملة وقاطعة، فعصر النهضة بشّر بانفتاح عربي ساهم فيه رفاعة الطهطاوي وجرجي زيدان وغيرهما.. لكن العرب أصيبوا بخيبات أمل مع الاحتلال الأنكليزي ثم الفرنسي. أما الآن فهناك احتلال أو عدوان في شكل جديد، لكنه لن يستمرّ، هو آني، ونهايته وشيكة، لكن الشرخ الذي سببه هذا العدوان يحتاج إلى الكثير من الوقت كي يندمل، المستقبل هو للنهضة الجديدة، النهضة الثانية، أنا متفائل برغم جوّ الخوف والقلق الذي نعيشه، وهذه الصفحات المظلمة في التاريخ ستزول، وسيزول الطغيان».

نهضت أصوات هامشية حاولت إثبات وجودها على الساحة الأدبية والثقافية، فهل يمكن التعويل على هذه الأصوات؟ يجيبنا شحيّد عن هذا بقوله: «ممكن، لكن هذه الظاهرة يجب التعامل معها بحذر، فالنصوص المنشورة إن كانت ذات قيمة في حدّ ذاتها ستفرض نفسها، لكن هناك بعض الشباب الذين يركبون الموجة ويتكسّبون منها، هؤلاء طحالب على هذه الشجرة الصغيرة التي بدأت تنمو. لكن المستقبل هو للكتّاب الذين سيستفيدون من التجربة وتخمّرها، ثلاث سنوات لا تكفي لتنتج كاتبا».

الجدران في سوريا أصبحت أداة للتعبير كما في ثورة السوربون، فهل هناك من شعار رفع في سوريا أثار انتباه شحيّد؟، يجيب قائلا: «الشعار هو انعكاس لحالة سياسية واجتماعية وأيديولوجية، ما يخفيني هو شعار “إلى الأبد”، شعار صادم ويعارض مسيرة التاريخ، فالأنظمة السياسية لها بداية ولها نهاية وانحسار، كما يقول ابن خلدون، أما أن تقول هذا الحكم أو ذاك سيبقى “إلى الأبد” فهذا كفر يتعارض مع المنطق وحركة التاريخ».

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.