تريد مني أن أقاتل أبو خالد الرنكوسي الذي أنقذ حياتي ..؟؟!!.

Bassam Yousef
غادرنا كلنا، نحن الإخوة والأخوات الأحد عشر، بيت الضيعة ولم يبق فيه إلا والدي وأحد إخوتي مع زوجته وأولاده، لذلك كنت أزور القرية دائما لرؤية والدي واخي وبعض الاصدقاء والأقارب .
لم يكن موضوع اعتقالي ومعارضتي للنظام عائقا أمام علاقاتي بالكثير من أهالي قريتي الموالين ، وكنا غالبا نختلف في حواراتنا السياسية وتعلو أصواتنا ثم ننهي حوارنا بود معترفين أنه خلاف يصعب حله، وننتقل لأمور أخرى.
بعد انفجار الثورة السورية اختلف الأمر تماما، أصبحت حواراتنا أكثر نزقا واتهاما ..وصرنا نفترق على عداوات حقيقية ومخاصمات، وبدأت القطيعة تتمدد شيئا فشيئا .
في احد زياراتي وكانت في شهر حزيران أي بعد ثلاثة أشهر على بداية الثورة زرت والدي كالعادة، وكالعادة في مثل هذه الفترة من السنة نجلس على سطح البيت تحت عريشة العنب، ولأن الطريق يمر ملاصقا لسطح بيتنا كان لابد من أن يرانا كل عابر عليه، وكعادة أهل القرى سيلقي العابر تحيته، وسنرد التحية ثم ندعوه لمجالستنا.
في تلك الزيارة تصادف مرور أحد البعثيين العتيدين بجانبنا، وهو عدا عن كونه بعثيا فإنه يساهم أيضا في “حماية” الوطن والحزب عبر كتابة تقارير دورية لجهة أمنية، ألقى تحيته، فرددنا التحية، ثم دعوناه لمشاركتنا شرب الشاي فاستجاب للدعوة.
ونحن ننهض لاستقباله وقبل أن يصل إلينا همس والدي قائلا:
– بلاها طولة لسانك. فهززت رأسي موافقا.
حاولت أن أتجنب الحديث في مايجري، لكنه كان مصرا على الخوض فيه، وكلما هربت إلى التحدث بصيغة عامة كان يحاصرني بخوضه في التفاصيل، فلم يكن أمامي إلا أن أذهب في الحوار الى نهاياته .
احتدم النقاش، وتعالت أصواتنا، وأصبح الجو متخما بالعداوة والاتهامات، فجأة انخفض صوته قليلا ثم وبلهجة تشي بالحميمة والود قال لي :


– انت بتعرف انو انا بحبك وبحترمك، وانا حريص عليك جدا، بس يا أخي انت عنيد … خليني اخدمك بهي الفكرة .
قلت له : تفضل .
قال: هلا جد انت مصدق انو هي ثورة … والناس اللي طلعوا طلعوا منشان الحرية والحقوق و..و.. ؟؟
قلت له: طبعا مصدق وواثق من هاد الأمر لأنو انا ابن هالبلد وبعرف شو عم يصير ..
هز رأسه مستخفا ثم قال:
– انت غلطان … غلطان كتير، صدقني الموضوع باختصار انو السنة مابدهن علوي يحكمهن .
ضحكت، قلت له: بفهم منك انو انتو الآن عم تخوضوا معركة ضد السنة اللي بدهن يشيلوا الرئيس العلوي..؟؟ فهز رأسه بالايجاب، فأكملت : معناها انت بدك ياني انا العلوي بنظرك كون معكن لانو المعركة لا علاقة لها بالسياسة، وبدك حارب السنة ..؟؟.
قال: لسنا من بدأ الحرب هم من بدأوا بها… ونحن ندافع عن أنفسنا.
وعندما سألته مستنكرا: انت بعثي … وانت بحزب الو خمسين سنة مستلم السلطة وجاي هلا تحارب ببلدك على اساس طائفي ..إذا شو كنتو عم تعملو بهي الخمسين سنة ؟؟.
فجأة خرج أبي عن صمته، قال لنا بتسمحولي اتدخل، فصمتنا، قال والدي:
– بدي احكيلكن قصة ، انظروا الى قدمي ( ومد قدم رجله اليمنى كي نراها، كان والدي قد أصيب في حرب حزيران 1967 وفقد جزءا منها) بتعرفو انو هي اصابة من حرب حزيران بس يمكن فلان ( يقصد الضيف ) مابيعرف باقي التفاصيل ورح احكيلكن ياها.
– بال 67 كنت عسكري متطوع وكان اختصاصي صيانة مضاد الطائرات 14،5 اللي الو اربع سبطانات، ولما بلشت الحرب كنت ع الجبهة بكتيبة دفاع جوي م ط 14،5 ، كانت العناصر التابعة للكتيبة لسا ماخلصت الدورة ، بس لما بلشت الحرب حطوها بالمعركة، يعني كانوا لسا أغرار بلغة الجيش، كانوا العساكر بس يشوفو الطيارة يحطوا اجرهن على زناد الاطلاق ويضلوا ضاغطين عليه لحتى يخلص شريط الطلقات … المهم ماكانوا يصيبوا شي لأنو الطائرات كانت أعلى من المدى المجدي، باليوم الثاني ما كنت اقدر اسمع شي بأذني من كتر أصوات الاطلاق، بيأشرلي أحد الرماة انو صار عندو استعصاء بالمضاد، فرحت لحل المشكلة ونزلت بالحفرة اللي بتكون قاعدة المضاد فيها وبلشت اشتغل، بعد شي ساعتين طلعت من الحفرة واذ انا وحيد ولا بشري حواليي وهالسبطانات كلها مادة راسها باتجاه السماء لحالها.
يبدو انو اجاهم امر بالانسحاب وانسحبوا وانا لانو ماعم اسمع ونازل بالجورة ماحدا انتبه علي، كان الوقت قد اصبح قبل الغياب … وكان لازم انسحب لانو رح تجي الطائرات الاسرائيلية تدمر الموقع … لكن ولانو ماضل في اطلاق نار صار بامكانها تنخفض كتير … فكرت انو ضل بالحفرة لحتى تمر الطائرات وبعد ماتروح استغل الفترة الفاصلة قبل عودتها مرة أخرى، وحاول الوصول الى الخندق الذي لايبعد اكثر من 300 متر .. هونيك بنتظر لحتى تغيب الشمس وبنسحب لانو الطيران عم يمشط المنطقة، وفعلا انتظرت ولما بعدت الطيارة خرجت من الحفرة وركضت بكل ما استطيع باجاه الخندق … لكن طائرة ثانية كانت قد ظهرت وكنت قد اصبحت في ارض مكشوفة فبدأت باطلاق النار من رشاشها باتجاهي … وقبل الخندق بامتار انبطحت ارضا لان الطائرة اصبحت فوقي وواصلت زحفا لكن طلقة أصابت قدمي من الخلف .
استطعت الوصول الى الخندق … كنت انزف بقوة خلعت البوط الذي تفتتت مقدمته وبدات استعمل الضماد الذي لدي .. كنت اخاف ان أغيب عن الوعي بسبب النزيف، ثم انزف حتى الموت، وكان لابد من الخروج من الخندق لانني ان بقيت فيه فلن يراني احد… لم يطل الوقت حتى حلت العتمة ، كان لايزال لدي القدرة على الحركة فخرجت من الخندق، وبدأت بما تبقى لدي من قدرة ازحف لعلي اصل الى طريق ما .
بينما انا ازحف واتوقف واذا بشخص يقترب مني .. لم اعرفه في البداية بسبب العتمة لكنه عندما اقترب عرفته كان ابو خالد الرنكوسي، ابو خالد هو من رنكوس، اكتشف بعد كيلو مترات من الانسحاب انني غير موجود … وعندما سأل الجميع واخبروه انهم لم يروني تأكد أنني لا أزال في الموقع، طلب من السائق ان يعود فرفض ..وهكذا لم يكن امامه الا النزول من السيارة والعودة ماشيا للبحث عني.
حملني ابو خالد الرنكوسي حتى وصلنا الى طريق تعبره السيارات العسكرية المنسحبة .. هناك انتظرنا حتى مرت سيارة واصعدني اليها ثم ظل معي حتى وصلت الى مستشفى قطنا العسكري …
صمت والدي قليلا ثم نظر الى الضبف قائلا :
تريد مني أن أقاتل أبو خالد الرنكوسي الذي أنقذ حياتي ..؟؟!!.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.