تخاذل الفقهاء ….. وتعالم الجهلاء

لا … ليس كما يدعي المستشار والمحام بالنقض والباحث الإسلامي بأنه لا أحد يهتم لدين الله ؟.. كما كان الأولى به أن يهتم هو بدين الله كونه هو الذي يعلم دين الله كما لم يعلمه أحد من الفقهاء قبله .. بل وقد سبق المعري باكتشاف ضعف الأحرف الأبجدية ليستطيع أن يتبحر في نشر علومه وافتئاته على شرع الله تعالى ؟…
لا تربطني بالفقهاء رحمهم الله تعالى لاصلة قرابة ولا معرفة شخصية … ولكن دفاعي عنهم بعد معرفتي ودراستي لما قدموه من فهمهم المنضبط بقيم الحق لشرع الله هو للحقيقة وللتاريخ ولدفع الأذى والإفتئات عليهم بدون وجه حق .. ودون دليل معتبر عقلاً وشرعاً ونقلاً إن شئت …
فهو يقول في بداية مايقوله ( سأعرض عليكم أربع أمثلة تدلل على تخاذل فقهاء المسلمين عن تنقية التراث …… ويتابع قوله : ومخالفتهم القوانين التي تأمرهم بتنقية التراث وتجليته من الفضول والشوائب ) ؟..
وأنا أسأل الكاتب هنا وباعتباره باحثاً اسلامياً وقضى جلّ عمره في عمله بسلك القضاء لدرجة أنه وصل لمرتبة ـ مستشار ـ أسأله عن سرّ تخاذله هو في عدم ذكر القوانين ومصدرها التي أمرتهم بتنقية التراث ؟…
والتي اعتمدها كأساس في اتهامه لهم تالتخاذل ؟… فهذا أول إفتئات عليهم وأوّل سقطة له بعدم مصداقيته فيما يقول .. وبناء كله ماقاله بعد ذلك لاحقاً على ماقاله سابقاً بدون دليل ؟….
وأذكّره أيضاً في بداية حديثي وبما أنه خبير في أمور القضاء وأصوله عن أثر البيّنة في أي دعوى قضائية وشرطها في صلاحية استمرار الدعوى أو رفضها بداية ..وخاصة بأن عمله كما يدعي هو في محكمة النقض والتي تعتبر قمّة هرم التنظيم القضائي والتي يتجلّى دورها في مراقبة تطبيق القانون من طرف محاكم الموضوع سواءً تعلق الأمر بقوانين الشكل أو المضمون إضافة لبقية المهام الأخرى المنوطة بها ..


وقد ورد تعريف القرينة في المادة ـ 1741 ـ من مجلة الأحكام العدلية بأنها ( الأمارة البالغة حدّ اليقين ) … والقرينة أيضاً هي كما عرفتها محكمة النقض المصرية بأنها ( استنباط أمر مجهول من واقعة ثابتة بحيث إذا كانت هذه الواقعة محتملة وغير ثابتة بيقين فإنها لاتصلح مصدراً للإستنباط )
وأمّا على اعتباره باحثاً إسلامياً فهل فاته قوله تعالى ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) والذي فهم منه الفقهاء ( المتخاذلين عن تنقية التراث ) بأن البيّنة هم الشهود وحدهم لأن القرآن الكريم عدّ الشهادة أساساً للإثبات في آيات كثيرة وأليس الشهود هم الذين أطلق عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ـ البيّنة ـ في قوله لهلال بن أمية عندما قذف امرأته بشريك بن سمحاء ( البيّنة أو حدّ في ظهرك ) … وأيضاً حينما اختصم إليه صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس مع آخر في بئر وقال له النبي عليه السلام ( بيّنتك أو يمينه ) يعني شاهداك أو يمينه لقاعدة ـ البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر ـ وعلى ذلك ذهبت مجلة الأحكام العدلية عندما عدّدت طرق الإثبات في المواد ـ 1743 ـ 1572 ـ ومنها : الشهادة والخط والقرائن واليمين والنكول والإقرار .. وكذلك هو ما ذهبت إليه مجلة الأحكام الشرعية ؟…
وأمّا كونه محام بالنقض فقد لايغيب عن ذهنه بدهيات بأن السلطة المخوّلة في الفصل بالمنازعات لا توفّر الحماية لحق متنازع فيه إذا كان عارياً من دليل إثبات مصدره ؟… ولأن الإثبات يعد بمثابة الأساس الذي يحقق الحماية القانونية للحقوق .. ولأن الحق يتجرّد من قيمته مالم يقم الدليل عليه والدليل في النهاية هو قوام حياة الحق وأساس الإنتفاع الهادي به …
والمقصود بالإثبات هنا هو ( إقامة المدعي الدليل على مايدعيه على نحو يحدث أثراً قانونياً ) وهو في معناه القانوني ( إقامة الدليل أمام القضاء على وجود مصدر الحق المدعى به وذلك بالكيفية والطرق التي يحددها القانون ….
وأعود هنا لأقدم الأدلة والشواهد والقرائن على عدم صحة إدعاء هذا الباحث الإسلامي بداية بقوله ( وجود آية أكلتها الداجن بينما كانت تتم تلاوتها حتى مات رسول الله فأين ذهبت ) …
وأسألك بالله ياحضرة المحام فلو رافع محامي في قضيته أمام أي محكمة وقال ماقلته انت وبنفس الصيغة .. فما هو موقف القاضي منه ؟…. هل هذا كلام قانوني تصح المرافعة به ؟…
دعك من الصياغة القانونية أو الأدبية أو العامية الفجّة .. .. وقل لي : كيف تؤكل الآية ؟… بل كيف تأكل الداجن الآية ؟… ألست من القرآنيين ؟ ألست ممن ينكرون السنة ويؤمنون بما جاء فقط في القران الكريم ؟ …
إذاً … كيف تكذّب قوله تعالى ( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) في القرآن الذي تؤمن به وتثق به وتعتمد عليه في استنباط كل مايلزمك من أمور الحياة .. وتصدّق بأن داجن أكلت الآية ؟..
وقس على ذلك آية عدد الرضعات ؟… وما كان على شاكلتها ؟…
أمّا مقالك في الإمامين الجليلين وفي الشافعي الذي الحقته بهما … فكلام مرسل لادليل عليه ولم تكن موفقاً حتى بعملية ـ القص واللصق ـ التي قمت بها لذلك لم تكن مدركاً لما تقوم به للأسف ؟…
لقد كان بودي أن أشرح وأبيّن لك ذلك الذي استعصى عليك فهمه ؟… ولكني تريثت لأترك لك المجال لكي تبحث بنفسك بشكل محايد ونزيه وتتبع أصول البحث المقارن بعد تأصيله في هذه المسائل الفرعية البسيطة والتي هي حقيقة على غير ماتذكرها … علّك بذلك وبعد عملية البحث علّها تصل بك إلى لذّة النيرفانا …. والتي هي لذّة اكتشاف المعرفة … وعندها قد تعيد النظر في كلّ ماتسنده إلى أناس أبرياء مما تصفهم به … وقد يحاجّوك بقولك أمام الله عز وجل في يوم ( يجعل الولدان شيباً ) ( وتذهل كلّ مرضعة عما أرضعت ) ( ويوم يفر المرء من أمّه وأبيه و……..)
ففي مقالك هذا وطرق استدلالك ومصادرك في البحث ومنهجك المتجني الذي أفقدك الصواب وأتلف بوصلتك في الدلالة وأغفى بصيرتك وأيقظ بصرك … قد يكون سبباً في فتح الباب على مصراعيه أمام ماهب ودب من العوام ومن الذين امتهنوا الوعظ الأجوف لأن يهرفوا بما لا يعرفوا … ولا أستبعد أن تكون مصادرهم أيضاً كتباً لها أرقام صفحات وتسلسل للأسطر وفيها أيضاً مقدمات وتقديمات وفهارس .. مثل كتاب رجوع الشيخ أو الأغاني وأمثاله ؟….

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.