منذ عشرة أيام جاءت تزور موقعها الأثير الآمن الذى تملكه منذ عدة سنوات وتأتي اليه مرات معدودة طوال العام، حيث تعودت ان تتفقده لتقف على حاله فربما يحتاج لبعض الإصلاحات أو الترميم قبل أن تضع فيه أغلى ما لديها.. ترتدي معطفها البني المطعم بريشات رمادية كالمعتاد ، تفاجأت بوجود طعام معد مسبقا فتذوقته بفرح وظهر الارتياح على وجهها وشعرت بأمان اكثر فالمكان لم يكن مجهزا بالطعام من قبل ولكن اليوم بات كاملا متكاملا ، أى أنه أصبح يتوفر فيه المأوى والمأكل .
كانت تذهب وتجيئ عدة مرات أثناء اليوم تضع أحمالها وتقف بجوارها برهة ثم تقوم بإعادة وضعها ورصها بإتقان وبعد تفكير كأمهر مهندس، والتأكد انها فى المكان الصحيح ، وتلتقط بعضا من الطعام ثم تذهب مرة أخرى.. كنت أراقبها من بعيد دون إزعاج ، ودون أن تدرك هى أنى أراها فربما لو احست بمراقبتي لها فلن تضع أيا من أشيائها الثمينة هنا، كنت أرصد زياراتها عدة مرات أثناء اليوم ثم مرة أو مرتين قرب الغروب وتختفي ليلا ولا تأتي أبدا حتى فجر اليوم التالى.
فى ذاك اليوم كنت أطل من خلف زجاج الشرفة وتأكدت أن أشيائها التى وضعتها فى آخر زيارة لها لم تزد عن اليوم السابق، صار لها يومين لا تحضر وكأن المكان لم يعد يروق لها أو ان مذاق الطعام لم يعد بنفس اللذة السابقة ، أو كأنها فجأة استشعرت خطرا ما.
لا اعرف لماذا أحسست أن الجيران الجدد الذين سكنوا فى حينا الهادئ منذ ما يقرب من الستة أسابيع هم من تسببوا فى نفورها وعدم عودتها، فقد كانوا مزعجين للغاية وفى منتهى القذارة.
إلى أن جاء اليوم الذى رحلوا فيه بعد أن أحرقوا خيامهم التى بنوها أسفل العمارات واستخدموا المتفجرات بمنتهى الضراوة والغباء فلم يرهبوها هى فقط وإنما أثاروا الرعب فى قلوب صديقاتها اللاتي كن يسكن بالقرب منا يصوصن ويمرحن كل يوم ما بين طلوع الشمس والى قبل غروبها.
يمامتي الحبيبة ، تعالي .. إطمئني فقد رحلوا ، العش مرتب كما تركتيه تماما فى آخر زيارة فلم ينل منه الرصاص الذى أطلقوه عند رحيلهم ، والزرع فى حوض الزهور المجاور ينتظر لتأتي فتنقريه وتتغذين، ريشاتك البنية والرمادية التى سقطت من معطفك فى آخر زياراتك ، ترقد فى الحوض الذى بنيتي فيه جزء من عشك السعيد الدافئ لاستقبال بيضاتك الغالية، تعالي صغيرتي فلقد رحل الكائن المشوه الذى سكن الحي لفترة فأتى على الأخضر واليابس، وأعدك بأن الأمور ستعود لما كانت عليه من جمال وسحر وهدوء، وستزهر الورود فى الشجر ، تعالي فلم يعد هناك مكانا لضغينة أو مؤامرة أو غدر، فالحب كان كامنا لحين إنحسار الغمة، فتعالي ستجدين قلوبا مفعمة بالسلام ، وإقامتهم القصيرة لم تنل من الوئام والحب شيئا.
حين أطل على الحديقة فأشاهد آثارهم المدمرة ، بقايا شراشف لوثها التراب، بطاطين مهترئة ، حقائب بلاستيكية ، نعال وأحذية متسخة مقلوبة ومنها الكثير الممزق.. مواسير خضراء اللون كانوا يستخدمونها كعصي لضرب من يتعرض لهم أو يعارضهم، خوزات للرأس وقطع ملابس من كل نوع قذرة ومبعثرة فى كل إتجاه.
جف العشب الأخضر المخملي الذى كانت تملأ رائحته الشارع بعد أن يرويه حارس العقار بسبب طول الرقاد فوقه ودهسه بالأقدام الخشنة ، حزنت الشجيرات وتوقفت الرائحة العطرة التى كانت تحملها النسائم الليلية من أنفاس نبات مسك الليل، تلك الشجيرات الصغيرة التي كانت تواري عبقها الحريري مع قساوة ضوء الشمس ثم تتسلل بعد غروبها كعاشقة.. أوصدت نوافذها وحبست عطرها وعزفت عن بث عبيرها وكأنها تدرك أن إنبعاث العطر محرم عند كارهي الجمال والحياة .
حين أنصت للصمت والهدوء الذى عم المكان بعد رحيلهم وأتذكر اللغو وأحاديث الخرف التى كانت تصدع رؤوسنا طيلة الشهر ونصف الماضية شاملة شهر رمضان ، الشهر الذى كانت تتنافس فيه مساجد الحي وتتبارى فى جمال أصوات المؤذنين، وإذا بهؤلاء الأوباش لا يتوقفون عن بث صراخهم ونعيقهم فى الميكروفونات ويتنافسون على ارتفاع الصوت فيها لدرجة يصبح معها من المستحيل تفسير حتى ما يزعقون به. أحالوا حياتنا إلى جحيم فهرب اليمام والحمام والعصافير من الغابة التى تتوسط المنطقة السكنية والتى كانوا يستخدمونها كمرحاض كبير يتبولون ويتبرزون ويستحمون بها دون أي خجل ، حتى الغربان التى كانت تتجمع فى الصباح لتنافس جامعي القمامة وتخطف ما يتساقط منهم ، لم نعد نراها رغم إنتشار قمامتهم فى كل مكان. شيئ ما أحدثته هذه الجماعة ينفر حتى الطير، من الجائز ان يكون الكراهية التى تمتلئ بها قلوبهم أو إنعدام الرحمة والانسانية من عقولهم.
كيف أستعيد اليمامة مرة أخرى ؟ وهل يا ترى بعد ما سمعته من أصوات طلقات الرصاص وقنابل المولوتوف ستعود مرة اخرى لتكمل بناء عشها وتضع بيضها فى حوض الزهور المعلق فى مسند الشرفة ؟ لا أظن فالحروب دائما طاردة..!
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
فيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمحرب #اسرائيل مع #حماس دينية ام سياسية ؟
Published by:صباح ابراهيمعن الفنان السوري #فؤاد_غازي: أخدوه ع الشام و"خيسوه"، الله "يخيّس" آخرتهم.
Published by:مفكر حرمن تلفيقات الفقهاء وأكاذيب المفسرين
Published by:صباح ابراهيمنبوءة_اشعياء وحرب #اسرائيل وحماس
Published by:صباح ابراهيمشيعة #العراق وأزمة المواطنة
Published by:علي الكاش** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هلوسات د. سمير غطاس حول أرض الموعد وهيكل سليمان … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السنديالطفل اليانع
Published by:آدم دانيال هومهالعراق ما بين الماضي الزاهي والحاضر العاثر
Published by:مفكر حرأحدث التعليقات
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- س . السندي on سيناريوهات الحرب بين #حماس و #إسرائيل.
- س . السندي on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- الأب بولس فلوح on رواية الغريب وضياع الهويه