تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة 9

رياض الحبيّب

تناولت في الحلقة السابقة طرحاً موجزاً لموضوع إسقاط أشياء من القرآن عند جمعه في زمن عثمان بن عفان- الخليفة الثالث، كما ورد في كتاب “الشخصية المحمدية” لمؤلفه أديب العراق الكبير معروف الرصافي. وسوف أكتب في هذه الحلقة أمثلة متنوّعة ممّا نقل الرصافي عن كتاب “الإتقان في علوم القرآن” لمؤلفه جلال الدين السيوطي وعن كتاب “إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون” أو “السيرة الحلبية” لمؤلفه علي بن برهان الدين- ممّا يأتي في حينه. وتسهيلاً للعرض فقد أوجزت الأمثلة بنقاط:

أوّلاً- ما تمّ إسقاطه من مصحف عثمان
1 في الإتقان 25:2 حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن المبارك بن فضالة بن كعب، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش قال لي أبيّ بن كعب: كأين، وفي بعض الروايات: كم تعَدّ سورة الأحزاب؟ قلت: اثنتين وسبعين آية أو ثلاثاً وسبعين آية، قال: إنْ كانت لتعدل سورة البقرة، وإنّا كنّا لنقرأ فيها آية الرّجم، قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم.

وهناك حديث آخر حول سورة الأحزاب عن عائشة قالت:
سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي مائتي آية، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن.

[وقد قمت بالتعليق على موضوع حرق الكلام المُسَمّى كلام الله وعلى موضوع الرجم- المُقتبس من الشريعة الموسوية- في الحلقة الثامنة من هذا البحث]
_______

2 وفي الإتقان 25:2 أيضاً: حدثنا حجاج عن ابن جريح، أخبرني ابن أبي حميد عن حميدة بنت أبي يونس، قالت:
قرأ عليّ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: (إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) أي سورة الأحزاب: 56 وعلى الذين يصلّون الصفوف الأولى، قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف!

[تعليقي:
بغضّ النظر عن الإختلاف ما بين مصحف عثمان ومصحف عائشة، كيف يصلّي الله وملائكته على النبي ويسلّمون؟
قيل ممّا قيل في تفسير ابن كثير لهذه الآية- باختصار شديد- أنّ صلاة الله تعالى هي ثناؤه عليه عند الملائكة وقيل رحمته، أمّا صلاة الملائكة فقيل أنّها تعني الدعاء وقيل الإستغفار. وقيل أنّ المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يُثني عليه عند الملائكة المقرّبين وأن الملائكة تصلي عليه ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا… انتهى

قلتُ:
1 لكنّ مفردات اللغة العربيّة ما كانت لتقصّر لو كان المراد بالمعنى غير الصلاة التي تعرفها العامّة.

2 إنّ هذه الآية لم تستثنِ إبليسَ من الصلاة على محمّد! ففي آيات أخر تمّ استثناء إبليس من السجود لآدم، كما في سورة البقرة: 34
(وَإذ قلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إبْليسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
ولي في موضوع السجود لآدم مقالة كاملة عبر الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=178992

3 لقد ناقض إلهُ القرآن قوله فهو من جهة يجعل العالمَين العلوي والسفلي- ومنهم الكفّار بدليل إبليس وسائر الجنّ من غير المسلمين- يصلّون على النبي ومن جهة أخرى يجعل محمّداً يقاتل الكفّار والمنافقين ويجاهدهم ويُغلظ عليهم، كما في سورة التحريم: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير)
وهكذا يصبح الذي يُكذّب محمّداً إمّا منافقاً أو ظالماً أو كافراً أو عدوّاً لله ورسوله ويصبح مصيره جهنم، أمّا الذي يُصدّق محمّداً فيدخل الجنّة وإن زنى وإن سرق- حديث محمّدي صحيح رواه البخاري: 5827 ومسلم: 94- وأجدني أضيف على الحديث وفق ما تقدّم: يدخل الجنّة المحمّدية وإنْ كان من الجنّ أيضاً- بخلاف ما في كتاب أهل الكتاب المقدّس إذ لا خلاص لإبليس!
وهنا آيات من سورة الجنّ:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قرْآَناً عَجَبا (١)
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدا (٢)
إلى قوله:
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدا (١٤)
وَأَمَّا القاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطبا (١٥)

4 تدلّ الآية- في نظري- على أنّ محمّداً لم يترك وسيلة لتمجيد نفسه، بما في الوسيلة من إشكاليّات ظاهرة لأولي البحث، إلّا استخدمها ومرّرها على عقول أتباعه ولا سيّما الذين يُطلق عليهم (أهل العِلم)]
_______

3 وفي الإتقان 25:2 أيضاً- أخرج الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال: قال لي رسول الله: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين)- سورة البيّنة: 1 قال: ومن بقيّتها ((لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه سأل ثانياً وإن سأل ثانياً فأعطيه سأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية، ومن يعمل خيراً فلن يكفره)) أقول (أي الرّصافي): إن كان ما أسقطه عثمان من المصاحف كله من هذا القبيل، فقد أحسن إلى الإسلام وإن كان أساء من جهة أخرى

[تعليقي:
أوّلاً- هنا النصّ الكامل للآية الأولى في سورة البيّنة:
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة)

وبهذه الآية اٌتّهم محمّد قوماً من أهل الكتاب بالكفر من جهة- ومن جهة أخرى عطف عليهم المُشركين بواو العطف، أي أنّ قدرهم وقدر المشركين واحد ومصيرهم واحد. ونحن- أهل الكتاب- مؤمنون بالله وموحّدون، فما معنى الكفر الذي في مخيّلة النبي العربي؟ وما دليل محمّد على كفر ذلك القوم من أهل الكتاب سوى عدم تصديقهم به؟ وتالياً ما دخل محمّد بالمشركين وسواهم؟ إنهم- في نظر الأحرار- أحرار فيما هم عليه من معتقدات وكان الواجب تبشيرهم وليس محاولات ترهيبهم وتقتيلهم واستباحة أرواحهم ونسائهم وحلالهم!
هنا من تفسير الطبري للآية المذكورة:
(لم يكن هؤلاء الكفار من أهل التوراة والإنجيل، والمشركون من عبدة الأوثان {منفكّين} يقول: منتهين، حتى يأتيهم هذا القرآن…) انتهى
وهنا من تفسير الجلالين للآية:
(حتى تأتيَهم ”أي أتتهم“ البيّنة أي الحجة الواضحة وهي محمد…) انتهى

إنّ ما تقدّم ليضطرّني إلى أن أكتب ما نُزّلَ عليّ أيضاً من ملائكة حقوق الإنسان- ردّاً على هذه الآية:

لَمْ يَكُنِ المغفلون سوى الذين صدّقوا بمحمّد نبيّاً للرّحمة وهو لا يختلف بجرائمه ضدّ الإنسانيّة عن الوَحْش*
منهم اٌبن تيمية ممّنْ أشركوه مع الله بالعَرْش*
ومنهم الذين اعتبروه معصوماً وخطاياه تجاوزت البَطش*
ومنهم الذين يُدافعون عن كتابه عبثاً وأمامهم مصادر النقش*
لا يحسن في القرن الحادي والعشرين خلافٌ على الباطل والغِشّ*
لقد انتهى محمّد إلى نَعْش*
وأمّا كِتابُهُ فمخصّص للسياسة واستعباد النّاس بالرّفش*
ولِوَطْء النساء منهنّ الجواري كماريّة القبطيّة ومنهنّ الحرائر كزينب بنت جَحْش*
يا أيّها الذين آمَنوا آمِنوا بمواثيق حقوق الإنسان إنّها الدّالّة الصحيحة لسُبُل العَيْش*

2 أمّا قول الرصافي (فقد أحسن إلى الإسلام وإن كان أساء من جهة أخرى) فالمقصود بالعبارة (وإن كان أساء من جهة أخرى) هو ما مرّ ذكره في الحلقة الثامنة من هذا البحث إذ قال: ولو فرضنا أنّ هناك صحفاً غيرها لما كان ينبغي أن تحرق أيضاً، بل كان الواجب أن تحفظ من الضياع بل تُجمَع في صوان لتبقى على الدهر أثراً من آثار النهضة الإسلامية يتوارثها المسلمون خلفاً عن سلف]
_______

4 وفي الإتقان 25:2 أيضاً- حدّثنا ابن أبي مريم عن نافع بن عُمَر الجمحي، قال: حدّثني بن أبي مليكة، عن المُسوّر بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم نجد فيما أنزل علينا (أنْ جاهِدوا كما جاهدتم أوّل مرّة) فإنّا لا نجدها! قال (أي عبد الرحمن) أسقِطتْ فيما أسقِط من القرآن.
أقول (أي الرصافي) وهذا الحديث يدلّ أيضاً على أنّ بعض القرآن قد أُسقِط قبل أنْ ينسخ عثمان المصاحف. ولا منافاة بين هذا وبين ما قلناه آنفاً من أنّ عثمان أسقط بعض القرآن لمّا أمر بنسخ المصاحف، لأنّ عثمان يكون على هذا قد جدّد الإسقاط، أو يكون قد أسقط شيئاً آخر أيضاً عدا الذي تمّ إسقاطه من قبل!
______________

وللحديث بقيّة

About رياض الحبَيب

رياض الحبيّب من مواليد العراق قبل الميلاد تخصص علمي حقوق الإنسان، المرأة، الطبقة العاملة اللغة العربيّة، أدب عالمي، ثيولوجيا أدب، موسيقى، شطرنج نقد الأفكار لا الأسماء، ضدّ الظلم والفقر أوّل مُعارض للمعلّقات العشر المزيد من السِّيرة في محور الأدب والفن- الحوار المتمدن
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.