تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة السابعة

رياض الحبيّب

يواصل الرصافي البحث في موضوع السور القرآنية في كتابه “الشخصية المحمدية أو حلّ اللغز المقدّس” بالقول في الصفحة 573 إنّ بعض سور القرآن قد افتتحت بحروف من حروف الهجاء نحو (الم) و(الر) و(حم) و(ص) و(ق) وقد ذهب فريق من العلماء إلى أن هذه الفواتح التي من حروف المعجم ليست إلّا أسماء تلك السور التي افتتحت بها فقالوا سورة الم وسورة حم وسورة ق، وذهب فريق آخر إلى غير هذا. واختلف الأقوال واضطربت حتى قال بعضهم: إنّ فواتح السور هذه من المتشابه الذي لا يعلمه إلّا الله.

[تعليقي: إن اختلاف العلماء يدلّ على الغموض في القرآن والغموض ليس من البلاغة بشيء. فلعلّ أهمّ ما في علم البلاغة عموماً: سلامة اللغة من الغلط وبساطة الكلام على العامّة ووضوح المعنى واختصار السّرد وتفادي أيّ تكرار وحبكة النصّ بإتقان ووصول الفكرة بإحكام ما يُستعصى إيجاد ثغرة فيها أو تعريضها لأيّ تأويل عقلاني أو علمي- هذا وفق فهمي لهذا العلم وبعد ممارسة طويلة نسبيّاً مع القراءة والكتابة. فإن توفرتْ هذه العوامل في نصّ مقروء أو مكتوب سمّيته بليغاً. ومعلوم أنّ الله خارق للطبيعة أي متفوٌق على البشر بكلّ شيء؛
فإنْ كان ما تقدّم مقياس الإنسان للبلاغة المفترضة في كلام الإنسان نفسه فإلى أيّة درجة يصل فكر الإنسان في تصوّر البلاغة التي من المفترض أن تكون في كلام الله وهو القدير والحكيم؟! وقياساً على ما تقدّم فليس القرآن بليغاً- في رأيي- وإنْ وجدت البلاغة في بعض آياته. أمّا التعبير الأكثر دقّة فهو أنّ القرآن كتاب مؤلّف بدون وحْي إلهي- وفق مفهومي للقدرة الإلهيّة. وبهذه الشهادة اتفقتُ مع رأي الرّصافي في موضوع البلاغة الذي سأتناول في الحلقات الأخيرة من هذا البحث،
علماً أنّ السيرة المحمّديّة لنْ تهمّني بأيّ بحث أقوم به في المستقبل، بعد إنكار بعضهم حتى الصحيح من الحديث المحمّدي (ولا سيّما الذي عند البخاري ومسلم) وقد قام غيري بكتابة مقالات تنويرية كافية ووافية حول هذا الموضوع.

أمّا القول (إنّ فواتح السور هذه من المتشابه الذي لا يعلمه إلّا الله) فإني دعوتُ هذا (الإله) إلى أن يحتفظ بعلمه لنفسه لأني لستُ بحاجة إلى علمه وتالياً لا يرتبط علمه وعلمي بأيّة صلة في أيّ زمان ومكان لانّ عقليّة الإنسان رأسمال الإنسان بل هي أهمّ مقدّساته]

* ملاحظة: يستمرّ الرصافي في التمهيد لفكرته عن موضوع فواتح بعض السور القرآنية ولكنّي تركت للقرّاء الكرام قراءة تفاصيل أخرى بالعودة إلى كتابه المذكور أعلى الصفحة. فليس هدفي في المقالة سوى تقديم الكتاب لهم وعرض شيء ما من فكر الرصافي ونظرته للشخصيّة المحمدية وتالياً التعليق على بعض ما ورد في كشفه الوافي، أي أني قرأت كتاب الرصافي برؤيتي الشخصية ولكلّ قارئ- أو قارئة- نظرة ما وفق المعلوماتيّة التي في الذهن.

أمّا عن عدد سور القرآن فنقرأ في الصفحة 576 من كتاب الرصافي أنها- كما في المصاحف المتداولة بين الناس- مائة وأربع عشرة سورة.
قال صاحب الإتقان ج 1 ص 65: وعلى ذلك أجمع من يُعتمد به من أهل العلم. غير أنّ بعضهم عدّ الأنفال وبراءة (أي التوبة) سورة واحدة، وقال: إنما تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم لأنها من {يسألونك} أي من الأنفال. وشبهة من عدّهما سورة واحدة اشتباه الطرفين وعدم البسملة، قال: ويردّ الإشتباه تسمية النبي كلاً منهما. فبالنظر إلى ما ذهب إليه هؤلاء تكون سور القرآن مائة وثلاث عشرة سورة.
وفي مصحف ابن مسعود لم تُكتَب المعوذتان [أي سورة الفلق وسورة الناس] فبالنظر إلى هذا يكون القرآن مائة واثنتي عشرة سورة!

وزاد أبَيّ بن كعب- وهو أحد كُتّاب الوحي- سورتين كتبهما في مصحفه وهما سورتا الخلع والحفد. أمّا سورة الخلع فهي:
(اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك) وأمّا سورة الحفد فهي:
(اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق)

[تعليقي: واضح إنّ الوارد في السورتين مجرّد دعاء وهو مشابه للدعاء المألوف عند المصلّين، مثله الوارد في سورة البقرة: 128-129
(ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتابَ والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)
وتساؤلي المشروع: كلامُ مَنْ هذا؟
واللافت عندي أيضاً كلمة {التوّاب} في الآية الأولى، لقد رجعت بها إلى معجم {لسان العرب} فوجدت:
ورَجل توَّابٌ: تائِبٌ إِلى اللّه
واللّهُ تَوّابٌ: يَتُوبُ علَى عَبْدِه
ووجدتها في {القاموس المحيط}:
تابَ إلى اللَّه تَوْباً وتوْبَة…: رَجَعَ عن المَعْصيَة، وهو تائِبٌ وتَوَّاب
وتابَ الله عليه: وفَّقَه للتَّوبة،… وهو تَوَّابٌ على عبادِه
والسّؤال هنا: كيف اشترك اللهُ وعبدهُ بصفة واحدة- التوّاب- في لسان عربيّ مُبين؟!]

وفي الإتقان أخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن أبَيّ بن كعب أنه كان يقنت بالسورتين [والقنوت- في لسان العرب: الإِمساكُ عن الكلام، الدعاءُ في الصلاة، الخشوع… إلخ] وأنّه كان يكتبهما في مصحفه، وفيه أيضاً أنبأنا أحمد بن جميل المروزي، عن عبد الله بن المبارك، أنبأنا الأجلح بن عُبَيد الله بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: في مصحف ابن عبّاس قراءة أبَيّ، وأبي موسى:
(بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك) وفيه:
(اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو حمكتك إن عذابك بالكفار ملحق)

[تعليقي: سوف أعيد كتابة السورتين الخلع والحفد اللتين عند أبيّ بن كعب مرّة أخرى لكي تسهل ملاحظة الفرق ما بين القراءتين:
سورة الخلع: (اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك)
سورة الحفد: (اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق)
فهاتان سورتان قصيرتان يوجد في قراءتيهما اختلاف ما بين مصحفين أو أكثر فما بال القرّاء الكرام بالإختلاف بالقراءات بين التي في مصحف عثمان وبين سائر المصاحف المُحرّق منها والمُسقط والمنسيّ والضائع والمخفيّ وهل مصحف عثمان تالياً مطابق للمصحف المُعلن عنه في صنعاء قبل مدّة قصيرة من الزمن؟-
هنا غيض من فيض:
بعد حوالي 30 سنة من العثور عليها، اصبحت قصاصات الجامع الكبير في العاصمة اليمنية صنعاء موضوع دراسة وجدل ونقاش حاد بين الباحثين، وكانت صفحة آثار ومقتنيات في «الشرق الأوسط» قد نشرت في أول عدد لها في 1999/2/18 قصة القصاصات التي عثر عليها بالجامع الكبير في مخبأ سري سنة 1972 بين السقف الداخلي والسقف الخارجي للجامع ـ على اثر سقوط امطار غزيرة……. بقلم: أحمد عثمان- مصحف صنعاء يثير جدلا حول علاقة الكتابة العربية بالسريانية-
الشرق الأوسط في الاحـد 04 رجـب 1424 هـ 31 اغسطس 2003 العدد 9042 وهنا الرابط:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=20&article=190193&issueno=9042

وممّا ورد في المقالة:
كذلك انجزت فهرسة الرقوق القرآنية وصورت حتى تسهل على الباحثين دراستها، ثم وضعت في دار المخطوطات في صنعاء للعرض امام الزائرين. وصورت 35 الف صورة صغيرة ميكرو فيلم ـ ارسلت الى المانيا لعرضها على الخبراء العالميين لدراستها والتعليق عليها.
وسرعان ما تبين للخبراء الألمان الذين فحصوا الاوراق وجود عشرات الآلاف من القصاصات القرآنية ضمن المكتبة، جمعت على مدى قرون طويلة من نسخ متعددة من القرآن الكريم. وعند فحص طريقة الكتابة ونوع الحروف المستخدمة، تبين للخبراء ان بعض القصاصات التي عثر عليها ترجع الى نسخ قديمة من القرآن مكتوبة بالخط الحجازي النادر في القرنين السابع والثامن، اي القرنين الأولين من التاريخ الهجري، مما يجعلها من اقدم النسخ القرآنية التي عثر عليها حتى الآن]

عودة إلى كتاب الرّصافي:
وفي الإتقان أيضاً: أخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال: أمّنا [قصَدَنا] أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ السورتين ( اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك…) ولا شكّ أنّ قراءته بهما في الصلاة- وهو إمام- تدلّ بوضوح على أنهما سورتان من القرآن لأنّ الصلاة لا تصحّ إلّا بقراءة شيء من القرآن!

[تعليقي أخيراً وليس آخِراً: أليس من معاني التحريف {الزيادة} أو {النقصان} أيّها الفقهاء الأفاضل؟!]
______________

وفي الحلقات القادمة مواضيع صاغ الرصافي بعض عناوينها بصيغة تساؤلات، منها:
هل سقط شيء من القرآن عند جمعه؟
هل القرآن مُنزل من السماء؟
القرآن واللوح المحفوظ
القضاء والقدر
هل القرآن مُعْجز؟
سأعرضها بإيجاز في حلقات قادمة بعَون الله- بالحجّة والبرهان-
ورحمة من الله على الرّصافي.

About رياض الحبَيب

رياض الحبيّب من مواليد العراق قبل الميلاد تخصص علمي حقوق الإنسان، المرأة، الطبقة العاملة اللغة العربيّة، أدب عالمي، ثيولوجيا أدب، موسيقى، شطرنج نقد الأفكار لا الأسماء، ضدّ الظلم والفقر أوّل مُعارض للمعلّقات العشر المزيد من السِّيرة في محور الأدب والفن- الحوار المتمدن
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.