بطة إسرائيلية تتعهد بتزويد العرب بالغاز

ناور بنيامين نتنياهو ضد الحل السياسي مع الفلسطينيين. وبشرهم بازدهار اقتصادي يبقيهم تحت الاحتلال، ريثما يبتلع jwishladiesالاستيطان حل الدولتين.

العرب أمة من نفط وغاز. إسرائيل التي استنشقت الغاز المصري عبر سيناء، غدت بطة بحرية مستعدة لتصدير الغاز إلى العرب! نعم، لست بهازل. الكلام جاد. هناك اليوم شركة نفط وغاز على شكل بطة تقول إنها وقعت وتوقع عقودا مع مصر. والأردن. والضفة، لتزويدها بالطاقة لأجيال طويلة.
الحكاية مسلية، بقدر ما هي خطيرة. البطة شركة يبدو من أسماء مديريها وأصحابها أنها يهودية. أميركية. إسرائيلية. وهي تقيم في هيوستن العاصمة التكساسية لشركات الغاز والنفط العملاقة. وتقول إنها تهوى التنقيب عن النفط في حقول النزاعات الدولية الخطرة. فهي مثلا تملك منصات تنقيب قبالة جزر فوكلاند (مالفيناس) الأرجنتينية.
الشركة/ البطة («نوبل إنيرجي» ومعناها الطاقة النبيلة) أعلنت أنها اكتشفت حقلين للغاز البحري قبالة ساحل عسقلان في جنوب إسرائيل. وبات حقل «تامار» صالحا لتصدير الغاز. نعم، لمصر. والأردن. والضفة، فيما حقل «ليفايثان» الأكبر منه، بحاجة إلى ثمانية مليارات دولار، لتطويره بحيث تغدو أوروبا قادرة على استنشاق غازه بديلا لغاز القيصر بوتين. فتكف عن تأييد إنشاء دولة فلسطينية.
تناغمت إدارة أوباما مع مشروع البطة بهدوء صامت، إلى أن تفجر الغاز من ثقب البحر. فقالت وزارة الخارجية إن أميركا تشجع الشركة كأداة لصنع السلام «الجيوسياسي». ولتخفيف التوتر بين العرب وإسرائيل (ماذا يفعل نتنياهو إذن؟!). وكانت هيلاري كلينتون عرفت بغاز البطة الإسرائيلية، فتحدثت عندما كانت وزيرة لخارجية أوباما، مع كبار المسؤولين الأردنيين عن مشروع الغاز الإسرائيلي.
المعارضة الأردنية تحركت هذا الشهر ضد البطة. والغاز. مع ذلك، عقد اتفاق أولي لشراء الغاز من حقل «ليفايثان» المستقبلي، لتشغيل محطات طاقة كهربائية، بقيمة 12 مليار دولار تسعى الحكومة الأردنية إلى تأمينها. وتشجعت واشنطن. فأبدت استعدادها لرفع قيمة المعونة السنوية للأردن، من 600 مليون دولار إلى مليار دولار.
أما السلطة الفلسطينية فقد وقعت اتفاقا مع شركة نوبل وفرعها الإسرائيلي، لتزويد محطات لتوليد الطاقة الكهربائية يجري بناؤها في الضفة، بغاز حقل «تامار». وتملك هذه المحطات شركة فلسطينية خاصة. وكالعادة، لم يعرف بعد تماما من هم أصحاب الشركة، وما إذا كان بينهم مسؤولون كبار في السلطة.
لكن الشركة/ البطة تفضل عقد اتفاق طويل الأمد مع السلطة الفلسطينية للاستفادة من حقل «ليفايثان»، بحيث تستهلك الضفة تسعة بالمائة من طاقة الحقل، بموجب مشروع «الازدهار» الاقتصادي الذي يبشر به نتنياهو الرئيس عباس. «نيويورك تايمز» أكبر وأقوى الصحف السياسية الأميركية نشرت تحقيقا إخباريا (ريبورتاج) عن صفقات الشركة/ البطة. لكن لم تعلق. أو تحلل المعلومات التي نشرتها.
يبقى أن أقول إنه لأمر محزن حقا أن يغيب الغاز المصري عن دول المشرق العربي، كرمز لدور مصر القومي في العالم العربي. وكان الرئيس مبارك تعهد بتزويد الأردن. وسوريا. وربما لبنان به، قبل 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
نسف أنبوب الغاز المصري مرارا بسلاح ومتفجرات التنظيمات المتشددة التي تؤويها حماس لديها في غزة. وأعاد الفنيون المصريون إصلاحه. تصالحت «حماس» مع الأنبوب في عهد نظام الرئيس الأسبق محمد مرسي «الإخواني». ويبدو اليوم أن الأنبوب معطل تماما، بعد تصعيد «حماس» الصدام مع مصر، من خلال تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابي الذي يستغل بدو سيناء في حرب حقيقية ضد القوات المصرية.
العلاقة المصرية/ الإسرائيلية في قطاع الغاز والنفط، بدأت ببناء مصانع للتكرير. ومد أنابيب في سيناء، منذ التسعينات. لكن الاتفاقات المريبة أثارت غضب الرأي العام المصري. تدخل القضاء المصري. فحكم بوقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل.
ورفضت السعودية والكويت تزويد المصانع المصرية بالطاقة، لعدم رغبتها في التطبيع مع الشركات الإسرائيلية المساهمة مع الشركات المصرية والأميركية، وللشبهة بالعقود السرية والعلنية. فباعت هذه الشركات الأجنبية أسهمها إلى الدولة المصرية، بأسعار أعلى من قيمتها.
كعربي، أفهم واقع تحول إسرائيل من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة نفط وغاز. لكن لا أفهم اللامنطق. واللامعقول اللذين يدفعان شركات عربية للتورط، في محادثات لاستيراد النفط والغاز الإسرائيلي. وعقد اتفاقات معها، لآجال بعيدة الأمد أو قريبة. هذه الصفقات سوف تربط الاقتصاد العربي بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي. وسوف ترهن المستقبل السياسي العربي كله، لدى الإرادة الإسرائيلية العنصرية المتخمة بأوهام التفوق على العرب.
أضرب مثالا ببوتين الذي استعاد قطاع النفط والغاز الروسي من الذين حاولوا استثمار سيطرتهم عليه في استخدام المال السياسي، لتشويه وإفساد الديمقراطية الروسية الوليدة، وشراء ولاء الأحزاب السياسية الروسية.
دول الخليج تستطيع إحباط المشروع الإسرائيلي لتهويد قطاع النفط والغاز في مصر ودول المشرق العربي. منح نظام الأسد روسيا امتياز استثمار حقول النفط والغاز المكتشفة قبالة الساحل السوري، لضمان استمرار بوتين بتزويد بشار بالسلاح الجوي، لقصف وقتل 23 مليون سوري. وتدمير مدنهم التي بنوها بعرقهم. ودموعهم. ومالهم. لكن السعودية تستطيع تشغيل قطاع تكرير النفط والغاز المصري. وقطر (ثاني أكبر دولة غاز في العالم بعد روسيا) تستطيع نقل الغاز المسيَّل إلى الأردن، عبر إرسال حاملاتها إلى ميناء العقبة، إذا كان صعبا أو مستحيلا مد أنبوب الغاز عبر مسافة طويلة.
وأضرب مثالا هنا أيضا. فأقول إن السعودية أنقذت العراق خلال الحرب مع إيران، من تودد صدام المهين والمذل له أمام اللوبي الصهيوني الأميركي، أملا في رشوة حكومات شيمعون بيريس وإسحق شامير في الثمانينات، لضمان عدم قصف إسرائيل أنبوب النفط العراقي (المحاصر إيرانيا وكرديا) الذي كان يعتزم تمديده إلى ميناء العقبة الأردني. فقد أمر العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز بتحميل ونقل النفط العراقي على الأنابيب السعودية التي تنقل النفط من المنطقة الشرقية إلى موانئ التصدير على البحر الأحمر.
إيران روحاني وخامنئي تمنع حزب الله وحماس من التصدي لتجاوزات إسرائيل البحرية، بانتظار تسوية نووية مع الغرب. فإذا نجحت التسوية، صمتت إيران، كما هي اليوم، عن هذه التجاوزات.
ثم أسأل المسؤولون العرب الذين يديرون المفاوضات السرية والعلنية مع الشركة/ البطة. ويعقدون الصفقات معها، عما إذا كانوا تحققوا من هويتها الحقيقية. عن أصول رأسمالها. أسعارها. جاهزيتها لتوصيل النفط عبر أنابيب غير قابلة للنسف بمتفجرات المتشددين. ثم عن علاقتها بإسرائيل كشريكة مساهمة فيها. «نوبل إنيرجي» تنفي العلاقة، فيما يؤكدها رجل الأعمال الإسرائيلي الخواجه جدعون تاد الذي يقول إنه شريكها. وأشرف على عمليات التنقيب قبالة ساحل عسقلان. ثم… وثم، هل سأل هؤلاء المسؤولون عن حماية البيئة والشواطئ العربية من التلوث. وكم يكلف تنظيفها إذا ما انفجرت عمدا أو سهوا حاملة نفط أو غاز إسرائيلية؟
وقبل أن أنسى، أود أن أسأل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يستعيذ بالله في صلاته صبحا ومساء من «علمانية» نظام السيسي، عما إذا كان يتذكر اسم الشركة التركية الضخمة المساهمة بشركة «دوراد» الإسرائيلية بربع رأسمالها. فهي شريكة للدولة الإسرائيلية التي تملك ثلث أسهمها. الشركة توفر لإسرائيل كامل حاجتها من الطاقة الكهربائية. وأهمس في أذن الرئيس إردوغان بأن رئيس مجلس إدارة شركة «دوراد» هو الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عاموس يارون المتهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة للإنسانية. فقد كان أحد ضباط شارون الذين اقتحموا مخيمي صبرا وشاتيلا. وقاموا بتصفية المدنيين الفلسطينيين الباقين فيها (1982).
أخيرا، أقول إن سيناء بحاجة إلى نقل كتل سكانية مصرية إليها، لتشكيل مجتمع مدني صامد أمام كيد إسرائيل. و«حماس» التي بات همها اليوم تدمير أمن واستقرار مصر، بإطلاق الحرية لتنظيماتها المتشددة، ضد القوات المصرية المرابطة في سيناء، وعلى خطوط الهدنة مع إسرائيل.

نقلا عن الشرق الاوسط

About غسان الإمام

كاتب وصحفي سوري ليبرالي : صحيفة الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.