بذرة الفناء !

0088-3

موجات حلقية على الخلفية الاشعاعية

مقدمة

كلّ شيء في هذا الكون يُولد وهو يحمل معهُ بذرة فنائهِ .
إنّها البذرة النقيض للنمو والتطوّر والتوّسع والتقدّم والإزدهار .
بمعنى أدّق هي بذرة الموت , تلك الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل الجدل والنقاش . ( إذا تخطينا طبعاً فكرة المهدي المُنتَظر أو المسيح الحيّ ) !
حتى الكون نفسه يخضع لهذهِ القاعدة (الرهيبة) حسب النظريات الفيزياوية الحديثة .
فهو حالياً ما زال في طور التمدّد والنمو والإتساع .
لكنّهُ في وقتٍ لاحق ,سيهرم ويصيبهُ ثمّةَ فايروس الفناء .
فيبدأ بالإضمحلال والإختفاء التدريجي عن طريق الثقوب السوداء ,التي يتحدّث عنها العلماء على أنّها كواكب لها من ضخامة الكتلة والكثافة العالية ( لكن بحجم صغير مضغوط يُسمى الحجم الحرج ) ما يجعلها تجتذب كلّ جسم أو كوكب يمّر في مدارها الخارجي , فتبتلعهُ إبتلاعاً .. وتتجشأ !
وتفسير ذلك يمّر بنظرية آينشتاين النسبية والزمكان والفوتونات عديمة الكتلة … الخ , ما علينا .
********
كُلّ مَن عليها فانٍ !
الأحياء هي الأخرى , والأفكار والأديان والأحزاب .. تحمل مع ولادتها بذرة فنائها . هذا ينطبق على الفكر الشيوعي مثلما ينطبق على النظام الرأسمالي .
ومراجعة سريعة للتأريخ القريب تؤكد هذا الكلام .
عندما تحدّث كارل ماركس عن الصراع الطبقي داخل المجتمعات وحلمَ بمجتمع شيوعي يسوده العدل والمساواة . نسيّ حينها تأثير طبائع البشر ( الخير والشرّ ) والموارد الإقتصادية المحدودة في هذا الكوكب ,فكانت تلك بذرة فنائهِ خلال قرن واحد تقريباً !
حتى الديمقراطية ذاتها وهي أجمل وأعقل فكرة إنسانية تقريباً , تحمل بذرة فنائها عندما تسمح لأصحاب دعاوي وفتاوي القتل والتدمير من البقاء أحرار طُلقاء يملؤون عقول العامة المُعمّاة بعفنهم وعطونتهم وبضاعتهم الفاسدة .
وقد وصلَ تأثير هؤلاء الى مهد الديمقراطية في دول أوربا الغربية , بحيث يبدو الوقت … وقت نكوص وتراجع عموماً .
كذلك نجد أنّ الحرية والديمقراطية ( المُبالغ فيها ) المُصاحِبة للعمل السياسي والإقتصادي في النظام الرأسمالي تقود لاحقاً الى توليد بذرة الفناء المقصودة .
والدليل الواضح على هذا القول هو ما نراهُ حالياً في الحالة الإقتصادية الأمريكية , وهي مُمثلة الرأسمالية في عالم اليوم .
الصراع ( الديمقراطي ) بين الحزبين الرئيسين يقود الى إعلان الإفلاس الجزئي للحكومة الامريكية . وحزب الشاي ( المتفرّع عن الحزب الجمهوري ) يتشدّد كالعادة مع أوباما الديمقراطي , فلا يُمرّر موافقتهِ على رفع سقف الدَين الحكومي , ما لم يتنازل الرئيس عن مشروعهِ بالتأمين الصحي لذوي الدخل المحدود .
والنتيجة طبعاً غلق بعض مواقع الإنترنت الحكومية والمتنزهات والأماكن السياحية وغيرها أبوابها ,للتخلّص من دفع رواتب موظفيها .
فماذا لو إستمر هذا التنافس والصراع الديمقراطي الى بضعة دورات إنتخابية ؟
أكبر المُعجبين ( من أمثال كاتب هذه الورقة ) بالحالة أو (الحُلم الأمريكي) , سيتوّقع الخراب والإفلاس .. أليس كذلك ؟
إنظر الرابط الأوّل .
*************
الأديان وبذرة الفناء !
كثير من رجال الدين المسيحي , كأنّهم فطنوا لتلك الفكرة , ربّما لأنّهم يتواصلون مع مجتمعاتهم ديمقراطياً (حتى لو كانوا مُكرهين , لا مُختارين) .تراهم اليوم يوافقون على أشياء كانت من سابع المستحيلات والمُحرّمات أو التابوهات الكنسية / الإجهاض ,المثلية الجنسية ,زراعة الأعضاء والإستنساخ … وحتى نظرية ال

Big Bang

أو الإنفجار العظيم .

الدين الإسلامي مثل باقي الأشياء تنطبق عليه تلك الفكرة .
فكم ستطول الفترة وما هي النتائج إذا لم يرضَ الناس في بلادنا بسماع أفكار الآخرين ؟

******
موت يتبعهُ حياة !

مادامت هناك حياة فهناك موت أيضاً , والعكس صحيح .
معناها الموت ليس نهاية المطاف , بل هناك ولادة جديدة على الدوام .
و كونَنا هذا عندما يصبح (( كهلاً )) ثُمّ يفنى تكون قد نشأت أكوان اُخرى , ربّما هي الآن في مرحلة التكوين .
والفيزيائي

Roger Penrose

وهو بروفيسور في جامعة إكسفورد ويعتبر أحد اشهر المُنظريين الفيزيائيين اليوم تحدّث عن نظرية
conformal cyclic model
وحسبها سيمتد التاريخ الكسمولوجي ( أو تعاليم تغيّر الكون ) الى ماوراء نقطة الانفجار العظيم .
وأنّ كوناً ثابتاً عديم التغيير لا وجود لهُ . إنّما هو كون يكون إمّا في حالة إنكماش أو حالة تمدّد !
صحيح أنّ نظرية الدورة الكونية (حيث إنفجار عظيم يعقب إنفجاراً عظيماً آخر) , تشترط أنّ جميع الاجسام التي تمتلك كتلة تختفي كتلتها.
لكن هذا الامر ممكن تفسيره عن طريق تخيّل إمتصاصها من قبل ثقب أسود أولاً … ثم إختفاء الثقب الأسود نفسه ببطء بسبب إنبعاث أشعة هوكنغ عنها . ( العالم ستيفن هوكنغ مكتشف تلك الأشعة / وهي أشعة حرارية تصدر عن الثقوب السوداء نتيجة لظواهر كمومية / ويكيبيديا )
بذلك تختفي كل الكتل وتتحول الى فوتونات لاتملك أيّة كتلة ,إنظر الرابط الثاني !

*****
الخلاصة :
فكرة الفرنسي (( جون لامارك )) صاحب كتاب فلسفة الحيوان , تقول : إنّ أعضاء الإنسان في حالة تطوّر دائم , وما لا يُستعمل يضمر وينتهي !
كالعضلة التي لا تُستعمل نهائياً , أوالدماغ عند غالبية الأشياخ والمشايخ .
إنّما الذي يُستخدم دوماً ونحتاجهُ في حياتنا يتطوّر على الدوام ,العلم مثلاً !
الآن / بماذا تفيدنا الأديان ؟ وكيف نستعملها لمصلحة الإنسان ؟
عملياً في الغرب أصبحوا بلا حاجة الى الأديان .
لأنّهم عملوا وبنوا حضارتهم وعلمهم ليصلوا الى ما هم فيه من رفاهية تُغنيهم عن تمنّي الموت , أملاً في جنّة الخُلد والحور العين .
بينما شعوبنا مازالت مستهلكة لمنتجات الغرب بمختلف أنواعها ويريدون في نفس الوقت الإحتفاظ بالأديان دون المساس بها .
فكيف يصّح ذلك ؟
أغلب الظنّ عندي لو شاء القوم الإحتفاظ بالأديان فعليهم قبول إدخال التطوّر عليها … كي لا تموت كالعضلة المُهمَلة !
وفيما يخّص ( الدين أو الفكر الإسلامي ) , فهناك قول شهير وخطير جداً ينسبهُ البعض الى النبيّ نفسه , مفادهُ : (( أنّ كل جديد بدعة )) .
والنصّ المفصّل يقول :
(( إيّاكم ومُحدثات الأمور . فإنّ كُلّ مُحدثة بِدعة . وكُلّ بِدعة ضَلالة
وكُلّ ضلالة في النار )) .. طيّب كيف سنقبل بكل مخترعات الحياة ؟
والغريب في الأمر أنّ مشايخ الإسلام يُفسرون ( المُحدثة ) و ( البدعة ) بكلّ جديد لم يكن موجود زمن الرسول نفسه .لكنّهم يتلاعبون بالأمر حسب مصالحهم الخاصة .
حيث لا يعتبرون ( الكهرباء مثلاً ) وهو سرّ حياة الناس في العصر الراهن بما فيها عباداتهم .. بدعة أو مُحدثة !
فيستغلونهُ مع التلفاز والكومبيوتر والسيارة وباقي الأشياء . وجميعها مُخترعات ( أو مُحدّثات ) أجنبية كافرة , أبشع إستغلال في الحج والصوم والصلاة ,وأكيد في النوم والراحة والإستمتاع بملذات الحياة .
بينما يعتبرون قول طائفة منهم (حيّ على خير العمل) , أو الإحتفال بعيد الحُبّ أو ما شابه .. بِدَعْ تستوجب القتل أو النار !
وأغرب من ذلك قولهم : (نحنُ قوم نُحّب الموت أكثر ممّا يُحبّ أعدائنا الحياة ).فهل سمعتم أكثر من هذا العَبَط ؟
ألم أقل لكم كلّ شيء يولد وهو يحمل داخله بذرة فنائهِ ؟
على كُلٍ , إن كان ولابُدَ من الموت في النهاية , فلنمثت في الوقت المناسب ( نيتشه ) .
بعد أن نسعد في هذه الحياة , ونُعمّر هذهِ الأرض ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا !

********
الروابط
الأول / فشل محادثات الموازنة بين أوباما والكونغرس

http://www.bbc.co.uk/arabic/business/2013/10/131003_us_shutdown_obama.shtml

الرابط الثاني / الفيزياء والكون : حمدي الراشدي 2011
http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/kosmos/kosmos-0088.htm

تحياتي لكم
رعد الحافظ
5 إكتوبر 2013

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.