دعاني الأستاذ غسان الشهابي مشكورا للمشاركة في الاحتفال الكبير الذي سيقام على شرف الدكتور غازي القصيبي في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل بالبحرين. وبهذه المناسبة ستصدر وزارة الثقافة ضمن سلسلة كتاب «أطياف» الشهيرة عددا خاصا عن الأديب السعودي الراحل. ومعلوم أنها احتفلت سابقا بعدة شخصيات هامة ليس أقلها جاك دريدا أو محمد أركون أو نجيب محفوظ.. ولذا رحت أبحث عن مؤلفاته في كل مكان لتدبيج دراستي. نزلت إلى الرباط من القنيطرة حيث أقيم حاليا وتوجهت مباشرة إلى مكتبة «دار الأمان» المتخصصة في الكتاب العربي. ووجدت هناك ثلاثة أو أربعة كتب فاشتريتها فورا وعدت بها كالغنيمة إلى البيت لكي أقضي وقتا ممتعا جدا برفقة القصيبي. بصراحة ما كنت أعتقد أنه مهم إلى مثل هذا الحد. كنت أعتقد أنه اشتهر بمناصبه العليا كسفير أو كوزير وتاليا كأديب. فإذا بي أكتشف العكس.. والآن أعتذر أمامكم عن غلطتي وشبهاتي وجهالاتي. ابتدأت بقراءة روايته الشهيرة «شقة الحرية» التي جذبتني وخطفتني وما عدت أستطيع منها فكاكا حتى غلبني النوم عشية اليوم الأول، فتلقفتها من على المخدة صبيحة اليوم التالي. من يريد الاطلاع على خفايا الحياة البحرينية والمصرية والعربية في فترة رومانطيقية حماسية صاعدة من تاريخنا فليقرأ هذه الرواية. قلت «صاعدة» ولكن تلاها سقوط مدو وخيبات مريرات لم نقم منها حتى اللحظة. والدليل على أهميتها أنها طبعت مرارا وتكرارا، وأنا الآن أقرأها في الطبعة الخامسة. إنها تروي قصة أربعة شباب بحرينيين ذهبوا إلى مصر للدراسة أواخر الخمسينات وبداية الستينات أي في عز الحقبة الناصرية. يخيل إليّ أحيانا أن غازي القصيبي كان بحرينيا بقدر ما كان سعوديا وربما أكثر. أم أني مخطئ؟ ولكن ما هم! لقد كان سعوديا وبحرينيا ولكل العرب.
لكن كنت أود التوسع حول نظرياته ومساجلاته. وعندئذ كان لا بد من الاطلاع على كتابه المعروف «لكيلا تكون فتنة». وقد استطعت التوصل إليه عن طريق الإنترنت كاملا. ولكن كتابه الآخر عن «الغزو الثقافي» وبعض مؤلفاته الفكرية والسياسية المتنوعة لم أستطع العثور عليها لا في القنيطرة ولا في الرباط. فكان لا بد من شد الرحال إلى الدار البيضاء حيث توجد مكتبات شارع «الحبوس» الشهيرة الواقعة خلف القصر الملكي. فهناك تتوافر كنوز العرب. وهكذا ركبت القطار من القنيطرة مستمتعا بالمناظر الطبيعية الخلابة على مدار الطريق حتى استبان لي البحر فتنفست الصعداء أكثر وانشرحت أسارير نفسي تماما. وزاد من شدة الانشراح ذلك الجمال الأنثوي الأخاذ المنتشر في كل مكان والمتغطرس أحيانا. أعتقد شخصيا أن غازي القصيبي كان سيسعد بهذه الترهات. أعتقد أنه لن يضيق صدره بهذه الشطحات. وربما ضحك بملء شدقيه. ربما قال: هذا الشخص من جماعتنا، من جماعة مولانا عمر بن أبي ربيعة.. صحيح أنه مجرد ثرثار فارغ على طريقة «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا»، ولكنه يفعل ما يستطيع.. هل زدتها شوية على غازي القصيبي؟ هل قولته ما لم يقله؟. ربما. ولكن من يقرأ كتاباته وأشعاره يدرك فورا أنه كان عاشقا من الطراز الأول. لن أطيل عليكم كثيرا هنا، وإنما سأرجئ التعمق في ذلك إلى الدراسة المطولة التي أكتبها عنه بغية الاحتفاء الكبير به في ربوع البحرين قريبا.
ما إن وصلت إلى الدار البيضاء حتى «كبست كبسة» حقيقية على المكتبات العربية الكبرى بحثا عن غازي القصيبي. كان يهمني بالدرجة الأولى التوصل إلى كتابه عن «الغزو الثقافي». أريد أن أعرف رأيه في هذه الإشكالية التي تقسم المثقفين العرب إلى مؤيد ومعارض وما بين بين. وأنا شخصيا من الطرف الثالث، لا راديكالي من جماعة الاستغراب كما يتوهم الكثيرون. ولكن كم كانت خيبتي كبيرة عندما لم أجد شيئا عنه حتى في «المركز الثقافي العربي» أضخم وأجمل مكتبة هناك. فعدت بخفي حنين. ولكن خيرها بغيرها كما يقال. فقد شاءت الصدفة أن أجلس في قطار العودة إلى جانب امرأة غامقة السمرة، فائقة الجمال. ألم أقل لكم إني محظوظ؟ سألتها: من أي منطقة في المغرب أنت؟ قالت: لا، أنا من السنغال. صرخت: يا إلهي من السنغال؟ أجمل بلد في العالم! قالت بلهفة: أتعرفه؟ إطلاقا، ولكن نظرة خاطفة على شخصك الكريم تكفي لإقناع البشرية. انفجرت بضحكة منعشة وابتسامة فتاكة. ثم سرعان ما غيرت رأيها وراحت ترمقني من طرف عينها بالكثير من الارتياب والحذر. لكأنها تقول: هذا الشخص مشبوه حتما. إنه منافق حقيقي وربما من شذاذ الآفاق. انتبهي يا بنت.
بإمكانكم أن تضموا هذا المقطع – بل والمقال كله – إلى رواية القصيبي الناجحة بلا أي مشكلة. فآخر نظريات النقد الأدبي الحديث تقول لنا بأن القارئ يخلق النص من جديد، يغنيه، يعيد تشكيله، يهلوس نحوه، يزيد من استطالاته.. وليس مجرد متلق سلبي له. والواقع أن «شقة الحرية» مليئة بالحديث عن الحب والبنات وكيف اكتشف الطلبة البحرينيون المرأة في القاهرة لأول مرة مثلما اكتشفناها نحن يوما ما في باريس أو بيزانسون..
أخيرا كمكافأة على تعبكم وجهودكم إليكم هذا المقطع:
هُزمت أشعار عنتر
رجعت خيل أبي الطيب
لم تصهل مع النصر المؤزر
وارتمى سيف أبي تمام
وارتاع الغضنفر
وأنا ما زلت أحدو النوق
ما زلت أناجي البيد
ما زلت أنادي ربع ليلى
وأنا قلت لليلى:
سوف أصطاد لك الميراج يا ليلى بخنجر
حلو. شاعر حقيقي، وكاتب فذ لا يشق له غبار..
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية