باليبو

الفلم السينمائي الأسترالي ( باليبو ) الذي يمكن متابعته على هذا الرابط

Balibó#

هو من أحدث إنتاجات السينما العالمية الواقعية التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان والذي أثار زوبعة من الإحتدام السياسي على مستوى حكومات الدول بين كل من حكومة أندونيسيا من جهة , وحكومتي أستراليا ونيوزيلندا من جهة أخرى , أستراليا بإعتبارها منتجة الفلم وراعية القضية , ونيوزيلندا بإعتبارها مثل أستراليا , دولة دومنيون ( محمية ) خاضعة للتاج البريطاني , ولها علاقات إقليمية وثيقة مع أستراليا جعلتهما يكادان يكونان بلدا واحدا , وهذا ما سيجعل أندونيسيا المتضررة من إنتاج الفلم تهدد نيوزيلندا بضربها تحت الحزام , مستعملة حقها الشرعي الإسلامي في حظر إستيراد اللحم النيوزيلندي بحجة أنه ( ليس لحما حلالا ) مما سيجعل حكومة نيوزيلندا تتكبد للعام 2009 وحده خسارة ما قيمته 100 مليون دولار , علما أن أندونيسيا تستورد اللحم النيوزيلندي منذ ما يزيد على نصف قرن لم يرف خلالها جفن لمجلس الإفتاء الإسلامي الأندونيسي حول قضية الحلال والحرام , مما يدل على أن المقاطعة سياسية بحتة .

أندونيسيا دولة شاسعة جدا , أرجو العودة الى موضوعي المنشور تحت عنوان ( أحمد سوكارنو ) للتعرف عليها عن كثب , وحين قررت الولايات المتحدة الأمريكية وضع يدها على هذا البلد فقد إستعملت أهله بالنيابة لطرد الهولنديين واليابانيين بحجة الإستقلال الوطني , لكن أجزاء واسعة من هذا البلد الشاسع كانت تحت سيطرة البرتغاليين في جزيرة تيمور , بقيت تحت سيطرتهم حتى عام 1975 , حيث شنت أندونيسيا وبمساندة أمريكية حربا لطرد البرتغاليين من تيمور .

ولأنها حرب بالنيابة , فمثلما إستعملت الولايات المتحدة الأندونيسيين لطرد البرتغال من تيمور , كذلك فإن البريطانيين وفي صراعهم الخفي مع الأمريكان إستعملوا رعاياهم الإستراليين , وتحت مسمى الإعلام الحر , في إرسال فريق تلفزيوني أسترالي الى تيمور في أكتوبر عام 1975 لتصوير فضائع القتال الجاري … فما كان من الأندونيسيين إلا محاصرة فريق العمل , وعند إستسلامهم مرفوعي الأيدي .. تم إطلاق النار عليهم بدم بارد , وهذه القضية هي التي تحولت الى موضوع للفلم السينمائي الأسترالي ( باليبو ) إسم الفلم مأخوذ عن إسم قرية أندونيسية صغيرة تدعى باليبو قتل فيها هؤلاء الصحفيون الخمسة .

النجم الهوليوودي الأسترالي الأصل أنثوني لاباجليا تم إستدعاؤه من قبل حكومة مقاطعة شمال أستراليا ليقوم بدور الإعلامي المقتول ( روجر إيست ) 51 سنة الذي أرسل بعد مقتل هؤلاء الخمسة بثلاثة أشهر أي في ديسمبر 1975 الى قرية باليبو لتسجيل تقرير مصور عن ملابسات قتلهم .. فتم قتله هو أيضا بعد إلقاء القبض عليه من قبل الأندونيسيين , ولم يجرؤ أحد منذ ذلك الحين على التحقيق في مقتله .

الآن وبعد 34 سنة تقوم الحكومة الأسترالية بفتح ملف القضية من جديد .. للمطالبة برفات روجر إيست وبقية الإعلاميين الخمسة . معتبرة قضية مقتلهم ( جريمة حرب ) وليس كما تدعي الحكومة الأندونيسية بأنهم قد قتلوا في تراشق نيران لم يكونوا مقصودين به . وتصر الحكومة الأسترالية على أن هؤلاء جميعا قد قتلوا بعد إستسلامهم وتطالب بالوصول الى آخر عسكريين أندونيسيين باقيين على قيد الحياة شاركا في تلك المجزرة وهما النقيب ( محمد يونس يوسف ) الذي تسرح جنرالا من الجيش عند تقاعده بعد إنتهاء خدمته . و ( كريستوفرو دا سيلفا ) الضابط في القوات الخاصة .

الحاكم الفيدرالي العام لمقاطعة شمال أستراليا ( فيليب رودوك ) صرح بأن قضية باليبو تتطلب تعاون الشرطة الفيدرالية الأسترالية مع إدارة من ( الكومون ويلث ) لإعادة فتح التحقيقات في هذه القضية .

أما رئيس الوزراء الأسترالي ( جون هوارد ) فأكد على أنه سيسعى الى طلب المشورة .. ( لا ندري من أي دولة ؟؟ ) .. من أجل أن يتخذ الإجراء الأنسب وقال : (( القضية قديمة , لكن هذا لا يمنع الحق عن أقارب هؤلاء الضحايا في معرفة ما توصلت إليه التحقيقات في قضية مقتلهم )) .

أندونيسيا وهي تراقب هذه الزوبعة العالمية التي ستهب عليها عند تعميم الفلم على دور السنما حول العالم , لم تبق مكتوفة الأيدي .. وآخر محاولاتها .. زيارة وزير خارجية أندونيسيا الدكتور ( حسن ويراجودا ) العاصمة السياسية لنيوزيلندا ( ويلنغتون ) بداية هذا الشهر آب 2009 حيث صرح (( إن عرض الفلم الأسترالي باليبو الذي يتناول قضية مقتل الصحفيين الأستراليين في جزيرة تيمور عام 1975 لن يغير موقف الحكومة الأندونيسية من القضية , كما أنني لا أرى أي داعي لإعادة فتح هذه القضية , فهي لن تجلب غير المزيد من الأسى لعوائل الضحايا )) .

ومن أجل وضع الضغط الشديد على حكومة نيوزيلندا لكي تضغط بدورها على الحكومة الأسترالية , فقد وجه الدكتور ويراجيدا ضربة تحت الحزام بمنتهى الأناقة الى نظيره النيوزيلندي الدكتور موراي مككاولي حين أخبره بأن رجال الدين المسلمين الأندونيسيين ومعهم ( مجلس علماء الإسلام الأندونيسي ) ما عادوا يعترفون بالوثائق النيوزيلندية الواصلة مع شحنات اللحوم الصادرة منها والتي تؤكد أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية .. ولهذا فالدكتور ويراجيدا ( مضطر ) الى وقف إستيراد اللحوم النيوزيلندية من شهر أكتوبر هذا العام وحتى فترة غير محددة من العام المقبل .. الى أن يتم حل ( مشكلة الوثائق النيوزيلندية ) وقال : (( علينا حل مصاعبنا الوطنية والتنسيق بين دوائرنا المختلفة مع مجلس علماء الإسلام , لإصدار قوانين جديدة , قد لا توافق على الوثائق النيوزيلندية , وتطلب عوضا عنها , وثائق أندونيسية )) .

فإذا علمنا أن عدد سكان أندونيسيا يقارب 300 مليون , وأن نيوزيلندا وبحكم قربهم الجغرافي منها , تعد مصدرهم الوحيد تقريبا للتزود باللحوم الحمراء والبيضاء والألبان , فإن هذا القرار يعد كارثة على الإقتصاد النيوزيلندي , ولهذا فلا عجب حين وافق رئيس وزراء نيوزيلندا الحالي ( جون كي ) هذا الشهر أيضا على إرسال قوة نيوزيلندية مدعمة بخبرات الطيران لمساعدة القوات الأمريكية في حربها على الإرهاب في أفغانستان .

الى أين ستصل قضية باليبو ؟ لا أحد يدري .. ومن تهمه معرفة المزيد عن هذا الفلم أقدم الرابط الألكتروني للموقع الرسمي للفلم على هذه الوصلة :

الرابط الألكتروني للموقع الرسمي للفلم

ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.