باسم يوسف وروح النكتة المصرية

{ والذي بلغَ السمّو , مَرِحة تغدو روحهُ }

فريدريك نيتشه

يقيني اليوم , أكثرُ من أيّ وقتٍ مضى , حول مكانة وقيمة روح النكته لدى الشعب المصري النبيل والعريق

أنّها أقوى صرعةً , من كلّ خطابات وسياسات وأدلجات وحتى عقائد , تُجّار الدين والسياسة , على حدٍ سواء !

كيف لا , إنظروا معي الى أرض الواقع لتروا بأنّ نكته أو مُزحة أو حتى مُجرّد تهّكم عادي ,يحمل في طيّاتهِ فكرة مصرية ذكيّة

يتحوّل الى هزّة كُبرى وحالة قلق , ترّج أركان وكيان كبار الساسة في مصر الحبيبة وتُقلق نومهم ( القلِق أصلاً ) بسبب كذبهم ونفاقهم وأطماعهم التي لا تنتهي .

**************

د. باسم يوسف , طبيب قلب وإعلامي مصري لم يكن معروفاً عندي وربّما لدى غالبية المتابعين لأحداث مصر والربيع العربي .

لكن إسمهُ اليوم تحوّل الى نارٍ على علم , كونهُ صار عدواً مطلوباً للإسلامويين .

حيث أمرَ المدعي العام ( المُرسوي : نسبةً الى محمد مرسي ) بإصدار ما يُسمى مُذكرة ( ضبط وإحضار ) لهذا الرجل للتحقيق معهُ حول تهمة إزدراء الإسلام وإزدراء رئيس الجمهورية نفسه محمد مُرسي .

وعلى هذا الخبر بالذات علّق أحد المصريين قائلاً :

في السابق كنّا نسمع عن مذكرات ضبط وإحضار , للحراميّة والمجرمين والخارجين عن القانون .

بينما اليوم نسمعها عن أغلب السياسيين المخالفين للإخوان المسلمين / أيّة المصايب دي ؟

على كلٍ الرجل ( باسم يوسف ) ذهبَ بنفسهِ الى المحكمة اليوم ( ربّما ليتجنّب الضبط والإحضار ) , وأخضع نفسهِ طوعياً للقاضي , الذي أفرجَ عنهُ في نهاية الأمر بكفالة مقدارها 15 ألف جنيه ( وأكيد سنعرف التفاصيل لاحقاً ) .

*********

والآن إليكم بعض المعلومات عن باسم يوسف ( من الوكيبيديا ) :

باسم رأفت محمد يوسف ( 39 عام ) , خريج كليّة الطب عام 1998 طبيب جرّاح , ويعمل حالياً تدريسياً في كليّة الطب / جامعة القاهرة .

وكان قد سافر للعمل في أمريكا وأوربا لمدّة سنتين ونصف , في إحدى شركات الأجهزة الطبيّة التي تطوّر تكنلوجيا زراعة القلب والرئة .

عاد بعدها الى القاهرة لنيل شهادة الدكتوراه .

ثم سافرَ ثانيةً الى ألمانيا للتدريب على جراحات ( أو عمليات ) زراعة القلب والأجهزة المُعاونة لهُ .

وحصلَ على رخصة مُزاولة المهنة في الولايات المتحدة عام 2005

وحصل على زمالة كليّة الجراحين البريطانية عام 2006

بإختصار / سيقول الناس هذا مثال لإنسان ناجح , مالهُ والسياسة ؟

وسيقول ( أصحاب نظرية المؤامرة ) / هذا عميل مزدوج .

لكن الحياة الحقيقيّة فيها أوسع من هذا وذاك .

*******

ظهورهِ الإعلامي

بدأ نشاط د. باسم يوسف الإعلامي , بعد شهرين من الثورة المصرية

أيّ في مارس 2011 , حيث قام بتحميل برنامجهِ ( باسم شو ) على موقع اليوتيوب .

وكونهِ كان صوتاً صارخاً ضدّ نفاق بعض الإعلاميين المحسوبين على نظام مُبارك , من أحداث الثورة

فقد أصبح برنامجهِ , صوتاً مسموعاً لملايين المصريين الغاضبين في الميدان .

وحدثت الطفرةُ الكبرى في مسيرتهِ الإعلامية عندما عرضت قناة ( أون تي في ) عليه صفقة إنتاج برنامج سياسي بإسم ( البرنامج ) وبميزانية كبيرة تبلغ نصف مليون دولار .

وغدا ( باسم يوسف ) الشخص الأوّل في الشرق الأوسط الذي يتحوّل برنامجهِ من الفيس بوك الى شاشات التلفاز مباشرةً !

وعُرِضَت أولى حلقات ( برنامج البرنامج ) في رمضان 2011

وهو يُحاكي تقريباً طريقة الإعلامي الأمريكي الشهير جون ستيوارت

في برنامجهِ : ذا ديلي شو

The daily show

أو باقي برامج الشو الأمريكية والغربية .

وصار لهٌ صدىً كبير لا يزال يتصاعد تأثيراً في المجتمع المصري

بل حتى في الصحافة العالمية .

ومن اللقطات التي بقت في ذاكرتي عند مشاهدتي لبرنامجهِ هي تلك التي إرتدى قبعة غريبة وكبيرة , تُحاكي التي إرتداها محمد مرسي في باكستان عند تقلّدهِ شهادة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة .

وبالطبع قام باسم يوسف بعرض أقوال متناقضة وبائسة للرئيس المصري قائلاً عنها : إذا لم تفهموها فلأنّ فهمكم قاصر عن هذا النوع من الفلسفة !

وكان قبلها قد مازح الكثير من السياسيين والإعلاميين , بضمهم د. عمرو حمزاوي (الذي تجاوب ودياً معهُ) وسألهُ عن ماسونيتهِ المزعومة !

وهذا رابط إحدى حلقاتهِ

************

شخصيات مماثلة في الغرب

في الواقع يوجد ممثل مغمور إسمهُ جوش برولين

Josh Brolin

إستغل الشبه الكبير لهُ بالرئيس جورج دبليو بوش

ليقوم بتقليد حركاتهِ وأقوالهِ في برامج الشو الشهيرة .

حتى أنّهُ قام بتمثيل دور الرئيس بوش في فيلم يحكي قصتهِ من البداية الى إعتزالهِ الحكم .

الحركات والتصرفات التي يتقنها في تقليد الشخصيات تجعل المُشاهد دائم الضحك والمتعة . وبالطبع لا يتوقف الأمر على ذلك فمن خلال عملهِ يُمرّر نقده لقرارات الرئيس أو رأيهِ عموماً فيها .

لم نسمع يوماً في الغرب أن اُحضر ( وضُبِطَ ) أحد هؤلاء المُقلدين أو الساخرين من الرؤساء والسياسيين , حتى لو تجنّوا وبالغوا كثيراً في نقدهم .

لا بل الأمر يتعدى ذلك بكثير الى الشخصيات المقدسة .

فلا تكاد تخلو حلقة من برنامج الكاميرة الخفية الكندية : ( فقط للضحك ) أو

Just for luagh

من حضور رجل يمثل شبح السيّد المسيح , فيقوم بمعجزات أمام الناس لتنقلب بعد برهة الى ضحك وتنكيت على نجاح أو فشل تلك المعجزة .

لم يعترض على ذلك حتى المتدينين والمتشددين في الغرب .

فما بالنا نحن ؟

ومتى ستغدو أرواحنا ساميّة كفاية لنتقبّل المرح النافع ؟

أم ينطبق علينا المثل المصري / اللي على راسه بطحة يحسّس عليها ؟

تحياتي لكم / وكلّ عام والجميع بخير ومحبّة وسلام بمناسبة عيد الفصح المجيد .

رعد الحافظ

31 مارس  2013

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.