النازيون الجدد في السعودية!

تعطي معظم دول العالم ابناءها امتيازات لا يحظى بها من يحمل جنسية اخرى على أرضها. ذلك من حقها شرط ان لا تحرض تلك الامتيازات على استعداء الآخرين أو التقليل من شأنهم.

هذا للأسف ما يحدث في السعودية أحيانا، وهي التي يفترض انها اصل الرسالة التي تجعل من التقوى مقياس الفضل بين الناس. فمنذ تطأ قدمك المطار، ستحدد هويتك طريقة التعامل معك. فإن كانت سعودية فمن أهل الدار أنت. تقف في طابور خاص بك، وتحصل من موظف الاستقبال على نصف ابتسامة.

تدخل أي دائرة حكومية بهويتك السعودية وكأنك قائد عسكري. وبها تقابل اي مسؤول، بل وتشتكيه ان شئت. ستضمن تلك الهوية ان تتنقل اينما شئت وكيفما شئت دون كفيل أو سيد يحدد لك ما تأكل وما تشرب وأين تتحرك ومن تهاتف. تلك الهوية ستضمن لك ابتسامة جندي لا يجيد قراءة اسمه، وسائق تاكسي يكيل التهم بأريحية للأجانب.

إن لم تكن تملك تلك الهوية فاعكس الصورة تماما.

“أجنبي.. أجنبي” قالها أحدهم بهياج لرجل وقف دون أن يدري في طابور السعوديين في المطار. ثم اشار له بغير تأدب ان يقف في ذيل طابور يمتد حتى حدود الهند خاص بالأجانب.

“اجنبي وتقف هنا.. إذهب وأت بكفيلك” قالها موظف حكومي أمام عيني لرجل، غير سعودي، يراجع معاملة له في دائرة حكومية غير سيادية. حتى في القضاء لن يكون للشاهد المسلم حق الشهادة ان لم يكن “سعوديا”، وكأنما هي السماء لا تقبل سوى شهادة السعوديين!

عشت 16 عاما في بريطانيا لا أذكر ان احدا سألني ذات يوم عن جنسيتي، أو طلب اثبات هويتي سوى عند فتح حساب بنكي. واليوم اعيش منذ ثمانية اعوام في دبي ولم يسألني احد عن بطاقة هوية إلا في الاجراءات المالية. لكن في زيارة واحدة الى السعودية، لم تدم اكثر من ستة ايام، قدمت بطاقتي الى اكثر من سبعة اشخاص اشترطوا رؤيتها قبل ان يسمحوا لي بدخول دائرة حكومية او الحصول على شريحة هاتف.

هناك نظرة تزداد تطرفا في المجتمع السعودي تجاه كل ما هو غير سعودي. لعل الوضع الاقتصادي العام، والبطالة، وأسباب لها علاقة بالتربية والسلوك، كلها تحرض على هذا التصاعد الكبير في رفض الآخر الذي كان دوما هو المساهم في البناء لا الهدم.

وللأسف فقد ساهمت في الأمر مبالغة بعض المؤسسات الحكومية الرسمية في حصر التعامل معها على السعوديين وحدهم، فلا يراجعها الا سعودي، ولا يتقدم لها الا سعودي، كما لو أن كل دائرة حكومية هي سر من أسرار الوطن.

الإعلام المحلي وبعض الكتاب تحديدا بالغوا في تصوير الأجانب وكأنهم سبب كل مشكلة في الوطن. فهم الطامعون به، واللا مبالون بأمنه، ويستشهدون بحادثة او اثنتين، ويتناسون الف حادثة المدان فيها سعودي لا أجنبي.

عندما حدثت فيضانات جدة قبل ثلاثة اعوام كان من مات وهو ينقذ أربعة أرواح سعودية رجل باكستاني لا سعودي. لماذا نصور الأجانب على أنهم اشرار إذا؟

النظر الى الآخر على انه يهدد هويتنا، ويطمع في ثروتنا آمر خاطئ. فما مصلحة الآخر ان يهدد هويتنا؟ ثم لماذا نفترض ان العالم فقير بمجمله ووحدنا الأغنياء المطموع بهم؟

التواصل مع الآخرين بصرف النظر عن هوياتهم ودياناتهم وغناهم او فقرهم، اصبح عماد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والانسانية ككل. لأ احد يريد ان يجردنا من ثقافتنا لأن الثقافة ليست عقالا نلبسه أو نلقي به. والآخر ليس خصما يريد تدميرنا لأننا جزء من منظومة هو طرف فيها.

الوطنية شيء جميل ومطلوب، لكن المبالغة فيها ستخلق جيلا عنصريا يرفض الأخر، ثم يعاديه دون سبب سوى انه غير سعودي. وإن استمر الوضع هكذا، دون حملة تثقيف جادة، فقد لا يمضي وقت طويل قبل ان نقف امام ثلة من النازيين الجدد بهوية سعودية.

 المصدر ايلاف 

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.