الموت … التحدي للوجود الإنساني بين الممكن والمستحيل

خواطر مسافر إلي النور ( ٥٨ ) بقلم د. رءوف إدوارد
المستحيل بالنسبة للإنسان هو التخلص من حقيقة الموت والخوف منه ” وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟ “ ( رومية ١٤:٧) . البشرية عاشت وتعيش وستعيش، ورعبها الاول والاخير هو الموت . تعددت إختراعات الإنسان للتخلص من الموت و الخوف منه . أثبت إختراع الأديان أنه إختراع ناجع أكثر من غيره لأنه يريح الإنسان . وهذا إثبات غير مباشر لوجود أساس لمصداقية الإيمان بالله الموجود في كيان الإنسان نفسه . فلم توجد حقبة أو مكان في التاريخ لم تنشأ به عبادة إله . ومثل كل شئ لابد أن ينشأ ضده بديل مزيف . إنها حقاً مهمة مستحيلة علي مَن هو مِن العدم أن يَعرف الخالق . و تاه الإنسان عن معرفة الطَّرِيقُ الْحَقُّ للْحَيَاةُ بين آلهة مزيفة كثيرين .
لذلك شاء الخالق – تبارك أسمه – أن يَدخل الوجود الإنساني في المسيح يسوع . و أَعلن ذاته للإنسان ” قَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.“ ( يوحنا 6:14) . فصارت معرفة الإله الحقيقي ممكناً لأن ” اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ “ ( كورنثوس الثانية ١٧:٥ ). هذا بإختصار هو سر تجسد كلمة الله. هنا فقط تبدَّدَت مخاوف الإنسان من الموت و أَمِنَ الحياة و البقاء لأن الحياة ذاتها أُظْهِرَتْ ، فَتَعرَّف الإنسان علي الحياة عملياً في شخص الله فِعلياً وليس نظرياً بكلام و كتب ، بل بخبرة حفرها الله في تاريخ الإنسان وغرسها في الأساس الوجودي للإنسان وذلك بتجسد كلمة الله أو كلمة الحياة : ” اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ“ ( يوحنا ١:١-٥ )
إن تجسد الله في يسوع المسيح أحدث إضافة وجودية جوهرية للإنسان هي الإنسان الجديد في المسيح يسوع” إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا.… إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ “ ( كورنثوس الثانية ١٧:٥ ) . لقد قدَّم يسوع المسيح خليقة جديدة للإنسان متحدة بالله – في شخص يسوع المسيح نفسه – لا يمكن ان تنفصل بَعد . وصارت معرفة الله ليست فكرة عن الله بل إتحاد بالله ، في لحم الانسان وعظمه . وللتقريب نقول مِثل إنسانٍ يتبني طفلاً فقيراً و يربيه في حضنه ويعطيه إسمه وميراثه ” لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا “ ( إنجيل يوحنا ٢١:١٧). وإنسان آخر لا يتبني الطفل الفقير ، بل يتبرع له بمال أو أكل أو كسوة . شتان الفرق .
يقول القديس أثناسيوس الرسولي في التجسد الإلهي أن الله أخذ الذي لنا – بشريتنا المأزومة و المهزومة من الموت . و أعطانا الذي له – الإنسان الجديد في المسيح يسوع الذي له الحياة الأبدية . كل من يؤمن بيسوع المسيح يشترك في النسل الجديد ليسوع المسيح ويصير أخاً للمسيح ” 16 اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ… مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ “ ( رومية ٨) . ويصير علي مثال المسيح ، أي بشراً متحداً بالله . إتحاداً علي مثال التبني لله ( وهم المؤمنون بالمسيح ) ، و ليس من طبيعة الله ( الذي هو المسيح ، ويدعي الوحيد الجنس ) . قال الله في القديم أنه لا يعطي مجده لآخر ”«أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ“ (أشعياء 8:42) ولكنه – تبارك أسمه – أعطي مجده لنا في العهد الجديد في المسيح يسوع ” 22 وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ.23 أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي.“ ( إنجيل يوحنا ١٧). هذه هي الخليقة الجديدة للإنسان المتحد بالله في المسيح يسوع الحياة الأبدية .. ” فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ ( يسوع المسيح ) أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. “( عبرانيين ١٥:٢) . فأين غلبتك ياموت ؟ والسبح لله .
ُكتِبَت بمناسبة خبر عودة أجساد شهدائنا من الخمس المدن الغربية .

About رءوف إدوارد

د.رءوف إدوارد كاتب قبطي ليبرالي حر
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.