الملك البلجيكي ليوبولد الثاني .. وإستعباد الكونغو‎

ليس جديداً على الصحفيين الأمريكيين القيام بمهمات سياسيه تخدم أغراض وتوجهات بلادهم الإستعماريه على شكل مقابلات صحفيه مع ملوك أو رؤساء العالم وتحديداً أولئك الذين تنوي الولايات المتحده الإطاحه بهم أو بممتلكاتهم .

ليس من أجل حقوق الإنسان ولا من أجل الحق , قام الصحفي الأمريكي جورج واشنطون وليامز بالسفر الى بلجيكا لمقابلة الملك البلجيكي ليبولد الثاني وإجراء حوار صحفي معه في قصره في بروكسل عن ( المشروع النبيل ) الذي يقوم به ليوبولد في الكونغو , ( محاربته للعبوديه ) في هذا البلد البعيد عن بلجيكا وقيامه ( بتثقيف ) الأفارقه و ( تدريبهم ) على إدارة بلادهم , كواجب ( مسيحي ) إتجاه الأفارقه المساكين , و( يلح ) على عدم تقاضي ولو فرنك بلجيكي واحد في مقابل ذلك . وقد أطلق الصحفي على الملك في هذا اللقاء ألقاب مثل : ( الحكيم ) و ( واحد من أنبل الحكّام في العالم ) و ( أنه يعامل رعاياه بالحكمة والرحمة والعداله ) .

بعد نشر المقابله في الصحيفة الأمريكيه قام جورج واشنطون وليامز بالسفر الى الكونغو بسفينة بخاريه , وكتب عن الملك ليوبولد الثاني تقريراً إتهمه فيه ب ( جرائم ضد الإنسانيه ) وأنه لا يحارب العبوديه في الكونغو ولكنه يؤسس لها . ثم كتب رساله الى الرئيس الأمريكي جروفر كليفلاند يشرح له فيها الأوضاع في الكونغو .

بإختصار … قام الأمريكان بعمل فضيحه مدويه عما يقوم به الملك ليوبولد الثاني داخل الكونغو , ولكن ليس من أجل الكونغوليين أنفسهم وإنما من أجل مصلحة الولايات المتحدة الأمريكيه , لأننا حين سنصل الى الحرب الأمريكيه لفرض الشيوعيه على الكونغو سنرى أن الأمريكان إرتكبوا فضائع لا تعد كل جرائم ليوبولد الثاني بجانبها شيئاً .

ولد ليوبولد الثاني عام 1835 في ضاحية ( ليكين ) الملكيه على أطراف العاصمه بروكسل . في طفولته كان نحيفاً خجولاً عليلاً , والده كان يطلق عليه لقب ( غريب الأطوار ) .

والدته الملكه لويزا ماري كانت تشبّه أنفه الكبير على وجهه النحيل بأنه يشبه المنقار , وكان الوالدان يفضلان عليه أخاه الأصغر فيليب .

كلّف الوالدان كولونيل في الجيش البلجيكي للعنايه بالأطفال ليوبولد وفيليب وأختهما شارلوت _ فأدار الكولونيل حياة الأطفال كما لو أنهم في معسكر . كان البوق يصحيهم من النوم عند السادسة صباحاً ليبدأ الواجب حتى الخامسة عصراً تتخلله 3 ساعات للراحة وقت الغداء .

الملكه الأم كانت تواصل مع أولادها عند المساء فتأمرهم بالدراسة مدة ساعه وتمتحنهم شهريا ً ومن ينجح منهم تهديه كتابا ً . ولم تكن الأم راضية عن مستوى إبنها ليوبولد وتعتبره كسولاً مقلقا ً ومستوى تعليمه سيء .

كان عمره 15 عام حين ماتت الأم فأصبحت العلاقة فاترة جداً داخل العائله . الملك كان يرسل تعليماته الى أولاده بواسطة السكرتير ونادرا ً ما كانت العائله تجتمع لتناول الطعام .

على الرغم من مستوى تعليم ليوبولد السيء لكنه كان شغوفاً بمعرفة العالم وأخباره وكان يتكلم في السياسه ويحب دراسة الجغرافيا . كوّن صداقات مع وزراء البلاط وكان يطلب منهم معلومات دقيقه وخرائط مفصله عن العالم خارج بلجيكا .

بلجيكا محاطة بجيران أكثر قوة منها : بروسيا ( ألمانيا ) , النمسا , هنغاريا , هولندا , فرنسا , إسبانيا , بريطانيا . منذ العام 1500 كانت هذه الدول تستعمر بلدان حول العالم في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينيه غير أن بلجيكا لم يكن لديها مستعمرات ولهذا كان ليوبولد يشعر بالأسى .

عام 1853 أصبح عمر ليوبولد 18 عام عندها قرر والده تزويجه لغرض عقد تحالف مع البلد الجار القوي النمسا , فإختار له الأرشيدوقه النمساويه ماري هنرييتا , وكانت فتاة حيويه تهوى ركوب الخيل والموسيقى والكتب والفنون . تضحك بصوت عالي , متحدثه لبقه وجذابة الشخصيه . أما ليوبولد فكان يفتقد روح المرح ولكن يمكنه أن يتحدث لساعات عن الحروب والسياسه ولا يمتلك رغبة في الحديث عن اي شيء سواها .

إحدى السيدات النمساويات تحدثت عن هذا الزواج قائله إنه يشبه الزواج بين راهبة وولد … ليوبولد طبعاً هو الراهبه .

تركت العروس بيت أهلها في النمسا وانتقلت الى بيت العريس الذي كان نادرا ً ما يتحدث معها ولهذا سعت الى تكوين صداقة مع شارلوت أخت العريس , لكن شارلوت تجاهلتها أيضا ً عندها بدأت العروس تتنزه منفرده في جولات على الحصان , وعند المساء كانت تذهب وحدها الى الحفلات السمفونيه .

ليوبولد كان يحث والده الى إبتعاثه في سفرات حول العالم فسافر الى تركيا وفلسطين وايطاليا واليونان ومصر ورومانيا والبلقان ثم ذهب الى سيلان والهند وبورما وسنغافوره .

أجرى لقاءات مع السلطان العثماني والخديوي المصري وعدد كبير من الأمراء الأوربيين . ومن خلال كل هذه الرحلات والمقابللات بلوّر ليوبولد فكرة واحده : مثل بريطانيا وإسبانيا .. بلجيكا أيضا ً ينبغي أن تكون لها مستعمرات .

عندها بدأ ليوبولد يسافر (( للتسوُّق )) كان يريد شراء مستعمرات لبلجيكا .

حاول شراء بحيره على نهر النيل من الحكومة المصريه , تفاوض مع بريطانيا على شراء بورنيو . تفاوض للحصول على جزر فيجي في المحيط الهادي , جزيرة فرموزا في الصين , مقاطعات في الأرجنتين , وجزيره عند نهر الأرغواي .

عند التدافع على إستعمار قارة أفريقيا أسست فرنسا لنفسها قاعدة في السنغال , أما البريطانيون فقد توجهوا نحو نيجيريا .

في هذه الأثناء مات الملك الأب يوم 10 كانون الول 1865 . بعد أسبوع واحد جلس إبنه ليوبولد على كرسي العرش . إرتدى بدلة عسكريه برتبة جنرال وإمتطى حصانا ً جاب به أنحاء بروكسل ورفض أن ترافقه زوجته والأطفال في الجوله لكي لا يفسدوا شكل الإحتفال . علاقته مع أسرته كانت متباعدة جداً رغم أنه عند وفاة إبنه البكر بعد ذلك التاريخ ب 4 سنوات وكان طفلاً في التاسعة من العمر فإن الملك ليوبولد الثاني جثى على ركبتيه أمام النعش وبدأ بالنحيب بصوت عالي .

صحفي أمريكي يدعى ( ديفد ليفنغستون ) سافر الى افريقيا وإنقطعت اخباره عن العالم مدة 5 سنوات . عندها تم تكليف رحاله يدعى ( هنري مورتون ستانلي ) بالبحث عنه وكان ذلك عام 1871 . تم العثور على ليفنغستون بعد عام من البحث في قرية ( أوجيجي ) لكن ليفنغستون لم يكن راغبا مغادرة افريقيا .

حين عاد هنري مورتون ستانلي الى اوربا ألّف كتابا ً عنوانه ( كيف عثرت على ليفنغستون ) وفي الكتاب معلومات تفصيليه عن رحلته داخل أفريقيا فجذب هذا الكتاب نظر الملك ليوبولد الثاني . بعد عام سافر الملك الى لندن وإلتقى برحاله يدعى ( فيرني لوفيت كاميرون ) وكان هذا الرحاله قد دخل الى أفريقيا عن طريق جنوب نهر الكونغو .

أخبر الرحالة الملك بأن الكونغو أرض ثريه بما لا يوصف فهي غنية بالفحم والذهب والفضه والنحاس والحديد وأنهارها عريضه يسهل الإبحار فيها لنقل البضاعه .

فكّر الملك أنه وسط تدافع الدول القويه في العالم للإستحواذ على أفريقيا .. فإنه لو إدعى أنه يريد إستعمار شيء لمملكته فإن هذه القوى ما كانت ستسمح له بذلك , ولهذا هيأ لنفسه فريقا ً من الرحالة الجيدين وإندفع بهم نحو أفريقيا مدعيا ً أنه ذاهب لمساعدة الأفارقه وتطوير حياتهم .

عند وصول البعثه الى أفريقيا قاموا بتأسيس ( الرابطه الأفريقيه الدوليه ) وصمموا لها علماً هو عبارة عن نجمة ذهبيه على خلفية بلون أزرق ثم إنتخبوا الملك ليوبولد ليكون رئيسا ً لهذه الرابطه .

لم يقل الملك شيئاً خلال المؤتمر عن رغبته في حيازة مستعمره , لكنه أصر على عدم رغبته في مال أو سلطه وأن كل ما يسعى إليه هو مساعدة الأفارقه .

حالما إنتهى المؤتمر كتب الملك في مذكراته أنه يريد الكونغو لنفسه وأنه في شوق لوضع يده على شريحة من كعكة افريقيا الشهيه .

بعد عام على إنتهاء هذا المؤتمر أي في حزيران 1878 التقى الملك بالرحاله هنري مورتون ستانلي الذي كان قد جاب الكونغو ويعرف عنها الكثير وتعاقد معه على راتب سنوي يقدر حاليا ب 300 ألف دولار في العام مقابل أن يعود ستانلي الى افريقيا ويؤسس قاعدة في الكونغو ثم يبدأ بالتوسع من هذه القاعده وفي جميع الإتجاهات وبأقصى مسافة ممكنه .

عند هذه النقطه حل الملك ( الرابطه الأفريقيه الدوليه ) وشكل محلها ( رابطة الكونغو الدوليه ) مع بقاء الرابطه الجديده تحمل نفس علم الرابطة القديمه .

كلمة ( الدوليه ) في عنوان الرابطه لا تعني شيئا ً بالمره , لأن الرابطه محكومة من قبل ليوبولد وحده ولا أحد غيره .

كان ستانلي وإنطلاقا ً من قاعدته يعبد الطرق ويبني المحطات في الكونغو وجميعها تحت علم الرابطه التي يملكها ليوبولد . في شباط 1879 وضع الملك ليوبولد والرحاله ستانلي خطتهما للسيطرة على الكونغو .. أخذ ستانلي يندفع في كل الإتجاهات ويضع علامات على الطريق مكتوب عليها ( م . ستانلي ) لتحاشي ذكر أسم الملك ودفعاً للريبة عنه .

أرسل ليوبولد 12 رحاله أوربي لمساعدة ستانلي بعد أن جعلهم يقسمون أمامه على عدم الحديث عن مهمتهم حتى لأقرب الناس إليهم .

في آب من نفس العام عاد ستانلي الى الكونغو ومعه 80 شخص مسلح وأرسل المئات من الرسائل الى زعماء القبائل الأفريقيه يدعوهم الى إجتماع وطلب منهم أن يوافقوا على مد طرقه داخل أراضيهم وأعطاهم بعض الهدايا , وهكذا تم تأسيس مستعمرة ليوبولد التي انتهى منها عام 1882 .

تم تسليح ستانلي ب 1000 بندقيه و 20 مدفع و4 رشاشات آليه لمهاجمة القبائل المشاغبه وغير المتعاونه . ع 1884 عاد ستانلي الى بلجيكا وأخبر الملك أنه عبد الطرق وبنى المحطات في مساحة من الأرض تمتد 1500 ميل وأنه وقّع 400 معاهده مع 2000 من زعماء القبائل .

في هذه المرحله بدأ الملك يحدث سيناتورات من الولايات المتحده عن ( شعبه ) في الكونغو وعن دراسته لإقليم الكونغو ومساعدته للمسافرين ومحاولته إنهاء العبودية في افريقيا .

كذلك أقسم الملك لأحد الوزراء البريطانيين أن لا رغبة له في جمع المال من الكونغو , مثلما أخبر الألمان بأن الكونغوليين يجب أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم .

كلهم قوى إستعماريه ولا أحد منهم يصدق هذه النكات .. وحتى إن صدقها فالمصلحة فوق الحقيقه فيما يتعلق بالكعكة الأفريقيه .

نوفمبر 1884 إجتمعت القوى العظمى في برلين وكانت أمام الجميع خارطة كبيرة جداً لأفريقيا , موضوع المؤتمر هو التفاهم على تقاسم أفريقيا . في هذا المؤتمر سمح ليوبولد لجميع الدول المشاركه في المؤتمر بالتجارة الحره مع الكونغو .. فحصل على موافقة الجميع بسط سلطته على الكونغو .

في العام 1885 أصبح عمر ليوبولد 50 عاما قضاها كلها في السعي للحصول على مستعمره .. الآن أصبحت لديه واحده . كان يستيقظ عند الخامسة صباحاً يشرب الماء الدافيء ويخرج للمشي .. إفطاره اليومي كان 6 بيضات مع الخبز وعلبه مربى كامله . يقرأ رسائله ويشرح خططه على مائدة رمليه لمدة ساعتين يوميا ً . يعطي أوامره ويوقّع رسائله . أثناء الغداء كان الملك يتحدث بالسياسه حول أطباق المشويات والخضار ثم يعود الى مكتبه حيث يلتقي بوزرائه وضيوفه ومستشاريه ومساعديه . بعدها يعود الى قصره عند الساسه والنصف مساءا ً حيث العشاء وقراءة الصحف قبل النوم . كان هذا جدوله اليومي 7 أيام في الأسبوع دون عطلة او إستراحه .

خصص الأموال لبناء ما سماها ( دولة الكونغو الحره ) وإختار لها إداراتها التي كانت تنزل في فندق فخم في الكونغو كانوا يحتفلون فيه بعيد ميلاد الملك ليوبولد الثاني كل عام بإطلاق الألعاب الناريه في السماء .

عند وصولنا الى عام 1890 كان عدد المحطات التي بناها ليوبولد في الكونغو قد وصل الى 50 محطه تنتشر بين القبائل التي كان أفرادها يعملون على إستصلاح الأرض وبناء المنازل . رئيس القبيلة المرضي عنه يمنح ميداليه عليها صورة ليوبولد وخلف الصورة كتبت عبارة : ولاء وإخلاص .

لكن ضباط المحطات كانوا يريدون من زعماء القبائل ما هو أكبر من الولاء والإخلاص .. كانوا يطالبونهم بالعاج الذي أصبحت الكونغو مصدره الوحيد الى دول اوربا .

في البدايه كان هؤلاء الضباط يشترون العاج من القبائل , ولكننهم يستعملون القوة مع القبائل حين تشح الماده لأجبارهم على توفيرها .

هل تذكرون الصحفي جورج واشنطون وليامز الذي تحدثنا عنه في بداية الموضوع ؟ في هذه الأيام من عام 1890 وصل الى الكونغو وإتهم الملك ليوبولد الثاني بجرائم ضد الإنسانيه وإتهم ضباط المحطات أنهم لا يفقهون شيئاً عن الحياة في الكونغو ولا يتحدثون لغة البلاد ويحكمون العباد بالبنادق والسياط .

ردّ الملك على ما نشره الصحفي بالإتصال بالعديد من الصحف وحث محرريها على مهاجمة الأمريكان , ونشر في ( دولة الكونغو الحره ) تقرير مكون من 45 صفحه للرد على الصحفي الأمريكي .

عام 1891 كانت الأمور تجرى في الكونغو بم لا يشتهي الملك , اذ لم يكن يجني من مشروعه أموالاً كبيره , ولهذا فرض خطة حكوميه على الكونغوليين للعمل كعمال وخدم وحمّالين حيث إستخدم 50 ألف حمّال لنقل البضائع المختلفه من مواقع الإنتاج الى موانيء التصدير .

كان يتم ربط الحمّالين من رقابهم الواحد تلو الآخر بسلسلة طويله ويسيرون في رتل سوية يراقبهم الجيش والحرس وهم يحملون أحمالاً ثقيله . بعضهم كانوا أطفالاً بعمر 7 سنوات تم إختطافهم من أهاليهم ثم إجبارهم على هذا العمل .

في إحدى المحطات التي اطلق عليها إسم ( محطة باكا باكا ) أي ( محطة مخطوفون ) كان الموظفون البيض يعاملون الكونغوليين بوحشيه ويضربونهم بأداة تدعى ( جيكوت ) هي عباره عن سوط ثبتت في نهايته أسنان فرس النهر .. أحد الضبط جلد بها 30 طفلاً لأنه إعتقد انهم كانوا يضحكون عليه ,

لم تكن هناك عقوبات جديه لأي موظف على مثل هذه التصرفات فحين قتل أحد الموظفين إثنين من الحمالين جلداً لم يعاقب بغير غرامة 500 فرنك .

كانت القوانين في الكونغو قاسيه على السكان وقد فرض الملك ليبولد عليهم جيشا ً لضبطهم سماه ( القوات العامه ) ضباطها بلجيكيون أما جنودها فمن سكان الكونغو أو الدول الأفريقيه المجاوره .

بوصولنا الى العام 1900 كان تعداد القوات العامه 20 ألف جندي يتوزعون على 183 وحده منتشره في جميع الكونغو .

إضافة الى فرض الأمن كان واجب هذه القوات هم تأمين وصول العاج الى الحكومه بإجبار الأهالي على توفيره بالقوه ولهذا فقد قام مواطن كونغولي يدعى ( فيرناندو ) بقتل مدير محطة ( باكا باكا ) ثم قام السكان بأقفال طريق وصول البضائع الى ميناء التصدير وإستمر الشغب 8 أشهر متواصله .

لإرعاب السكان وإجبارهم على وقف أعمال الشغب قام مدير المحطه التالي بقطع رؤوس 21 سجين وحملها على أوتاد وضعها في حديقة بيته . مع هذا أضطرت القوات العامه الى مواجهة 12 تمرد تالي . أحد رؤساء القبائل قال : اذا لم نقاوم هؤلاء البيض فسيقتلوننا كلنا .

إنعطافة جديده ستحل على الكونغو عندما قام رجل ايرلندي يدعى ( جون دنلوب ) بتصميم عجله مرنه لدراجة ولده مصنوعه من المطاط , وبعد أن وجد الفكرة ناجحه قام بإفتتاح شركة دنلوب للعجلات المطاطيه وحين زاد الطلب على هذه العجلات كانت الشركه تزيد طلبها على خام المطاط من الكونغو .

في هذا الفتره أجبرت القوات العامه السكان على جمع المطاط وأن يزود كل رجل الحكومه ما بين 6 – 9 لتر من المطاط كل أسبوعين وإلا فمصيره العقاب .

حين يمتنع الرجل عن تزويد الحكومه بالمطاط كانت القوات العامه تعتقل نساء بيته ولا تطلق سراحهن إلا بعد استلام المطاط .

لم يكن هناك أي تردد عند إعتقال أو قتل أي كونغولي . كان الجنود يستلمون طلقات محدوده ولديهم أمر بقتل الكونغولي بطلقة واحده فقط . ولكي يثبت الجندي أنه قتل الضحيه كان على الجندي أن يقطع كف الضحيه ويسلمها الى إدارته , ولهذا كان الجنود يقطعون أيادي ضحاياهم حتى لو بقيت الضحية على قيد الحياة بعد إطلاق النار عليها .

استورد الملك الحيوانات من الكونغو لحديقة الحيوانات البلجيكيه . عربات قطاره الملكي كانت مصنوعه من خشب كونغولي . قصره في ليكين ضم حديقة محميه داخل بيت زجاجي مليئة بالنباتات الكونغوليه . المال الذي يصله من الكونغو إستعمله لبناء مشاريع شخصية له في بلجيكا وفرنسا .

ليس من أجل الإنسانيه ولكن من أجل الطمع قامت الحكومه الأمريكيه بإرسال رجال بعثات تبشيريه أمريكيه وبريطانيه الى الكونغو كتبوا تقارير عن الأوضاع داخل الكونغو .

عام 1895 قام المبشر الأمريكي الأب جون مورفي بنشر تقاريره في صحف بريطانيه تحدث فيها عن الإضطهاد والقتل وقطع الأيدي الذي يقع في الكونغو . حين بدأ الناس يقرأون هذه التقارير قام الملك ليوبولد بتشكيل لجنه مكونه من 6 أعضاء وظيفتهم النظر في الجرائم التي تقع في الكونغو .. لكن هذه اللجنه ( وكما هو متوقع ) لم تجد أية جريمه .

شخص يدعى ( أدموند موريل ) كان يعمل في شركة النقل البحري ( إيلدر دمبستر ) تشرف على جميع السفن المبحره من والى الكونغو . لاحظ هذا الشخص بأن السفن التي تغادر بلجيكا الى الكونغو كانت محمله بالسلاح والعتاد مع تأكيد من الملك على أهمية المحافظه على سرية تلك الشحنات .

بعد أيام قام ادموند موريل بدراسة سجلات ايلدر دمبستر وإكتشف تجارة قذره اخرى كانت بلجيكا تقوم بها في الكونغو .. جريمة ( فرض أعمال السخره ) لأن لا أحد على الإطلاق كان يحمل مالاً الى الكونغو لدفع أجور المواطنين عن الأعمال التي يقومون بها للحكومه البلجيكيه .

فاتح موريل رئيس شركة ايلدر دمبستر بما عرف فقام رئيس الشركه بمقابلة الملك ثم عاد ومعه بعض المال وقرر نقل خدمات أدموند موريل الى قاطع آخر في الشركه .

إستقال موريل وقرر فضح الملك ليوبولد ولهذا زار العديد من الدول لجمع التبرعات لقضيته ثم بدأ بالكتابة عن هذه القضيه في الصحف والرسائل والكتب .

أمر الملك بمنع موريل من دخول الكونغو , عندها بدأت الصحف تنشر صور العنف في الكونغو على صفحاتها الأولى .

في حدود عام 1900 إلتقى الملك بشابه فرنسيه تدعى كارولين ديلاكروا كان في 65 أما هي فكانت دون العشرين وأصبحا يلتقيان بإستمرار ويسافران سويه وكانت تظهر الى جانبه في المناسبات الرسميه , عام 1901 إصطحبها معه الى بريطانيا لتشييع الملكه فكتوريا .

عام 1905 توفيت الملكه بعد أن ظلت تقرأ أخبار زوجها وعشيقته لمدة عام كامل في الصحف وبموتها أسكن الملك عشيقته في قصر يقابل قصره الملكي وبنى جسرا ً بين القصرين يسهل عليه الوصول إليها دون السير في الشارع .

في تلك الفتره كانت إبنتا الملك تكرهان والدهما الذي زوجهما الى أميرين نمساويين رغم إرادتهما في الوقت الذي كانت لأحداهما وتدعى لويزا علاقة مع ضابط في الجيش , طلبت من والدها الموافقه على تطليقها لتتزوجه .. حين واجهها والدها بالرفض تطلقت رغم إرادته وهربت مع الضابط .

أما اختها ستيفاني فقد كانت تعيسه في زواجها لأن زوجها لم يكن يحبها وبعد زواجه منها .. إنتحر مع حبيبته عام 1889 . عام 1901 تزوجت ستيفاني مرة ثانيه دون موافقة والدها , ولهذا قام الملك بمقاطعة إبنتيه تماما ً وأمر البرلمان بالبحث عن قانون يمنعهما من وراثته بعد موته .

عام 1904 عاد القنصل البريطاني من رحلة تقصي للحقائق في الكونغو ولم تكن تقاريره جيده . عيّن شخصا ً يدعى ( روجر كيسمنت ) عمل في أفريقيا 20 عاماً وأرسله للبحث عن مزيد من الحكايات في الكونغو فعاد كيسمنت بعد 3 أشهر ونصف بقصص مرعبه من الكونغو مؤكداً أن عدد السكان كان قد إنخفض الى 60% عما كان عليه قبل 20 عاما نتيجة القتل المنظم للسكان ونتيجة عزوف النساء عن إنجاب أطفال سيتحولون الى عبيد حال ولادتهم .

حاول الملك المستحيل لمنع البريطانيين من نشر التقارير لكنه لم يفلح . حين عاد كيسمنت الى بريطانيا ذهب لزيارة أدموند موريل وقاما على الفور بتأسيس ( رابطة إصلاح الكونغو ) التي بدأت تنشر صورا ً كاريكاتيريه في صحيفة تايم البريطانيه تصور الملك ليوبولد الثاني مثل وحش محاط بالجماجم .

رد الملك على إدعاآت رابطة إصلاح الكونغو بأنها غير صادقه وغير حقيقيه لكن جهوده لم تعد تفلح في الرد بعد أن إنضم الى الرابطه الكاتب الأمريكي مارك توين وعدد من أمراء اوربا والكتّاب الفرنسيين .

تحت ضغط كل هؤلاء أضطر ليوبولد الى تعيين 3 قضاة في الكونغو لإنصاف السكان , فقاموا بالتحقيق في 370 جريمه وقعت في الكونغو , تم عرضها على الحاكم البلجيكي العام في الكونغو الذي إعترف بها .. نعم كانوا يشغلون الناس بالسخره ويأخذون منهم رهائن ويقتلون السكان … ثم أعقب إعترافه بالإنتحار .

كانت هذه الحادثه صدمه حقيقيه الى الملك والشعب البلجيكي الذي شعر بالإهانه لما تقوم به حكومته في الكونغو .

ساعتها كان الملك ليبولد الثاني على ظهر يخته في الجنوب الفرنسي مع عشيقته كارولين ديلاكروا , عندها أعطى أمره الى رئيس وزرائه لتحويل الكونغو من ( ملك شخصي للملك ) الى ( مستعمره بلجيكيه ) .

عام 1907 أصبح عمر الملك 72 سنه وكان يمضي المزيد من وقته مع كارولين التي أنجب منها ولدين دون زواج . عام 1909 مرض ليوبولد مرضاً شديداً فسارع الى الزواج من كارولين .

عادت إبنتاه الى بروكسل لرؤيته لكنه رفض مقابلتهما . قرر الأطباء إجراء عملية جراحية له لكنه مات في اليوم التالي .

عندما عادت أرملته من خارج القصر بعد فترة قصيرة من موته .. وجدت أن إبنتيه قد غيرتا كل أقفال القصر لمنعها من الدخول , والى حد اليوم فإن كثير من البلجيكيين لا يحترمون ذكرى أيام كارولين مع ملكهم ليوبولد الثاني الذي ترك ثروة شخصيه طائله على شكل شركات وعقارات في عموم اوربا على حساب أرواح ومصائر عدد مجهول من الكونغوليين الذين إستعبدهم طيلة 24 سنه .

في الموضوع المقبل سنتحدث عن كيف أدخلت الولايات المتحده الأمريكيه الشيوعية الى الكونغو لتطرد البلجيكيين منها

ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.