المسجد الأقصى مثل اللغة العربية

 المسجد الأقصى مثل اللغة العربية , فقد حل هذا المسجد محل المعابد السريانية واليهودية القديمة , تماماً كما تحولت الكنائس إلى مساجد , وتماماً كما حلت اللغة العربية محل اللغة السريانية , فبعض الناس اليوم يقولون عن لغتنا العامية من أنها تخبيص وبلا معنى وهم لا يدرون أنها آثار حضارة قديمة سريانية آرامية قديمة وهذا ينطبق على الدين المسيحي الذي ينظر إليه باستهجان من قبل المسلمين , فالناس تنظر لبعض كلماتي السريانية باستعجاب وغالباً باستحقار ليقولوا : ما الذي يقوله هذا الفتى , إنه يتحدث بكلام غير مفهوم , وكذلك هؤلاء الناس ينظرون لقصة الهيكل (هيكل سليمان الضائع) فيقولون هذا مستحيل لا يوجد هيكل , وكذلك عن اللغة العامية السريانية نجد بعض الناس يقولون بأنه لم تكن هنالك لغة سريانية وهذا الكلام فيه أخطاء علمية كبيرة .
فاللغة السريانية جاءت فوقها اللغة العربية فنسينا لغتنا السريانية , والمسجد جاء فوق الهياكل والكنائس فنسينا هياكلنا وكنائسنا , والموضوع لا يختلفُ عن بعضه البعض فاللغة السريانية وقصة البحث عنها تشبه إلى حد قريب قصة البحث عن الهيكل , فالهيكل واللغة السريانية هما وجهان حقيقيان لعملة واحدة .
يقول الإعلام العربي بأن اليهود يحفرون تحت المسجد الأقصى من أجل أن يهدموه , واليهود يقولون أنهم يحفرون تحت المسجد الأقصى من أجل البحث عن هيكل (سليمان) وهيكل سليمان تعني معبد سليمان .
وكلام اليهود ليس عارياً عن الصحة , فاللغة العربية احتلت مكان اللغة السريانية , والدين الإسلامي احتل مكان الدين المسيحي وليس من المستبعد أن يبنى المسجد الأقصى على أنقاذ مملكة أورشاليم أو على أنقاذ هيكل سليمان , لقد كمانت العادة قديماً أن يبني المحتل معبده على بقايا معابد الشعوب المغلوبة .
ودعونا نتخيل الأردن فلسطين سوريا لبنان كيف كانوا يعيشون قبل الإسلام , بعض الناس تتوهم وتتصور وتتخيل أننا كنا نتكلم منذ القدم اللغة العربية وهذا اعتقاد خاطىء فقبل أن يأتي الاستعمار الإسلامي كنا نتكلم ونتحدث بالسريانية , وكانت لنا معابد وكنائس وفي الأودية هنالك دلالئل رأيتها بأم عيني تشير إلى أنه كانت هذه الأمكنة معابد وكنائس بسيطة على قدر المستطاع وبقدوم الإسلام نسيت الناس معابدها أو بنت مكانها مساجد أو تحولت لمساجد كما تحول موقع الهيكل أو المعابد اليهودية إلى معابد اسلامية ومن المحتمل أن المسجد الأقصى نفسه هو موقع بناء قديم للهياكل اليهودية .
وأنا أقول هذا محتمل وليس أكيداً والأكيد المتأكد منه هو أن اللغة العربية لغة العرب المستعمرين احتلت المواقع السريانية اللغوية والثقافية وبالتالي انطمست هويتنا الثقافية الأصلية وبدأنا نشعر أن في أجسادنا دماء عربية نهتف ونغني للعروبة وللغة العربية رغم أنها ليست لغتنا في شيء .
والموضوع ليس صعباً فتخيلوا معي كيف فعل الاستعمار الفرنسي في الجزائر وما هي آثاره الثقافية على الشعب الجزائري علماً أن فرنسا استعمرت الجزائر مدة بسيطة ليست كمدة استعمار المسلمين للأراضي السريانية , وتخيلوا معي ما الذي فعله الاستعمار الإسلامي في اسبانيا من تأثير على بنية المجتمع الاسباني ؟!
ولنعد الآن لننظر إلى المدة التي قطعها الإسلام في البلاد السريانية إنها حتى اليوم أكثر من 1400سنة , وهي مة كافية لتغيير لون البشرة والدماء وحتى الجينات الثقافية .
ولكن علم الجينات الثقافية يكشف في كل مرة عن سلسلة ثقافة شعبية وكلمات عامية من عصور ما قبل الإسلام كانت موجودة في نواة المجتمع السرياني وفي السلسلة المتكررة لل (دي أن إيه) .
ليلة الأمس حصلت على سهرة ممتعة طربية كلها فن وغناء وموسيقى مع مجموعة أصدقاء قدامى مشاعرهم تحترق بسرعة مثل الأخشاب القديمة وأثناء السهرة دخلنا في جدال عن معنى بعض الكلمات التي غنيناها مثل (أوف ..أوف ) و(الميجنا) فقال أحد أصحابي هذه الكلمات بلا معنى ولكنها في الغناء لها تأثير على المغني والسميعة , فقلت :
-كيف ليس لها معاني بل كلها معاني .
-كيف كلها معاني شو معنى كلمة أوف ؟
فقلت:
-أوف معناها (عيد) كانوا السريان أسلافنا يحكوا مثلاً بكره في (أوف) وبقصدوا فيها عيد وكانت تستعمل لعيد الفصح وعيد الشكر ولكن تخيلوا معي أن المسيحيين أنفسهم يستعملون اليوم كلمة اليعيد بدل الأوف .
-عن جد؟..انت يابو علي ابتحكي عن جد !.
-طبعاً عند جد وإذا مش عاجبكم بحكي سرياني .
-طيب أوف معناها (العيد) والميجنا أعتقد إنها بلا معنى.
-لا كيف بلا معنى الميجنا كلها معاني .
فقام أحد الحضور وقال : أعتقد إنها كلمه تركيه كانوا الاتراك يستعملوها , فقلت لالالا (الميجنا) هي كلمتين مركبتين ( مي جانا) وهي سريانية ومعناها (ياماما أنا جاي أو بالبدوي العربي الفصيح (يا أماه أنا آتٍ ) وبمعنى آخر (يامو أنا جاي ) أو (جايه) أو جاي ) أو جيت , وهي ليست كلمة منحوتة من جئت وإنما جاء وجئت ربما أنهن منحوتات من كلمة (جانا) والذين يغنون ويقولون (ع الميجو يا بو الميجو يابو الميجنا ) معناها : يا أمي أنا جاي يا ماما أنا جاي يا ياموه أنا جاي , وما زال الشوام في بلاد الشام يقولون عن الأم (ياموه ) والذي يشنف آذنه ويستمع لنجم الكوميديا السوداء الساخرة دريد لحام وهو يغني (ياموه) يستنتج فعلاً تلك العلاقة الحميمية بين كلمة ياموه و( ميجانا) .
والكلمات العامية التي استعملها في معظم مقالاتي هي ليست كلمات عامية بل هي سريانية فصحى .
وقرأت مرة مغالطات في إحدى المقالات في مجلة الرسالة للعقاد حيث قال : كلمة يا ميجنا ودلعونا وأوف ..أوف , ليس لهن معنى وكلمة يا ليل يا عين هي لجارية كانت تعشق سيدها فضربها على عينها وقلعها لها فبقيت طوال عمرها وهي تغني وتنادي (يا ليل يا عين ) ولكن لم أجد ولا في أي مقال إجابة عن معنى تلك الكلمات السريانية التي نتحدث الآن عنهن .
ودعونا نتخيل اليوم مطرباً أو مطربة مثل أم كلثوم تغني وتقول (الليله عيد ..عا الدنيا سعيد) ودعوني أعود بكم إلى أيام السريان حيث كانوا يغنون نفس الأغنية مع فارق كبير في استخدام كلمة أوف بدل (عيد) حيث كانوا يقولون (الليله أوف…..وبكره أوف).
ترى أين ذهبت هذه اللغة ؟
نحن لسنا عرباً أو أننا ضحايا الاستعمار الإسلامي في بلاد الشام فالبدو القادمون من الحجاز واليمن استعمرونا ونشروا القرآن وبسبب القرآن انتشرت اللغة العربية ومع مرور الزمن نسينا لغتنا الأصلية وأصبحنا نتحدث ونتكلم ونتفاهم في اللغة العربية وهي ليست لغتنا الأم بل هي إحدى فروع اللغات الآرامية .
وفقدنا لغتنا السريانية وديننا المسيح فنحن في الأصل مسيحيون يعاقبة ونساطرة نشب بين أسلافنا صراع حاد عن ماهية الأقانيم الثلاثة وهل للمسيح طبيعة واحدة أم طبيعتين , فكان هنالك المؤمنون بالطبيعتين الناسوتية واللاهوتية وكان هنالك من يؤمن بالطبيعة الواحدة ومن بين أولئك النجاشي ملك الحبشة الذي آوي صحابة الرسول لأنهم يؤمنون مثله بالطبيعة الواحدة فآمن النجاشي بالمؤمنين بالطبيعة الواحدة ولم يؤمن بالإسلام كدين .
والمهم في الموضوع أن البدو الرعاة حينما قدموا بلاد الشام فاتحين ومحتلين باسم نشر الإسلام وقفوا بجانب المؤمنين بطبيعة المسيح الواحدة البشرية وليست اللاهوتية ومع مرور الزمن اندمج الدين السرياني المسيحي المؤمن بطبيعة المسيح الواحدة في الدين الإسلامي وخلال 500 سنة تحولنا من سريان إلى عرب نؤمن بالإسراء وبالمعراج وبقصص الأنبياء ونسينا لغتنا السريانية وأدبنا السرياني , وكانت الدواوين في بداية الخلافة الأموية تكتب الرسائل بالعربية والسريانية ومع مرور الوقت توقفوا عن الكتابة بالسريانية ومع مرور وقت إضافي آخر وقعت حمامات دم باردة في حق كل من يترك الإسلام وهذا يعني كل من ينطق بالسريانية أو بالإنجيل .
والموضوع اليوم خطير جداً فإحياء مثل هذه الأفكار من المتوقع أن تؤدي إلى ترسيخ فكرة أن المسجد الأقصى مبني على مخلفات الهيكل , تماماً كما أن اللغة العربية مبنية على مخلفات اللغة السريانية.
غالبية الناس تعتقد أن بعض الكلمات العامية الغريبة ليست بذات معنى من المعاني ويعتقدون أنها تافهة على الإطلاق ولا يقيمون لها أي وزن , غير أن غالبية كل تلك الكلمات أصلها من أصل لغتنا السريانية الجميلة , ولكن هذه اللغة اندثرت وتلاشت بفعل زحف البدو الرعاة على المحاصيل الزراعية للفلاحين السريان ومع مرور الزمن تحول زحف البدو من زحف اقتصادي يهدف إلى أكل الأخضر واليابس إلى زحف آخر يهدف إلى مصمصة دماء الفلاحين ومصادرة نسائهم وأطفالهم , وبمرور الزمن وتقدمه تحول هذا الزحف إلى زحف اقتصدي استراتيجي يهدف إلى تبليغ رسالة جديدة من الله , وتم خلال ذلك استعمار ثقافي للسريان نتج عنه نسيان اللغة الأصلية السريانية , ولكن العوامل الزمنية احتفظت بعشرة آلاف كلمة سريانية ما زالت متداولة بين الناس في معظم أرجاء بلاد الشام .
وفي النهاية أقول أنه من المؤكد أن اللغة العربية جلست في نفس الأمكنة التي جلست فيها المعابد الإسلامية التي يموت السريان دفاعاً عنها ضد العدوان الإسرائلي الغاشم رغم أن الحقيقة تقول أن احتمالية وجود موقع أثري تحت المسجد الأقصى مستحيلة ولكن ليس من المستبعد أن القواعد الأصلية للبناء هي نفسها بقايا هعيكل سليمان الذي دمره البابليون خربوه وخربوا يهودا والسامرة .

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.