المجتمع العربى بين الماضى والمستقبل

amirmagdyلاشك أن المستقبل بالنسبة لنا يمثل السؤال ألاهم وألاخطربل انه يمثل محور واتجاه النشاط الانسانى بمجمله ذلك لان الحضارة الانسانية تبدأ من الغد أى تبدأ فى المستقبل وتبدوا علاقتهما بلغة رياضية أن الحضارة دالة فى الزمن أى تتغير بتغيره وتدور مع دورته. وهذه المقدمة ليس لها تفسير الا أن اهمال المستقبل هو انحراف عن المسار الحضارى للجنس البشرى وأن معاداة الغد ستفرض علينا معاداة التاريخ الذى يمثل الطرف الاخر لمعادلة الزمن المعقدة . وهذا ما يمكن ان نشبهه بحالة السائل بين الانسياب والتجمد أو الانطلاق والتموضع وما بين هذا وذاك علينا أن نرصد موقفنا من المستقبل والماضى أو بمعنى أدق موقفنا من الحضارة والتخلف. هل معنى ذلك أن الاهتمام بالماضى هو ردة حضارية ورجوع الى الخلف ؟؟ بالقطع لا ليس الاهتمام بالماضى هو الذى يصنع التخلف بل السبب هو اعتبار أن الماضى هو نقطة انطلاق الحضارة وسفينة لغزو المستقبل وهذا ما يجب ان نتلمسه ونفهمه اذ كيف ننظر الى الماضى و التاريخ وعلاقتهما بالمستقبل؟! والى هنا سننزلق الى سؤال عن الفرق بين مفهوم الماضى ومفهوم التاريخ . فالتاريخ ليس الا مجموعة الاحداث التى حدثت بالامس وليس بالضرورة أن تتكرر اليوم او الغد أما الماضى هو مجموعة الافكار التى عاشت بالامس وستنتقل بالضرورة الى الحاضر ثم الى المستقبل فضلا عن أن التاريخ قابل للتحليل والنقد وامتصاص الخبرات المفيدة لتنتقل للمستقبل حتى لا تتكرر أخطاء السابقين أما الماضى غير قابل للتحليل ولا التنقية اذ ينتقل الى المستقبل بعيوبه وقصوره فالماضى هنا يفرض نفسه على المستقبل بشكل قصرى يؤدى الى قوبلة الفكر والعقل بشكل يجعلك تقدم نفس الاجابة بطرق مختلفة لجميع الاشكاليات المختلفة فى الازمنة المختلفة وهذا بالتحديد هو التخلف. وتقريبا هذه هى اشكاليتنا كمجتمعات عربية مع الماضى ومع المستقبل هى أننا نريد المستقبل كالماضى أى نريد اعادة انتاج الماضى فى المستقبل. والسؤال الان هو لماذا نريد ذلك؟؟ الاجابة على هذا السؤال تكمن فى فهم أن حلقة الوصل بين المستقبل والماضى هى العقل وهو الاداة المعطلة المغيبة بسبب سيطرة الفكر الاسطورى والغيبى واحتضان الخرافة أو اعتناق الثوابت الجامدة وهذا هو السبب الرئيسى للتخلف. وبالتالى فنحن أمام نتيجة مهمة أن العقل المعطل الاسطورى الجامد غير قادر على استشراف المستقبل وليس لديه أى اجابات على اسئلة الغد سوى ثقافة الماضى البالية . فالحل اذن للحاق بقطار الحضارة هو تحرير العقل وجعله حيادى وفرض حرية العقل حتى يكون له السلطة لنقد وتشريح وتحليل كل الافكار والثقافات لننفض منها ما يقيد تقدم الانسان من جهة ونتمكن من الاستعداد لحل مشاكل المستقبل من جهة أخرى. ولكن اذا كان هذا حل مناسب فلماذا لم تتبناه المجتمعات العربية التى تعانى من التخلف؟ الاجابة تكمن فى أن ذلك سيتعارض حتما مع الثوابت والتى تتفرع الى ثوابت ايمانية وثوابت سياسية وثوابت ثقافية وفكرية. غير أن أخطر ثوابت تتصادم معها حرية العقل هى الثوابت الايمانية بما معناه أن المجتمع سيتخوف من أن العقل الحر يمكن أن ينكر وجود الله أما العقل المغيب سيقبل الايمان بكل أريحية بدون نقد أو تحليل!! وطبقا لهذا المنطق فالمغيبون فقط وبسيطى التفكير ومحدودى العقل هم اللذين يؤمنون وهذه حجة ضد المجتمع ليست معه غير أن ايمان العقل الحر هو أقوى وأفعل من ايمان قهرى مفروض على الانسان بقوة المجتمع لان الحكماء والعلماء أيضا يؤيدون وجود الله ويقدمون الادلة القوية من منطلق العقل الحر. غير أن ركود الفكرة والتسليم بها بشكل تلقائى يضعف تأثيرها ويبهت مفعولها وينقلنا ذلك الى الايمان الظاهرى المظهرى الذى يتجلى فى الاقوال ويختفى فى الافعال وما يترتب عليه من ازدواجية ونفاق ورياء وشكلية وهو ما تعانى منه مجتمعاتنا بالفعل. بالاضافة الى مايعكسه ذلك من ضعف الايمان أصلا فوجود الله قطعا لايهزه فكرة ولا ينقده رأى فهذا فقط منطق العقول الكسولة ضعيفة الفكر التى تجد الاجابات السهلة فى المسلمات والثوابت وقمع حرية العقل. غير أن الايمان الحقيقى الواعى يقدم نفسه كمنظومة أخلاقيات وقيم روحية وعقائدية ثابتة ولكنه فى نفس الوقت يعترف بنسبية الحياة وتغيرها وقابليتها للتطور ويعترف للعقل بحقه فى الحرية والتفكير بشكل نسبى فى المجالات الغير قابلة للثبات وبذلك فالايمان لايقف عقبة فى طريق التطور المادى والحضارى غير أن الانسان هو الذى يفعل ذلك بفرضه معنى معين للايمان يناسب عقله المغيب المقيد. بيد أن أخطر الثوابت التى تنادى بثبات العقل هى المسلمات السياسية ومصلحتها فى ذلك هو احتكار السلطة من جهة والاستبداد فى ممارستها من جهة أخرى وهنا ستلوح السياسة للعقل باستخدام القوة بمسوغ من سلطتها الشرعية. فمواجهة الفكر بالقوة هى أهم سبب لازالة شرعية هذه السلطة وهذا قطعا ما يجب أن تتبناه وتحترمه الدساتير المتحضرة التى تؤمن أن سلطة العقل فوق سلطة السياسة وسلطة المجتمع ولا تواجه الا بالعقل المضاد. بئيسة وتعيسة تلك المجتمعات التى تقع فريسة للاستبداد السياسى الذى يحرمها من الاختيار ومن الحرية وخاصة حرية العقل لانه بذلك يضمن لنفسه عقود من الاستمرار والظلم والتجهيل والغاء الفكر. أما قوالبنا وموروثاتنا الثقافية فتساهم أيضا بقدر وفير فى تخلفنا ويتجلى ذلك فى اضطهاد الانوثة وقمع حرية المرأة والتمييز ضد الاقليات العرقية والدينية وتمجيد الذات والشوفينية البغيضة ونظرية المؤامرة والانغلاق والعداء مع الاخر والحياة داخل أمجاد التاريخ والتحسر على الماضى وغيرها الكثير. والان علينا كمجتمعات عربية أن نقاوم كا ما يعوق أو يحجب رؤيتنا للمستقبل وعلينا ان نتخلى عن أفكار الماضى ونستعد لاستقبال المستقبل بفكر جديد نابع من عقل حر حتى نتفاعل مع الحضارة ونسير فى طريقها لان البديل هو لعنة التاريخ.

About امير مجدي

كاتب ومفكر مهتم بالفكر العلمانى ونشر افكار التنوير والديمقراطية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.