المالكي لخصومه: «السيد» يحبني فاخرسوا!

المالكي لخصومه: «السيد» يحبني فاخرسوا!malki (2)
الخليج الإماراتية

يبدو أن الخلاف بين حلفاء الأمس استحال إلى نزاع، كان مخفياً في وزارة نوري المالكي (حزب الدعوة) الأولى (2006-2010)، إلا أنه ظهر وبقوة خلال الثَّانية (2010- 2014). معلوم أنه لولا ائتلاف التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي، وتوظيف آلة الحكومة ووسيلتها في الحملة الانتخابية، وما حصده جعفر الصدر، نجل محمد باقر الصدر (قتل 1980)، من أصوات تحولت إلى مقاعد لائتلاف المالكي، لم يتمكن الأخير من الوصول إلى رئاسة الوزراء ثانية. يُضاف إلى دور الكتلة الكردستانية، التي وافقت على حل الأزمة بشروط في مؤتمر أربيل (2010)، ولم يف المالكي بشيء منها، وهذا كان عاملا آخر في تدهور السياسة العراقية والضعف أمام الإرهاب والخراب.

بعد حرق السفن بينه وبين قوى الداخل السياسية توجه المالكي إلى الدعم الخارجي؛ وإرضاء المرجعية الدينية، وهو بيت قصيدنا! والدعم والرضاء غير مضمونين، فمثلما يُفتح له باب المرجعية كذلك يُفتح لسواه. أما الكُرد فالبائن أنهم ليسوا مع ولاية ثالثة له، فمدبر موافقة الكُرد في الثانية أخذ يعض على أصبعه ندماً. لأن المالكي بعد تمكنه «قلب ظهر المجن» للجميع، وتنصل من أي اتفاق مبرم بأربيل، ووظف كل الجهد لتمزيق الآخرين بينما كان بوجودهم تحل معضلات كثيرات.

أخذ يستخدم القضاء، وبهذا دُنست هذه السلطة بالطاعة، وكانت فضيحة البنك المركزي واضحة، أي بالتجاوز على قانون واتهام محافظه وإصدار أمر قضائي باعتقاله وغيرها مؤشرات لتسييس العدل، ومنها استخدام المادة التي عُرفت بـ«أربعة إرهاب» في تصفية الحسابات، ولو تساير مع المالكي الذين صدرت بحقهم بلاغات اعتقال وأحكام قضائية لتغير الموقف تجاههم؛ فما أن يهدد فلان بالاجتثاث، ويصدر أمراً بذلك، حتى تراه يعود إلى الصدارة.

سمعنا كلمة المالكي مِن قناة حزبه «آفاق» متحدثاً عما يخص حب وثناء المرجع السيستاني عليه، وهو السلاح الذي يدخره ضد خصومه من القوى الإسلامية الشيعية خصوصاً، الذين لا يغفر لهم جمع العدد الكافي لسحب الثقة منه، ولولا طوق النجاة الإيراني، لسُحبت الثقة، هذا ما صرح به علانية ساسة معروفون ليسوا على خلاف مع إيران.

قال المالكي، ويقصد هنا بـ«السيد» السيستاني، «سمعتها أن السيد ما يستقبل (لا يستقبله). أنا ما أُريد أنقل عن السيد، لأنه النقل عن الرجل يأتمننا حينما يلتقينا ويتحدث لنا، لكن على نحو الشيء البسيط: شكوتُ له مرةً مِن تصرفهم. قال: اجلس، هو أنا خلصان منهم. ومرة حينما أردت أن أخرج أَصرَّ أن يخرج معي إلى الباب، كلما حاولتُ أرجعه، كان المحافظ واقفاً خارج الغرفة (صلوات من الحضور) أصر أن يطلع وياي (معي) إلى الباب».

ينقل المالكي عن «السيد» قوله له: «أنا أريد أن أخرج معك، حتى يروني إني أُحبك واحترمك (صلوات عالية من الحضور)، ويؤكد في كلامه أن المرجع لم يفعلها مِن قَبل مع كائن مَن كان، بشهادة محافظ النجف الأشرف السابق أسعد أبو كلل»! بعدها يتحدث المالکي عن آخرين أنهم نقلوا له عن السيد قوله فيه: «أنا حينما أجلس مع المالكي، أجلس مع رجل دولة»! يُعلل المالكي هذا الثناء قائلا: «لأني أُصدقه ولا أكذب عليه، أقول له الحق، هذا عندنا وهذا علينا، ونريد منك هذا. فمن يكذب على هكذا رجل هل يستحي حينما يكذب علينا، حينما يشوه ويشوش ويذهب إلى البيوت… ويستخدم هذه الأساليب، الأموال والبطانيات. أين كنتم عن الفقراء؟ أين كنتم عن المحتاجين» (قناة آفاق).

أقول: حقاً ذكّرني رئيس وزرائنا، وأنا أستمع لعبارته الأخيرة، بأغنية وردة الجزائرية (ت 2012) «أولاد الحلال»!

حرصتُ على الإتيان بخطبة المالكي مثلما بُثت في الفضاء، كي تتضح مهزلة السياسة العراقية، إلى أي مستوى وصلت! مع الاحترام للمرجع الديني، فهل نتخيل أن الدولة تحولت إلى ولاية الفقيه؟ نحن لا ننفي أن المسؤولين العراقيين، في مختلف العهود، كانوا يزورون المراجع ويستطلعون آراءهم، ولا بأس بما يفعله المالكي، لكن لا يُفهم من خطبته سوى اتخاذ المرجعية دعاية انتخابية، وتوظيف حظوتها سلاحاً في اقتتاله من أجل التأبيد في الحكومة، وكل شيء يبقى على ما هو عليه: خراباً في خراب.

لو ناقشنا المالكي وكلمة السيد عنه بأنه رجل دولة، فهل مثل هذا الحديث يليق بمستوى رجل دولة، أن يظهر مأخوذاً بالقيل والقال، وندوته كانت مذاعة على الهواء! هل أصدقت المرجع، وأنت تقول «نقول له الحق»: ما هو مستوى الفساد، وكيف برأت فساد التجارة، وجمدت قضية الأجهزة الكاشفة للمتفجرات الفاسدة، وصفقة الأسلحة الروسية؟ كيف بيعت عقارات ضخمة بـ«تفاليس» جامعة البكر مثلا، وكيف وكيف؟ فعلى أيهن يشهد المرجع لك وتُصدق ذلك عن وسيط: إنك رجل دولة!

لا علينا بالحب والبغض، لكن أن تقول عبر الفضاء أنت الوحيد الذي خرج معك المرجع حتى الباب! بينما آخر كان المرجع يضع عباءته عليه احتفاءً، ولم يخطها في الدعاية الانتخابية، وهو ليس من الأحزاب الإسلامية ولا من الفائزين. هل نعتبر قول المرجع لك، وأنت تذيعها: «هو أنا خلصان منهم» (يتحدثون ضده) من باب الفتنة، وأنت رئيس وزراء العراق. انظر الدستور ما هي واجباتك! وثروة البلاد بيدك، وأنت القائد العام، ووزير الداخلية والأمن والدفاع! أقول: وأنا أسمع الرجل يتحدث بهذا الأسلوب عدتُ أعيد البيت مع نفسي لبصير المعرة (ت 449 هـ): «يَسودُ الناسَ زيدٌ بعدَ عمرو/ كذاك تَقلُّبُ الدَّولات دُولَه» (لُزوم ما لا يَلزَم).

كذلك يحضرني في شأن العراق، وأَمر السابقين واللاحقين، لدعبل الخزاعي (قُتل 220 هـ): «الحمد لله لا صبرٌ ولا جَلدُ/ ولا رقادٌ إذا أَهل الهوى رقدوا/خليفةٌ ماتَ لم يَحزن له أحدُ/ وآخر قام لم يفرح به أحدُ/ فمرَّ هذا ومرَّ الشؤم يتبعه/وقام هذا وقام الويل والنكدُ» (البغدادي، تاريخ بغداد).

كنت أستمع إلى الكلمة والصلوات التي يُقاطع بها (رجل الدولة) بين الحين والآخر، لأنه فاز برضاء المرجع، وكلامه موجه لمنتقديه: السيد يحبني فاخرسوا! أقول: أهذه هي الدولة، وهؤلاء رِجالها! ووفقاً لهذا المنطق، من حق الناس رمي معاناتهم وخراب بلادهم وضياع الثروة بفساد لا مثيل له، على مدى تسع سنوات، على السيد، لِمَ لا!

About رشيد الخيّون

رشيد الخيّون دكتوراه في الفلسفة الإسلامية من أهم مؤلفاته "الأديان والمذاهب بالعراق"، و"معتزلة البصرة وبغداد"، و"الإسلام السياسي بالعراق" و"بعد إذن الفقيه".
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.