العلم نورن

محمد الرديني

حين كتب معلم اللغة العربية لطلاب الابتدائية ذات يوم على السبورة “العلم نورن” كان يعني ذلك، فالطلاب في ذلك العمر لايعرفون ضمة التنوين وكان يعرف انهم سيعرفونها حين يشتد عودهم ويملكون عصا عقولهم بايديهم.
ولكن هذا المعلم لم يكن يدري انهم حين يملكون هذه العصا ذات يوم سيشهرونها في الهواء الطلق اولا،ثم يعيدون ترتيب اسئلتهم بعد ذلك.
في الهيكل الاداري للحكومة العراقية الحالية الكثير من المناصب يطلق عليها “مناصب بوس اللحى” والذي يريد ان يحصي اعدادها فامامه ملعب الشعب الدولي ليضع احصائيته فيها وسيكون بالتأكيد منصب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة حامي الهدف.
من ينكر ان وزارة النفط هي وزارة طاقة ويرأسها وزير اسمه عبد الكريم لعيبي.
ومن ينكر ان وزارة الكهرباء وزارة طاقة ويعتليها وزير اسمه كريم عفتان.
ثم هل تنكرون ان الزراعة في العراق العظيم هي ليست وزارة طاقة ويرأسها صلاح يوسف؟.
ثم هل ان وزارة النقل هي ليست وزارة طاقة ويرأسها هادي العامري؟.
هناك وزارات اخرى اخرى كثير لاتنتج الطاقة وانما تساهم فيها بشكل او بآخر، اذن ما حاجتنا الى نائب الرئيس لشؤون الطاقة؟
لسنا بصدد توفير سوء القصد ولكن لابد من احتمالين، الاول هو ان هذا المنصب ومثله الكثير قد اعطي على غرار ماكان يفعله الخليفة هارون الرشيد حين يصيح بحاجبه “اعطوه الف درهم” وكأنها من جيب اللي”خلفوه” او ان هذا المنصب حقيقة رغم ان ترجمة منجزاته على مستوى الشارع العراقي لاتسر الخاطر.
ماذا يحدث بالضبط؟.
يجيب ابو العلاء”ياعمي انت ليش دايخ،هل تعتقد ان احد العراقيين يتخيل ان بغداد سيأتي عليها يوما يقف فيها شرطي المرور في وسط الشارع لتنظيم حركة السير؟ قد يقول احدكم هذه احدى صور بغداد الخمسينات وهذا ماأكده محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق الذي يستعد الان لصرف 300 مليار دينار لانشاء بوابات بغداد.
تخيلوا هذا المبلغ يصرف على شيء وهمي اسمه بوابات بغداد فيما يقف شرطي المرور في كامل بزته العسكرية تحت شمس درجة حرارتها اكثر من خمسين درجة وهو يلوح بيديه للسيارات المقبلة والمغادرة متوسلا بهم ان يجعلوا حركة المرور منسابة لأن بغداد ليس فيها اشارات مرور.
اليس هذا معيبا ايها القوم؟ يمكن لهذا المبلغ ان ينشأ نصف مليون اشارة مرور في شارع يمتد من بغداد الى مدينة قم،واذا لم تصدقوني فاسألوا شركة بيانغ شن الصينية.
اكثر من مليار شخص في العالم شاهد كيف اعيد بناء المدن اليابانية التي دمرها الزلزال خلال شهر واحد.. اكرر خلال شهر واحد فقط.
لانريد ان يضربكم الزلزال ياقوم المنطقة الخضراء فنحن لانكن لكم العداء لأننا الذين اوصلناكم الى ما وصلتم اليه لكننا نسأل الله تعالى ان يمنحنا الصبر فوق مانحن فيه صبرا آخر.
لانريد لبغداد ان تتعرض لزلزال، حينها ستنقطع عنها الكهرباء ولم تنفع ال 27 مليار دولار التي صرفت حتى الان لأرجاعها بل ستحتاج الى 3 قرون لتقف على “حيلها” وتمسك عقلها بيدها.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.