العرب اللصوص الكرماء

كلمة الأعرابي معناها العربي البدوي الذي يعيش في الصحراء ولا يملك مهنة أو حرفة يأكل منها غير أنه يعتمد في نمط حياته على السرقة والقتل وقطع الطريق, لذلك فهو كريم لأنه لا يكرم من جيبه الخاص بل يكرم على حساب قتل الآخرين وقطع الطرق عليهم في الصحارى ,وكلمة العربي تفيد هنا على الأقل معنا مغايرا بحيث أن كلمة العربي تؤدي معنى الفلاح المزارع الذي يكسب لقمة خبزه من عرق جبينه.
وبالتالي فإن الفلاحين غير محتاجين للغزو ولا مضطرين له كما يضطر له الأعرابي البدوي غير النتج والذي ليس بيده صنعة أو مهنة .
ويدرك الأعرابي أن الفلاح بخيل وأن مجتمع الفلاحين بخلاء مع ضيوفهم وأقربائهم بعكسه هو الذي يبدو فعلا كريما معطاء جوادا مع أقربائه,لذلك كان الأعرابي يعتبر مزاياه مزايا أخلاقية ترفع من قدره بين الناس وبنفس الوقت يعتبر مزايا الفلاح مزايا كلها خسة ونذالة مع أقربائه ومع الغرباء.
وإذا فرغنا وانتهينا من تحديد الاصطلاح الذي سنتحدث عنه وجب علينا أن نعرف أن مجتمع الرعاة مجتمع كريم جدا حتى مع أعدائه ونقرأ في سيرة ابن هشام في الجزء الأول منها :أن عرب مكة كانوا يقاتلون الملك تبع اليماني في النهار وفي الليل يكرمون جيوشه ويمدونهم بالماء والطعام حتى أنه قال قولته المشهورة عن عرب مكة : والله إن قومنا لكرام يقاتلوننا نهارا ويطعمونا ليلا.
ويمتاز العربي البدوي الأصيل بالكرم وبحبه للكرم وللشهامة مع الغرباء إذا دخلوا بيته وقصدوه طالبين أي شيء سواء أكان شرابا وطعاما أو أي شيء آخر ,ولكن لا أحد يعرف سر هذا الكرم عند الأعرابي البدوي وزوجته والأعرابية .
وإذا أجرينا مقارنة بين العربي البدوي وبين العربي الفلاح نجد أن الفلاح لا يقارن بكرم الأعرابي البدوي حتى وإن وجدنا فلاحين كرماء فإن نسبة الكرم عند الأعرابي البدوي هي أضعاف نسبتها عند العربي الفلاح .
والكرم عند البدوي الأعرابي طبعٍِ’ طبع عليه والبخل عند الفلاح طبع أيضا طبع عليه ولكن ما هو السر وراء هاتين العادتين :
وهنا علينا أن ندخل في تفسيرات اقتصادية مادية فالأعرابي لا يعمل عملا يدويا يكسب منه قوت يومه ولا يحترف مهنة يأكل منها ويكسب منها بعكس الفلاح الذي يأكل من كسب يده ومن مهنته وصنعته , وكان عمر بن الخطاب ثاني خليفة للمسلمين يستاء جدا من الأعرابي الذي ليس بيده صنعة لبوسا يأكل منها ويعيش عليها حتى أن لعمر مقولة مشهورة تقول :
أرى الفتى فيعجبني ! فأسأل عنه؟ فإذا قيل لي لا صنعة له سقط من عيني .
ويعتبر عمر بن الخطاب هو المؤسس الفعلي لدولة الإسلام السياسية وكان يتوجه بأنظاره إلى الحضر والمتحضرين الذين يكسبون لقمة خبزهم من عرق جبينهم وبنفس الوقت كان ينظر للعربي الأعرابي وإذا به يكسب لقمة خبزه من :السرقة وقطع الطريق والقتل غير المأجور إذ أن البدوي يقتل ويقطع الطريق من أجل الحصول له ولأقربائه على لقمة الخبز.
وبما أن البدوي الأعرابي غير منتج ولا يملك مهنة يقتات ويأكل منها لهذه الأسباب كان يقطع الطريق من أجل الحصول على الغذاء والنساء وكان الأعرابي يتباه بين العرب بعدد سباياه من النساء اللواتي يحصل عليهن من خلال قطع الطرق الصحراوية وقتل أزواج النساء الجميلات للحصول عليهن من خلال قتل من يرافقهن من الرجال.
وفي معرض رد جعفر بن أبي طالب الملقب بجعفر الطيار على الاتهامات الموجهة لهم في بلاط النجاشي ملك الحبشة قال :
كنا قوم جاهلية يأكل القوي منا الضعيف ونغير على بعضنا البعض….
وهذا دليل على أن العرب كانوا يغيرون على بعضهم البعض من أجل الحصول على لقمة الخبز والنساء السبايا.
وهنا يبدو أن الذين يقرءون التاريخ العربي يقرءونه من تفسير علمي فالأعرابي كريم لأنه لم يحصل على الأشياء التي يكرم بها من تعب يديه وعرق جبينه بل لأنه حصل عليها بسهولة من خلال القتل وقطع الطريق بعكس الفلاح البخيل الذي من الصعب عليه أن تجود نفسه للناس لأنه يكسب لقمته بعرق جبينه من خلال تعبه في الحقل وهو يحرث ويزرع ويحصد ويقلع.
ومن خلال قراءتي للمجتمع البدوي الكريم وغير المنتج والمستهلك تبين لي أن كرم البدوي ناتج عن ما يحصل عليه من السرقة وقطع الطريق ولو أنه كان يكسب رزقه من تعب يده لتباخل في هدره وكرمه على أبناء عمومته .
وكان العرب البدو حتى وقت قريب يترفعون عن المهن اليدوية وعن الأعمال التجارية وإذا دخل تاجر إلى مجلس شيخ العشيرة أجلسوه في أطراف المجلس وعند دلال القهوة ولا يقدمون له الإحترام ولذلك وبسبب ترفعهم عن الإنتاج المهني لجؤا إلى ممارسة الربا بأنواعه المختلفة سواء أكان ربا الفضل أو ربى النسيئة , وحين حرم الإسلام الربا لم يفرق الإسلام بين الربا الناتج عن الربا نفسه وعن الربا الناتج عن تأجير رأس المال نفسه فقد حرموا أيضا تأجير رأس المال والبيعة في بيعتين.
وكنت أسمع حتى وقت قريب عن الأعرابي البدوي إذا أراد أن يسب عربيا فلاحا يقول له :
سبعك فلاح خسيس.
والخسة التي في الفلاح لا تعتبر خسة عند الفلاحين أنفسهم لأنهم يعرفون أن جارهم قد كسب لقمة خبزه من خلال عمله في الأرض المضني فكيف يكرم على الناس من تعب يديه وعمله المرهق أما الأعرابي فإنه يبذر ويسرف ويكرم لأنه يحصل بسهولة على لقمة عيشه من غير تعب فقط يعمل على إطلاق ربعه في الصحاري من أجل القتل وقطع الطريق والذي يحصل على شيء بسهولة ينفقه أيضا بسهولة .
لذلك كيف نفسر عملية غزو البدو للفلاحين؟ والتفسير واضح الغزو من أجل الحصول على إنتاج الفلاحين ومن يتابع أو من يقرأ في الأدب النبطي يجد أن عمليات الغزو التي كان يشنها الفلاحون كانت جميعها وأغلبها في شهور الحصاد من أجل سرقة إنتاج الفلاحين وكانوا يفرضون الخاوات أي الأتاوة على الفلاحين في كل شهر حصاد والذي يرفض من القبائل كانت تقاد ضدهم حملات تأديبية .

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.